الحاجة آمنة خليل عوض:
خرجنا من السميرية إلى عمقا ثم إلى لبنان بعد سماعنا بمجزرة دير ياسين
دينا آغا – عين الحلوة
13-6-2011
برفقة صباح فوزي آغا توجهت إلى مخيم عين الحلوة لزيارة بعض البيوت بهدف جمع المعلومات عن بلدة السميرية وعائلاتها، وكانت إحدى هذه الزيارات إلى منزل الحاجة آمنة خليل صالح عوض ( مواليد سنة 1936).
طلبنا من الحاجة آمنة أن نجمع شجرة عائلتها، عائلة عوض، كي نتمكن من العمل بدقة على توثيق تاريخ العائلة فبدأت من الجد صالح عوض وأولاده: خليل، ابراهيم، أحمد، محمد وهند.
"كانت تحيط ببلدتنا المنشية والمزرعة والزيب، البصة، الشيخ داوود والغابسية وكذلك نهاريا" ، هكذا بدأت الحاجة حديثها، وأكملت:
"وكان هناك العديد من القبانيات القريبة من بلدتنا منها قبانية رجبة وأخرى اسمها نهاريا والقبانيات هي لليهود فكنا نتلقى علاجنا في نهاريا عند المرض ، لأن السميرية بلدة صغيرة ليس بها أطباء والجميع يأكل مما يزرع.
وفي السميرية كلها لم يكن هناك سوى شارع معبد واحد يمر في وسطها وهو ممتد من عكا، والبيوت منتشرة على جانبي هذا الشارع والبيوت كلها من الطين وكل سنة تقوم النساء ببناء سقوف البيوت وكانت النساء تتعاون على بنائه ورغم هذا في الشتاء كانت المياه تتسرب إلى داخل البيوت ونقوم بوضع بعض الأوعية تحت الأماكن التي تسرب المياه.
لقد كنا على صلة وثيقة مع كل الجيران الذين أذكر منهم: دار خليل الفتاح، دار أبو رشيد، دار محمد عيشة، دار محمود حمادة، دار أم حسين مناع، دار أسعد حمادة، دار جميل خضرة، دار نجمة المنصور (أم اسماعيل)، وآمنة حليحل وهؤلاء جميعا ونحن كنا نعيش بما يدعى الحوش والجهة المقابلة كان يطلق عليها اسم الحارة ومن جيراننا في الحارة: دار الحاج راجح، دار هاشم اليوسف، ودار بدر اليوسف.
كان والدي يملك بستانا كبيرا يسمى بيارة وكان في بيارتنا "موتور" ونسقي الجيران.
أما الديوان فكان في بلدتنا ما يدعى بالنزول حيث يستقبل فيه الزوار من خارج البلدة ولكن في آخر فترة قبل أن نخرج من البلد تم بيع النزول وحولوه إلى منزل عاشت فيه أم غالب الصياح.
وكان للسميرية مختاران هما محمود الأمين وحسين اليوسف وقبلهم كان هناك المختار الكبير اسمه حمادة.
وشيخ الجامع كان الشيخ شحادة وكان يقوم بتحفيظ الأولاد القرآن الكريم وهو نفسه الذي كان يؤذن في الجامع.
النساء كن يحملن الجرار على رؤوسهن ويتوجهن إلى ساقية الباشا لإحضار مياه الشرب فواحدة تغرف المياه والأخرى تحمل الجرة وقد ذهبت عدة مرات لإحضار المياه أحيانا مع أختي وأخرى مع والدتي أو جارتنا أم اسماعيل وأحيانا كنا نذهب إلى عين الران وهذه الأخيرة أقرب إلى بلدتنا من ساقية الباشا.
وكان للبلدة مقهى (قهوة) يملكها حسين اليوسف يقصدها الرجال أحيانا، ولكن في السميرية كلها لم يكن هناك سوى دكانين: واحد لأبو فؤاد والآخر لعيسى الناطور، ولحام اسمه حسين الحيش وكانت بلدتنا تشتهر بزراعة الباذنجان والفاصولياء والسمسم والصبر والتين والكثير الكثير غيرها.
