الكيلاني، الشيخ وجيه: (1301-1334ه/1883-1916م)
(عالم فقيه. درس في نابلس. وبمساعدة من عمه الشيخ سيف الدين. عُين كاتباً في المشيخة الإسلامية. عينه السلطان محمد رشاد معلماً للعربية وعلوم الدين لولديه، ثم أعطي رتبة القضاء وأرسل مفتياً ومرشداً للمسلمين في الفليبين. واضطره المرض إلى الرجوع إلى بلده للتداوي، وتوفي في الولايات المتحدة في أيار/مايو 1916)
هو محمد وجيه بن منيب زيد الكيلاني. ولد في نابلس، وتعلم في مدارسها حتى نال شهادة المدرسة الإعدادية سنة 1898 وكان لا يتجاوز الخامسة عشرة. دخل بعد ذلك حلقات العلماء، ودرس على البارزين منهم فنال الإجازة بتفوق في العلوم النقلية والعقلية وتفسير القرآن سنة 1906. اهتم بدراسة اللغات فأتقن التركية والفارسية، ومن اللغات الأوروبية أتقن الفرنسية. كما كانت له معرفة باللغتين الألمانية والإنكليزية بعد أن درسهما خلال إقامته في إستنبول.
جاء الشيخ وجيه إلى إستنبول سنة 1906 حيث كان عمه الشيخ سيف الدين يتمتع بمركز حسن، وبمساعدته تقلد عدة مناصب في المشيخة الإسلامية، ونال إعجاب شيخ الإسلام. ثم عُين معلماُ خاصاً للأميرين نجم الدين وضياء الدين، ابني السلطان محمد رشاد، لتعليمهما اللة العربية والدين الإسلامي. وبعد مدة حاز إعجاب السلطان، فأنعم عليه برتبة بلاد خمس في القضاء والنيشان المجيدي. وفي سنة 1913، طلبت الولايات المتحدة من الدولة العثمانية إرسال عالم مرشد للمسلمين في الفليبين، فوقع اختيار السلطان وشيخ الإسلام عليه. أقام الشيخ وجيه في الفليبين عاماً واحداً أنشأ خلاله عدة كتاتيب ومدارس دينية وجوامع، فأحبه الناس هناك وقدروا أعماله النافعة، لكن مرضاً مفاجئاً ألمّ به واضطره إلى العودة إلى بلده للتداوي. رجع الشيخ روجيه إلى فلسطين عشية الحرب العالمية الأولى، وكان موجوداً في الناصرة في أواخر سنة 1914 لأن الأطباء نصحوا له تبديل الهواء فيها. وفي أثناء إقامته بالمدينة، اعتقلت السلطات العثمانية بعض المسيحيين من قرية الرامة وسجنتهم، فساعدهم الشيخ وحماهم. كما تحفظ له عائلات كثيرة أخرى دوره وتدخله لدى السلطات العسكرية لمنع أعمال السجن والنفي نتيجة الوشايات.
وقد التقى خلال إقامتع بالناصرة أيضاً مفلح الغساني (نجيب نصار) في أوائل سنة1915، حين كان مختبئاً من وجه السلطات العثمانية. وحاول الشيخ وجيه التوسط له عند السلطات العثمانية لكن من دون جدوى. وكان ابن الشيخ، سري، مرافقاً لوالده في الناصر عدة شهور وهو ما زال في العاشرة من عمره، لكنه صار فيما بعد، أيام الإنتداب البريطاني، رئيس كتاّب محكمة الصلح في الناصرة، واستشهد فيها سنة 1948.
في سنة 1915، أوفدته الدولة العثمانية ثانية إلى الفليبين عن طريق الولايات المتحدة، بمهمة سياسية تعهد تهدف إلى منع دخول أميركا الحرب ضد دول الوسط. وخلال إقامته بأميركا ازداد عليه مرض الكليتين، فدخل المستشفى في مدينة ريتموند في ولاية فرجينيا، وتوفي ودفن هناك في أيار/مايو 1916.
لقد حفظ المسلمون في الفليبين أعماله المهمة في الإرشاد وإقامة المدارس والجوامع، فشيدوا له بعد وفاته مقاماً، إكباراً وإكراماً لدوره هناك. أما خلال إقامته بالناصرة فإنه كان أنقذ بعض المسيحيين من المشنقة، وأطلق آخرين من السجن وحماهم من عقوبة النفي إلى بلاد الأناضول. ولا يزال سكان الناصرة، بمختلف طوائفهم، يذكرون له أعماله ومآثره في أثناء إقامته القصيرة بينهم. كما قام بعضهم بتسجيل تلك الأعمال في كتب التاريخ والمذكرات. وقدر له بدوره هذا ضباط الفرقة العسكرية في الناصرة، وأسفوا لسفره لأنهم «خسروا بذلك مستشاراً حكماً ومرشداً كريماً، صار الناس يخشون أن يصير للفساد شأن وصوله.»
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع