هوية: المشروع الوطني للحفاظ على الجذور الفلسطينية

قصص وروايات العائلة استعراض

برير عروسُ خواطري ومشاعري             مالي عليك من الزمان عتاب

 

أنا لستُ بالباكي ولكن من أسى                حالت دموع واشتكت أهدابُ

  

بهذه الكلمات الرائعة , بدأ الأستاذ القدير محمود محمد محمود دغيش " أبو حسام " حديثه عن بلدته الجميلة التي ترعرع وبدأ حياته به , صاحب السبعينيات من عمره كان شاهدا على ما حدث في قرية برير وما حل بها من دمار وخراب حالها حال المدن والقرى الفلسطينية الأخرى , هذه القرية التي نزح جميع سكانها بسبب احتلال اليهود ووقوع النكبة عام 1948 .

وفي مساء يوم الأحد 12/10/2014 توجهنا إلى مكان إقامة الأستاذ أبو حسام ليروي لنا ما حدث في قرية برير, لما كان يشاهده ومعاصرته للنكبة التي وقعت كالصاعقة على معظم المدن والقرى الفلسطينية.

في بداية الحديث أكد المختار بأنها لا تزال كل لحظة عاشها في ذلك الوقت البعيد راسخة في ذهنه وأن من المستحيل نسيان ما حصل معه ومع عائلته بشكل خاص وأهل القرية بشكل عام, وأن ما حل بقريته جريمة لا يمكن لعقل أن تخيلها , تلك الأحداث التي أصبحت كالكابوس الذي يلاحقه في كل يوم وكل ساعة بل كل دقيقة, وأن من حق كل فلسطيني أن يفهم ويعي هذه الجريمة وأن على العالم أجمع أن يعرف مدى بشاعة الاحتلال الذي لم يفرق يوماً بين إنسان ولا حيوان.

يقول أبو حسام قبل الخوض في ذكريات ومجريات ما حدث سوف أتطرق إلى جدي الذي عاصرته قبل وفاته , جدي الذي كان يعطي لنا القوة والحماس ويؤكد لنا بأن كل شبر على هذه الأرض من حقنا نحن ولا يُعقل لأحد مشاركتنا به..

جدي محمود محمد دغيش توفي عام 1956 وقتها كان عمري عشرين عاماً, جدي الذي كان متزوجاً من السيدة "عائشة عبد الهادي دغيش ", كان معروفا بالمرح والعصبية أحياناً, وكان له لحية وشارب وكان دائماً ما يلف على رأسه العقال , كان يعمل مزارعاً وكان يملك ما يقارب من 300-400 دونماً , كان مستقرا في القرية , وخدم في العسكرية مع الجيش التركي, وشارك في ثورات عدة مثل ثورة 36, وكان متزوجاً من السيدة عائشة عبد الهادي دغيش وكان له أربعة أبناء وهم "محمد وحسن وإبراهيم وفاطمة" وجميعهم كانوا شاهدين على النكبة, وكانوا يعملون مزارعين وبعد عدة سنوات من النزوح إلى غزة توفوا جميعاً ودفنوا في غزة, ولكن قبل النزوح من القرية, كان حسن وإبراهيم يقومان أحيانا بالحراسات مع أهل القرية ضد العدوان.

وعن شجرة العائلة قال المختار بأنها تتكون من..

جدي محمود كان له أربعة أبناء (محمد , حسن , إبراهيم , فاطمة ).

والدي محمد كان له ثمانية أبناء(محمود , علي , احمد , جبر , إسماعيل , زهيه , عائشة , هيجر ) .

عمي حسن كان له ستة أبناء (ديب , رفيق , شفيق , ديبة , بسينة , نجاح ) .

عمي إبراهيم كان له ثمانية أبناء (سمير, إسماعيل , أحمد , سميرة , حنان , آمال , رويدة ,غادة).

عمتي فاطمة كان لها ثمانية أبناء (عبدالله , رزق , محمد , خالد , غريب , صبحي , هندومة , رايقة ).

 

وعن أبنائي أنا لدي ثلاثة عشر وهم: (حسام , بسام , عوض الله , أكرم , زياد , ابتسام , عبير , تهاني , ناهد , مريم , علا , صفاء , إيمان )بعد ما قاله الأستاذ أبو حسام الذي ولد في 18يناير 1935 سوف ننتقل للحديث عن ما جرى في عام 48 وما حدث مع أهل القرية في ذلك الوقت وبدأ المختار حديثه قائلا .. كنا في وقت المغرب نعمل في الأرض وقتها سمعنا أصوات القرى المجاورة وكأن كارثة حدثت، حينها قال لي عمي هيا بنا لكي نذهب إلى البيت , ورجعنا إلى البيت وفي الطريق شاهدت قافلة من الشمال تضم حوالي 200 آلية عسكرية واستنفاراً كاملاً , وفي فجر 13 مايو 1948 ونحن في بيت جدي بدأت معركة بين المقاومين اليهود وقامت ال200 آلية بمحاصرة القرية من ثلاثة جهات الشرق والجنوب والغرب. وتم التركيز على جهة الغرب بسبب وجود مقر المقاومة في هذه الجهة وكان من ضمن المقاومين ما يقارب 38 شخصا من الإخوان المصريين وغيرهم من أهل القرية, ودارت المعركة فجراً واستمرت لصباح اليوم التالي, وقامت قوات عسكرية من اليهود بقتل الكثير من الشباب طعناً خوفاً من سماع صوت الرصاص من القرى المجاورة ومعرفتهم بما يحدث , بعد ذلك جاءت طائرة قامت برمي مناشير على أرض القرية وكان نص المناشير على النحو التالي " جيش الهجانا احتل مركز المقاومة وعلى الجميع تسليم  أسلحتهم, وإلا سيتم تدمير جميع البيوت " توقيع ناحوم .

وفي يوم 15 مايو من العام 48 و بعد احتلال اليهود معظم المدن والقرى الفلسطينية, أعلنت بريطانيا إنهاء احتلالها لفلسطين ليقينها بأن اليهود احتلت القرى والمدن, بعد كل ذلك تم تدمير القرية "برير" واستشهد في أول يوم ما يقارب 75 شهيدا منهم 35 من الإخوان المصريين وخمسة أشخاص من المدن المجاورة بعد نفاذ ذخيرتهم, ورحل معظم أهل القرية عند حلول الساعة الحادية عشرة صباحاً, وظل في القرية عددٌ قليل وقتها.

وبعد ذلك يعود أبو حسام للحديث عن عادات وتقاليد وحياة أهل برير قبل وقوع النكبة عليهم .

يقول المختار قرية برير التي تقع على بعد 21 كم من شمال غزة , ويحدها من الشمال كرتيا وكوكبا ومن الشمال الغربي حليقات ومن الغرب سمسم وبربره ونجد ومن الجنوب الغربي هوج ومن الشرق الفالوجة, وهي من قضاء المجدل لواء غزة .

ويضيف أبو حسام أن هناك عدة تلال موجودة في القرية أهمها تل المشنقة, وعدة أودية منها وادي القاعة ووادي عمار والساقي وجميعها تصب في وادي الحسي الذي ينبع من جبال الخليل ويمر بأراضي برير ويصب في البحر الأبيض المتوسط .فيما تضم عدة خرب أهمها خربة قمصة وأم الخير , وكانت تضم مدرسة واحدة في ذلك الوقت أسست في 1920 كانت تُسمى ب مدرسة برير , وكان مديرها فوزي العلمي, وفي عام 1948 أصبح مديرها محمد أحمد حسين, وكان أشهر مدرسيها الذين كانوا من أهل القرية " حسن أبو جبل , خليل سرحان " , ومن خارج القرية كان من أشهر مدرسيها " عبد العزيز جمعة , وعبد الستار من الفالوجة ".

وأن المدرسة كانت تدرس لغاية الصف الصف السابع , وكان مُزمع افتتاح مدرسة تدرس لغاية الصف الأولى والثانية ثانوي, ولكن ما حدث من احتلال ونكبة أعاق ذلك.

ويكمل المختار حديثه قائلا .. درست في مدرسة برير للصف الخامس الابتدائي, وكان من زملائي في الدراسة في برير " عبد الحميد أبو صفية , محمد حسن الخطيب " .. وبعد الهجرة واستكمال دراستي في غزة كان من زملائي "صالح محمد الكحلوت , علي عزيز ", وأنني مازلت على علاقة وثيقة معهم لحتى اللحظة .

وكان فيها طريق رئيسي مُعبد من شرق جباليا من المقبرة الشرقية ويتلاقى بكوكبا ومن الغرب يلتقي بطريق صلاح الدين, وهذا الطريق عبده البريطانيون في عام 1937 لكي تبعد سر جنودها عن القوات الألمانية .

ويؤكد المختار بـأن هناك عدة تقسيمات للعائلات , وتتمثل بـ:

حارة الرزاينة / الخطيب, دغمش, ناصر, غريب, حماد, شامية, العطل, أيوب, أبو سمرة, موسى.. وكان مختار هذه الحارة  " محمد حسن غريب.

