18/4/2013
محمد محسن وتد-خبيزة
اعتاد الحاج فيصل سليط "أبو محمد" (78 عاما) العودة إلى قريته المهجرة خبيزة في ذكرى نكبة فلسطين بعدما شرد منها عنوة عندما كان عمره 13 عاما، وهي بمثابة عودة لساعات تحمل في طياتها مشاعر مختلطة ممزوجة بدموع الحزن والفرح الذي يبعث لديه الأمل، مع نشوة المشاعر التي تحرك وتنمي لديه حلم تحقيق العودة إلى الأرض وتشييد القرية التي كان يسكنها إبان النكبة 350 نسمة.
وجسدت أحداث قرية خبيزة التي تواصلت لأسابيع خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار 1948 واقع 32 قرية في منطقة "بلاد الروحة" قضاء الساحل والممتدة على مساحة 220 كلم2، والتي عاشت تحت طائلة هجمات اليهود ومعركة نفسية امتدت لأشهر من المعاناة والخوف وكوابيس الموت.
كان والده في سوريا لإحضار إمدادات الأسلحة للمقاومين والثوار حين أمطرت عصابات "الهاغانا" و"الإيتسل" لأول مرة القرية والمنطقة بالرصاص العشوائي، لتحمله والدته مع إخوانه وأخواته الستة كباقي نساء وأطفال القرية هربا من الموت، في رحلة عذاب بحثا عن الأمن والأمان في قضاء جنين إلى حين العودة، لتتحول المعاناة إلى حالة لجوء ما زالت فصولها متواصلة.
دموع ومعاناة
سبقت دموع الحاج فيصل كلماته للجزيرة نت حين عاد بذاكرته إلى الأحداث التي تسببت في تشريد أهله وشعبه ليعيش على بقايا وطن.
كان في مقتبل العمر حين تسارعت وتيرة الاشتباكات، فمشاهد اللجوء بقيت راسخة في ذاكرته وكأنها جرت للتو، وفصولها ما زالت تعيش في وجدانه.. سنوات من المعاناة والمطاردة المحفوفة بخطر الموت خلال رحلة التهجير والتشريد التي تلت النكبة، قضاها كغيره من أهالي القرية في اللجوء إما في الوطن المسلوب أو في الشتات.
يقول الحاج إنه بعد عودة والده من سوريا رجعت العائلة إلى القرية، ليكتشفوا أن المنطقة تحولت إلى ساحة حرب، فقد أتت إمدادات السلاح، ولكن تواصل المعارك مع اليهود أدى إلى تهجير سكان 27 قرية، حيث كانت العصابات اليهودية تداهم القرى معززة بالمجنزرات ومطلقة القذائف والرصاص العشوائي لإدخال الخوف والرعب في قلوب الأهالي ودفعهم إلى الرحيل والهجرة القسرية. وقد دمر الإسرائيليون القرى المهجرة بعد أشهر منعا لعودة أهلها وسكانها.
مجازر ونزوح
وعاد الحاج بذاكرته إلى المشاهد الأولى للتشريد والتهجير التي أدت إلى سقوط قريته وسائر قرى المنطقة بأيدي العصابات اليهودية، مشيرا إلى أن أصداء مجزرة دير ياسين والمذابح التي ارتكبتها العصابات بحق السكان وصلت إلى المنطقة، كما تواترت الأنباء عن الاشتباكات وإرسال المزيد من القوات اليهودية.
ويضيف أنه في صبيحة 12 مايو/أيار سقطت "بلاد الروحة"، ولم يستوعب الناس ما حدث في البداية، إذ هاجمت البيادر فرق عسكرية مدججة بالأسلحة والمجنزرات وأمطرت الفلاحين بالرصاص، ومع سقوط أول شهيد اضطر السكان العزل المجردون من أي سلاح إلى مغادرة القرية تاركين منازلهم وأغراضهم وممتلكاتهم والمحاصيل الزراعية.ا
مسيرة العودة
وما زال الحاج فيصل يبكي تشريده ونكبة شعبه، لكن يهوّن عليه لجوؤه داخل الوطن، إذ استقر به المقام في مدينة أم الفحم القريبة إلى قريته، ليعود إليها كلما اشتاق، يقبّل ترابها ويتفقد مقبرتها التي تتعرض للتدنيس، يبكي على أطلال منازل القرية التي قصفت، يستنشق هواءها لتنعشه مجددا وتبقي جذوة حلمه بالعودة مشتعلا.. حلم يورثه لأحفاده الذين يوصيهم بمواصلة المسيرة.
وما زل الحاج يتواصل مع اللاجئين من أهل قريته وأولادهم الموزعين في مختلف مخيمات الشتات، وتضيق به الدنيا عندما يسمع كلمة "مخيم"، ويناشد القيادات الفلسطينية الحفاظ على الثوابت الوطنية وعدم التفريط بها أو التنازل عنها، محملا مسؤولية جرح فلسطين النازف وملف اللاجئين للقيادات العربية والعالمية.
المصدر : الجزيرة