دينا آغا- صيدا
يوم 14-6-2011 توجهت وصديقتي رانيا حميد لزيارة الحاج أحمد محمد قاسم (مواليد طيطبا عام 1928) في منزله الكائن في مخيم عين الحلوة، عبرنا بعض "الزواريب" الضيقة حتى وصلنا إلى منزل الحاج حيث وجدناه بانتظارنا .
بدأنا اللقاء مع الحاج أحمد ببناء شجرة عائلة قاسم، بدءاً من الجد شحادة وأبنائه :سعيد، قاسم، ابراهيم حسن، محمد حسن، مرعي، محمد، آمنة، وشريفة.
شحادة هو جد الحاج أحمد وقد ولد وعاش وتوفي في فلسطين. عمه سعيد ولد في فلسطين وتزوج فيها وأنجب ولده الوحيد محمد وخرج من فلسطين سنة 1948.أما عمه قاسم الذي ولد كذلك في فلسطين فلم يرزق بأولاد بل رزق بثلاثة بنات هن مريم، فاطمة، وعائشة.
وكذلك هو حال ابراهيم ومحمد حسن أما الحاج مرعي فقد توفي في فلسطين وهو صغير السن قبل أن يتزوج.
وحين سألنا الحاج أحمد عن بلده طيطبة قال:
"كان منزلنا يقع شرق البلد، ويحد بلدنا من الشرق دلاتا وقديثا من الغرب وكذلك عين الزيتون وقبل خروجنا بسنتين قاموا ببناء قبانية في عين الزيتون وكنا نذهب لرعي الغنم هناك. وكان يقطن بجوارنا دار بليبل ودار شناعة ولكني للأسف لم أعد أذكر جميع أهالي البلدة ولكن هؤلاء كانت بيوتهم مجاورة لمنزلنا.
الطرقات كلها ترابية تملؤها الحصى وكنا نعبرها سيرا على الأقدام، أما إذا كانت المسافة بعيدة فكنا نستخدم الدواب كوسيلة نقل.
كان هناك لكل عائلة ديوان، فدار شناعة يملكون واحدا وكذلك دار رفاعي، ودار محمود الشيخ، ودار الشيخ ذيب، ودار محمد خليل ولكن لم نكن نملك ديوانا لأنه يحتاج للكثير من الاهتمام والمصاريف التي لم يكن والدي قادرا على تحملها.
أما المختار فكان خالد حسين رفاعي، وكانت المدرسة في الجامع ذاته وقد تلقيت فيه بعض الدروس وأذكر من أساتذتي الاستاذ عبد الرحيم، محمد عز الدين وأبو حسام وأبو سميح وكانت المدرسة للصبية فقط.
ولكن لم يكن هناك عيادة صحية في بلدتنا ولم نكن نعرف ما هو الدواء وكنا نعتمد في علاجنا على بعض الطرق العربية القديمة مثل كاسات الهواء مثلا. وإن لم تخني ذاكرتي فإن الداية كانت تدعى أم محمد (حسنة).
في طيطبة لم يكن هناك خياط وكانوا الناس يقصدون صفد للخياطة وأخي علي كان خياطا ماهرا يعمل في صفد.
كان هناك عين مياه في البلدة نعتمد عليها لري الزراعة والشرب وقد ذهبت عدة مرات لتعبئة المياه في الجرار وأخذها إلى المنزل على ظهر الدابة وفي الليل كان يظهر لنا الضبع و كان" يحاوينا ونحاويه". أما مقبرة بلدتنا فكانت تسمى بمقبرة العرب وتقع شرقي البلد، قريبة من منزلنا.
والدي كان فلاحا يعمل في الأرض على زراعة القمح والشعير والخضروات كما هو حال معظم أو كل أهالي البلد وكنا نذهب للبيع في صفد، وكذلك كنا نعتمد على رعي الأبقار في معيشتنا ولتأمين حاجات المنزل الغذائية.
توفي والدي محمد قاسم في طيطبة قبل خروجنا من فلسطين بثلاثة أعوام واستلمت مهامه حين كان عمري حوالي 17 عاما فكنت بمثابة رب أسرتي والمسؤول عنها وتوليت مهام الأرض من الحراثة والزراعة وغيرها.
أما جاهة البلدة فكانوا المختار وخالد شناعة وبعض من كبار الرجال في طيطبة، فمثلا هم من كانوا يقومون بطلب يد العروس للعريس وكانت تقام الأفراح في البيادر الواسعة ويأتي أهالي البلدة بأجمعها لحضور حفل العرس وتنصب الدبكة ويبدأ الشباب بالغناء ويوم كتب الكتاب قبل الزفاف يذهب أهل العريس وأهل العروس إلى صفد لكتب الكتاب ويعزم أهل العريس أهل العروس على الصفيحة الشهيرة، وكأنه كان تقليدا من تقاليد الأفراح.
سنة 1948 بعد أن احتل اليهود بعض القرى والمدن بدأت المناوشات بين اليهود والثوار وبعدها أتى جيش الانقاذ ومكثوا في المدرسة التي كان يتم تعميرها في تلك الفترة وطلبوا بعض الفراش من أهالي البلدة الذين كانوا على استعداد للتضحية بكل شيء في سبيل البقاء والانتصار ولكن سرعان ما انهزم جيش الانقاذ وخرج من البلد و كنا نقوم بالمناوبة في الحراسة..
في هذا الوقت كانت أمي وأخوتي قد خرجوا من البلد مع دار شناعة و بعدها انتشر خبر سقوط صفد في أنحاء البلدة ودب الذعر في قلوب من بقي فيها، وبدأوا بالخروج وكذلك خرجت إلى لبنان ولحقت بأهلي الذين سبقوني إلى يارون ومن ثم إلى بنت جبيل وبعدها إلى جويا وعلمني أخي على كار الخياطة وأصبحت ماهرا فيه وبعدها فتحت دكانا خاصا بي وهكذا مرت الأيام وتنقلنا من مدينة إلى مدينة حتى استقرينا في مخيم عين الحلوة.
انتهى اللقاء مع الحاج أحمد قاسم الذي كان في عينيه طوال الوقت شوق وحنين إلى طيطبا وأمل في العودة إليها .