رحلة البحث عن الجذور: زيارة في دمشق توثّق تاريخ عائلة الصيحاني

دمشق – 7 شباط/فبراير 2025
لم تكن زيارة باسم صفوري إلى دمشق مجرد لقاء عائلي عابر، بل كانت رحلة استكشاف شيقة في تاريخ إحدى العائلات الفلسطينية التي حملت معها ذاكرة إحدى عائلات حيفا والطنطورة في تنقلاتها القسرية بعد نكبة 1948.
خلال زيارته لقريبه الأستاذ هاني الصحّاني في منطقة القابون في دمشق، والتي تربطه به صلة قرابة من جهة والدته، قام باسم بمهمة توثيق تاريخ العائلة، موثّقاً أبرز محطات الهجرة والنكبة، في خطوة تعكس أهمية الحفاظ على الذاكرة الجماعية.
الخروج من الطنطورة.. بداية الرحلة
في عام 1948، اضطر نجيب الصحّاني، والد الأستاذ هاني، إلى مغادرة الطنطورة برفقة عائلته. كانت العائلة قد لجأت إلى قرية (جتّ)، حيث كانت شقيقة هاني متزوجة هناك، لكن الأب نجيب لم يكن معهم، إذ كان قد وقع في الأسر لدى القوات الصهيونية، حيث أُجبر على العمل بالسخرة لمدة ستة أشهر في تعبيد الطرقات ونقل الممتلكات.
بعد إطلاق سراحه، التحق بعائلته في جت، وعرض عليه مختار البلدة أن يسجّله كأحد أبناء القرية ليتمكن من البقاء فيها، لكنه رفض قائلاً: “أنا لا أستطيع أن أرى اليهود بعد ما وجدته منهم في الأسر”، فقررت العائلة المغادرة إلى مخيم طولكرم.
الرحيل إلى الشام.. الرحلة الأخيرة للأب
مع تدهور صحة الوالد، قرر السفر إلى دمشق حيث كانت اثنتان من بناته وأخته تعيشان هناك. رغم نصائح الأصدقاء والجيران بالتمهل، أصر على الرحيل، فتم تأمين سيارة (8 ركاب) للعائلة، حيث تمدد الوالد في الخلف بسبب مرضه، بينما جلست الوالدة بجواره والأبناء في الوسط.
وصلت العائلة إلى الحميدية بدمشق منتصف الليل عام 1952، وكان عمر هاني آنذاك سبع سنوات. رفض سائق السيارة إيصالهم إلى القابون، لكن القدر هيأ لهم أحد أبناء الطنطورة، الذي صادف انتهاء عمله في مقهى قريب، فساعدهم على الوصول إلى وجهتهم.
مع أولى ساعات الصباح، وبينما كانت العائلة تلتقي بالأقارب والجيران، فارق الأب نجيب الحياة عن عمر 48 عامًا، تاركًا زوجته الشابة (35 عامًا) تتحمل مسؤولية خمسة أطفال (ثلاث بنات وصبيين).
كفاح الأم ونشأة جيل جديد
رغم المصاعب، نجحت والدة هاني في تربية أبنائها، حيث عملت في مجال الأعلاف وتنقية الحمّص، بينما ساعدتها ابنتاها المتزوجتان. في هذه البيئة المليئة بالكفاح، نشأ الأستاذ هاني الصحّاني في أجواء تربوية ملتزمة، واصل تعليمه حتى تخرج من دار المعلمين، ثم التحق بـ جامعة دمشق، كلية الآداب، حيث أكمل مسيرته الأكاديمية، ليصبح لاحقاً مدرساً جامعياً ومؤلفاً في المجال اللغوي، ويترك بصمة تعليمية وتربوية في أجيال من الشباب الملتزمين أخلاقياً ووطنياً.
شجرة العائلة.. بحث في الجذور
لم يفت صديقنا باسم صفوري أن يسأل قريبه عن شجرة العائلة، بحثًا عن جذور قرابتهما. وأوضح الأستاذ هاني أن العائلة تعود أصولها إلى الجد علي الصيحاني من قرية كفرلام قضاء حيفا، الذي كان متزوجاً من أكثر من امرأة، حيث أنجب حسين (جد هاني) في كفرلام، ورشيد في حيفا، بالإضافة إلى عدد من البنات.
• حسين (جد هاني لأبيه): أنجب نجيب (والد هاني) وسليم (توفي أبناؤه صغارًا).
• رشيد (جد باسم لأمه): أنجب عادل، أحمد، وحسن (توفي صغيرًا).
وأشار الأستاذ هاني إلى أن اسم عائلة والدة باسم مُسجَّل “السيحاني”، بينما عائلته مُسجَّلة “الصحّاني”، في حين أن الأصل هو “الصيحاني”.
حفظ التاريخ.. حفظ للهوية
وافانا صديقنا باسم بما جمعه من مادة غنية عن عائلة والدته وقريبه، فكانت خطواتنا السريعة باتجاه سجلات النفوس العثمانية علّنا نجد ما يعزز المعلومات أو يثريها، لنكتشف أن العائلة قد سجلت قديماً بأسماء متعددة ومنها السيحاني والسرحاني وسرحان..
وفقًا للسجلات، فإن المعلومات التي ذكرها الأستاذ هاني الصحاني دقيقة، فقد كان الجد علي متزوجاً بامرأتين: فاطمة وبهيجة، ووجدنا أسماء بعض البنات بالإضافة إلى اسماء الأبناء الذكور مع تواريخ ولادتهم.
ما يميز هذه القصة ليس فقط تفاصيلها التاريخية، بل الدور الذي يلعبه الأفراد في الحفاظ على الذاكرة. فبفضل شهادة الأستاذ هاني الصحّاني، وتوثيق صديقنا باسم صفوري، أصبحت هذه الرواية جزءًا من ذاكرة “هوية”، حيث نواصل البحث والتدقيق والتوثيق، لنؤكد أن اللاجئ لم يفقد هويته، بل حملها معه، راسخة في ذاكرته، لتظل شاهدة على حقه في أرضه وعودته إليها.