ياسر قدورة – وادي الزينة
لجمع شجرة عائلة دياب في سحماتا لم يكن أمامنا خيار سوى أبو نزيه، يوسف حسن دياب ( مواليد سحماتا عام 1934) لأنه خير من يمكن أن يعيننا على هذه المهمة. ولهذا الغرض توجهنا إلى وادي الزينة في 31/5/2011، أنا والوالد دون ترتيب موعد مسبق، ففوجئنا بسماع خبر تعرضه لإصابة شديدة قبل أشهر إثر وقوعه داخل منزله، فآثرنا أن نزوره والاطمئنان على صحته على أن نعود في زيارة عمل بعد أن يتحسن حاله.
زرناه ووجدنا أن حفيده يوسف نزيه دياب يقيم عنده للعناية به، وكانت جلسة طيبة مع أبو نزيه طمأننا خلالها على تحسن صحته فأخبرناه بمشروعنا ورتبنا معه لزيارة أخرى نقوم خلالها بالعمل على شجرة العائلة فرحب بالفكرة.
عدنا إليه بتاريخ 10/6/2011، ورغم أنه لم يكن بأفضل أحواله الصحية إلا أنه أصر على الإجابة على أسئلتنا فبدأنا بشجرة العائلة من جده دياب دياب ( ابو حسن) الذي توفي وفاة طبيعية في سحماتا قبل عام 1948 وله من الأولاد صبيان وبنتان: حسين، حسن، خبصة ونوخة. وكلهم ولدوا في سحماتا وقد توفيت البنتان نوخة وخبصة في سحماتا قبل النكبة.
أما حسين فقد انتقل إلى ترشيحا وتزوج فيها قبل النكبة وولد له أربعة أبناء: أحمد، إبراهيم، يوسف وبنت أخرى يذكرها أبو نزيه باسم أم وائل. وعندما وقعت أحداث النكبة استشهد يوسف حسين دياب وقد كان شاباً وعازباً، وهاجر حسين وبقية أولاده إلى لبنان واستقروا في مخيم برج االبراجنة في بيروت مع غالبية أهالي ترشيحا.
أما حسن ( والد أبو نزيه) فقد تزوج في سحماتا من عيشة محمد عبد االوهاب وأنجب صبياً واحداً وثلاث بنات: يوسف ( أبو نزيه)، صبحية، شريفة، ونوخة التي توفيت صغيرة في سحماتا. ومع النكبة خرج حسن وبقية أولاده إلى لبنان، ولكنه سرعان ما توفي على طريق ضهر البيدر في البقاع وهو قادم من الشام وقد دفن في منطقة عيتا الفخار.
لا يملك أبو نزيه الكثير ليحدثنا به عن جده دياب لأنه كان قد توفي قبل ولادة أبو نزيه، أما عن الوالد حسن دياب فيحدثنا ابو نزيه ويقول: ( كان عنّا شلعة معزة في سحماتا وكان هو الراعي فيها، وتيجي العالم اهل سحماتا يحطوا عنزاتهم عنده.. كان يظل لابس حطة وعقال وقمباز، وشيخ شباب ولم يكن له لحية، ولاأذكر أن شعره كان شايب. كان كتير كتير منيح، بزمانو ما ضربني كف، وحيد كنت ويحبني.
عمي حسين هو كمان كان عنده شلعة معزة، تجوّز من ترشيحا ونقل لهناك.. قبل زواج عمي كنا جميعاً في منزل واحد، منزل الجد دياب، وكان لآل دياب دار واحدة بسحماتا).
أما عن والدته فيذكر لنا قصة واحدة عندما لسعتها أفعى: " في سقف البيت عم بتمدّ هيك إيدها تتعسِّف، لقطتها الحية وعلقت بإيدها، وتسممت يومتها إمي.. جيبولها حليب.. عنّا حليب.. جابولها حليب ولّا هي استفرغتهم هيك قرص واحد للسم وما احتاجت لحكيم)..
(أما أنا فقد ذهبت إلى المدرسة في سحماتا وكنا ندرس بس عربي، قرأنا للصف الرابع وتوقفت، كان معي في الصف يوسف حسن عبد الله وفوزي عاطف، حسن وحسني الشاويش.. والأساتذة أذكر منهم خالد القاضي من ترشيحا).
عن جيرانهم في سحماتا يذكر أبو نزيه: عبد الرحمن قدورة ومحمد عبد الرحمن قدورة، محمود علي نصرة، أولاد خالي، كنا ساكنين معهم أول الحارة، ودار عمي مصطفى الحسين..
أما رفاقه فيذكر لنا: أولاد خالتي حسني الشاويش وحسن الشاويش ( كانوا يسكنون في الشام) وعن نفسه يقول: كنت معزز في سحماتا ومدلّل، أبوي مالوش غيري وما يشغلني، وما كنت أطلع برات البلد).
الخروج من سحماتا
(عام 1948 خرجنا من سحماتا وقعدنا تحت الزتون وقالولنا أبو شي جمعة بترجعوا على بيوتكم، من ساعة ما طلعنا من فلسطين كانت هي الطلعة، ظلينا طالعين دغري على رميش، بنت جبيل، إلى دبل وظلينا قاعدين يومتها ببنت جبيل أبو شي جمعة وسحبنا حالنا وضلينا نازلين على االبرج االشمالي.
طلعت أنا والوالد وخواتي، عمي ما طلع معانا، كان بترشيحا ساكن. طلعنا من سحماتا مشي، كانت حياة بائسة جداً وصعبة.
تعذبنا عذاب الله أكبر.. طلعنا على الشام طوّالي قعدنا شي 3 أو 4 أشهر في سوريا في بلد اسمها كفر شمس وكفر ناسج عند الشيخ شحادة االجشي، قالوا تعوا شوفوا شو عم بيفرقوا ( يوزعوا) في بلعلبك: السمك المجفف والخبز، يالله الحقوا الحقوا. كان معنا المختار علي صالح كمان، لحقناهم على بعلبك. وإحنا جايين على ضهر البيدر سكّرت الطريق وتوفي حياة االمرحوم ابوي، وطلعوا أهل عيتا الفخار نجدة، والله أخذونا وتقبّلونا الجماعة كل واحد أخذ ولد، أولادنا ما عرفناهنش وين قد ما هم أوادم.
أنا طلعت من سحماتا عزّابي ووتزوجت في لبنان سنة 1957 في حداثا في الجنوب. إجيت خطبتها لأم نزيه بتل الزعتر وتزوجت بحداثا في الجنوب. . لما خطبتها كانوا دار عمي ببرج حمود وبعدين طلعوا على تل الزعتر، أنا بعثت ناس من تتل الزعتر من قرايبنا وأولاد البلد حكولي فيها وصار نصيب وتزوجنا بـ حداثا، وما كانت تقبل امرأة عمي إلا بدها تجيبنا على بيروت لحدها.. والله عمّرولنا حد منهم تخشيبة ونقلت أنا على تل الزعتر).
عند هذا الحد توقف حديثنا مع أبو نزيه فقد بدأ التعب ينال منه فآثرنا أن نتركه لينال قسطه من الراحة، آملين أن تسمح ظروفه الصحية لاحقاً بلقاء آخر نتوسع فيه بالحديث عن مزيد من ذكرياته، فهذه الذكريات هي التاريخ الذي نبحث عنه.