حارة العبيات / أبو الفحم, عفانة, عوكل, صباح, فلفل, سرحان.. وكان مختارها عبد الهادي أبو عياد .

حارة المقالدة / ظاهر, أبو شكيان, العالول, جاد الله, سالم (منصور), مونس..ومختارها "سلمان ظاهر".

حارة العجاجرة / عقل, أبو الهنود, النيرب, أبو داير, أبو دغيم.. مختارها "يوسف علي حسن" .

وعن العادات والتقاليد التي كانت منتشرة قديما في القرية .. يقول المختار //  بأن أكثر العادات والتقاليد التي كانت بين أهل القرية , كانت تتمثل ب الكرم , وحماية الجار , والاتحاد بين أهل القرية جميعا , وفي رمضان كان أثر ما يميز هذه العادات هي تبادل وتوزيع الأكل , والإفطار الجماعي بين الناس .  

وعن عادات وتقاليد الأفراح يضيف المختار بأنه يقوم من أهل العريس أمه وخواته وعماته وخالاته بالذهاب إلى أهل العروسة, وإن نالت إعجابهم يقومون بإرسال جاهة من كبار رجال عائلة العريس, ويقومون بفصل الفيد (النقد), وفي فترة الخطوبة في العادة كانوا يطيلون هذه الفترة حتى يوفر العريس المهر كاملاً, وحتى تقوم العروسة بخياطة ملابسها

وعن الفرح يقول المختار بأن الفرح كان يستمر لعدة أيام في حضور أهل القرية وقد يصل إلى سبعة أيام, ويأتي أهل العريس بذبيحة (خروف) ويقومون بعمل سباق للخيل ودبكة للشباب وأغاني للنساء .

ويضيف المختار بأن هناك مسجدا للقرية " مسجد البلد القديم" الذي يقع بين حارتي العجاجرة والعبيات , وكان هناك مسجد كبير يُبنى ولكن النكبة أوقفت ذلك .

وعن الزوايا كان هناك عدة زوايا لعل أشهرها " زاوية الشرفا , وزاوية أبو لبن في حارة العبيات ", وكان هناك مقام للشيخ سعود أبو لبن، وكانت عيادة موجودة بالقرب من بئر القرية, وكان يعمل فيها ممرض من مدينة غزة, وكان محمد المنيراوي حلاقاً للقرية, وكان هناك بئر للشرب كان يستعمله أهل القرية .وكان في ذلك الوقت مقهى لآل عقل, كان فيه راديو, وكان فيه ما يسمى بصندوق العجب وهو عبارة عن علبة صغيرة يوجد فيها عدة صور, وتقوم بلف هذه الصور ويشاهده كل من كان يجلس في المقهى .

وبعد كل ما تحدث به رجل من أعرق رجال غزة، أستاذ فيه من الثقافة والعلم ما لا يوجد بكتب كاملة , الأستاذ أبو حسام دغيش أعطى كل ما لديه من حديث وتاريخ عن قريته برير وعن ما حدث معه ومع عائلته وأهل القرية.. المختار قال  بأن حق العودة حق ٌلكل مواطن فلسطيني طبيعي سواء ملك أرضاً أم لم يملك لأن طرد اللاجئ أو مغادرته موطنه حرمته من جنسيته الفلسطينية وحقه في المواطنة، ولذلك فإن حقه في العودة مرتبط أيضاً بحقه في الهوية التي فقدها وانتمائه إلى الوطن الذي حرم منه , وأن على كل رجل وامرأة وشيخ وعجوز وطفل وطفلة الفخر بكونه فلسطيني الهوية وأن على هذه الأرض حدث ما لا يحدث في معارك كبيرة وأنه لا شك سيأتي يوم لكي يعود كل فلسطيني ترك أرضه قريته العودة إليه مرةً أخرى, لعل هذه أشبه بالمعجزة لكن أملنا الكبير بالله أولا وبرجال فلسطين الطاهرين سوف نحرر كل شبر من هذه الأرض العظيمة .

 

 

 

            اسم الشاهد: محمود محمد محمود دغيش "أبو حسام" .

              تاريخ ومكان الولادة : 18/1/1935,, قرية برير .

              تاريخ إجراء المقابلة: 13/10/2014

              مكان إجراء المقابلة: في بيت المختار أبو حسام دغيش .                 

 

أجرى هذه المقابلة و أعد لها وأخرجها : جمعية التجمع الشبابي من اجل فلسطين .

 

 

تمت الاضافة من قبل Howiyya بتاريخ 12/11/2014
السجلات 
 من 1