أما جاهة البلد فكانوا محمود الأمين، الحاج راجح، أبو رشيد، أبو راشد، والمختار. فهؤلاء كانوا يقومون مثلا بطلب العروس من أهلها وهم الذين يتولون حل المشاكل إذا وجدت.
وما أجمل رمضان والتحضير لرمضان في أرض الوطن فأذكر جيدا كيف كنا نقوم بتحضير جميع أنواع المربيات استعدادا لرمضان: مربى التين ومربى العنب.
أما حلو رمضان فكان "العصيدة " فأولا تقوم والدتي بوضع المياه على النار حتى تغلي، ثم تضيف الطحين والزيت ومن ثم العسل.
والمسحر كان رجل يسمى بالمعراوي وقد كان ينام في الجامع. أما للعيد فكانت الحاجة فضية عبد الغني تقوم بخياطة الفساتين لنا، وهناك أيضا خياطة أخرى اسمها فاطمة الأمين، ونرتدي ملابسنا الجديدة في صباح العيد الباكرونذهب إلى السدرة وهي ساحة كبيرة ونستعمل الحبال وكأنها مراجيح ونبدأ باللهو واللعب، ومن ثم نأخذ ما جمعناه من عيديات لنشتري الإيمة والترمس من الباعة القادمين من عكا.
والداية التي تقوم بتوليد النساء كانت أم سعيد اليوسف. أما الأفراح فكانت تدوم ثلاثة أيام بلياليها وتنصب الدبكات والمجوز والشبابة والغناء والرقص، والحدّا كان يأتي من كفر ياسيف مثل والد فاطمة الرشيد لم أعد أذكر اسمه وغيره الكثير القادمين من البلدات المجاورة.
وكان هناك فرن يقوم بخبز الخبز لكل أهالي القرية وكان اسم صاحبه أبو سعدو من عائلة عبد العال من بلدة الغابسية.
سنة 1948 بدأت الأقاويل تنتشر في البلد أن هناك حربا قادمة ومن ثم اقترب الخطر من السميرية وعرفنا أن الوضع في دير ياسين كان سيئاً جدا، فخرج دار أم زهير ابنة عمي إلى عمقا فأخرتني والدتي مع أختي وأخي يوسف معهم وبقيت والدتي وأخي الكبير وجدي أبو خليل في المنزل، وفي اليوم التالي سمعنا أن اليهود اقتحموا البلدة وأخي محمود كان في مناوبة الحراسة مع الثوار قرب ساقية الباشا وأراد أن يهرب حين دخل اليهود فعلق شرواله بالشريط قرب الساقية فرآه اليهود في قبانية رجبة وأطلقوا الرصاص عليه ولكنه لم يمت ووصل الخبر إلى والدتي فذهبت لإحضاره ووجدت اليهود يستجوبونه ولكن والدتي ترجتهم أنه ابنها الكبير ووالده ميت فأرسلوا والدتي إلى البلدة وأخذوا أخي إلى عكا أو هذا ما قالوه لها ولكن سرعان ما بعثوا وراءها لتأخذه وكانوا قد قضوا عليه وأمسى شهيدا ولحقت بنا والدتي إلى عمقا وبقينا فيها شهرين ومن ثم انتقلنا إلى يركا ومنها إلى البقيعة وثم إلى الرميش في لبنان وكل هذا سيرا على الأقدام وبعدها انتقلنا إلى قانا ومن ثم إلى صور وبعدها إلى عين الحلوة.
وهكذا انتهى اللقاء مع الحاجة آمنة التي قدمت لي صورة حية عن السميرية وطبيعة الحياة فيها قبل النكبة، وصورة من صور المعاناة التي لقيها أهل هذه البلدة على يد الاحتلال وعصاباته.