عدنان الحاج موسى – هوية
توجهنا إلى منطقة البص في مدينة صور بصحبة الحاج علي الحاج موسى لزيارة الحاج ابراهيم صبري الحاج موسى وإجراء مقابلة معه، فهو قد خرج من أم الفرج يافعاً ونعرف أن له ذكريات كثيرة مع قريته.. وجدناه قد استعد للقائنا، لابساً عباءته وحاملاً مفاتيح داره في أم الفرج، وقد استقبلنا بفقرة من الضرب على مهباجه الذي يحتفظ به من سنوات طويل، ثم بدأ بالتعريف عن نفسه وعن أم الفرج..
" أنا إبراهيم صبري محمد الحاج موسى – مواليد 1936 في أم الفرج قضاء عكا – فلسطين
عندما تدخل أم الفرج من الشرق، بالأول هناك الجامع، تنزل لتحت في بيت الحاج محمد موسى (أبو درويش) ثم بيت أحمد الحلاق، ثم بيت عائلة صبري الحاج موسى، ثم ابو عيسى محمد الحاج موسى، ثم سليم الحاج موسى، ثم شاكر الحاج موسى، ثم حسين زين الدين وعلي زين الدين ونجيب حجاب، توفيق حجاب، بيت شحادة ياسين وأبو شحادة، بيت الخواص، بيت زين الدين، بيت الخربيطي، ثم بيت أبو عبده القسطا، ثم أبو موسى صالح العريض، وأبو زكي العريض، ثم سعد القط، ثم مصطفى القط، ونزول محمد هويدي، ثم الخربيطي، ثم مختار البلد محمد سالم، ثم بجانبه اسعد ستيته وأبو أسعد وأبو أحمد.
بلدنا ليست كبيرة مساحتها حوالي 30- 40 دونم. أما نهاريا فتقع تحت أم الفرج على الشارع الرئيسي، تحت الحميمة، وتبعد عنها 3 كلم. في القرية البيوت من حجار وطين، فيها بيوت باطون وفيها من طين.
كنا عندما نخرج من القرية إلى قرية أخرى نتنقل مشياً على الأقدام، وكان هناك باص يأتي من ترشيحا على الخط الرئيسي، ومن بلدنا حتى عمقا وكويكات هناك طريق ترابية.
في البلد لم يكن هناك مضافة لكن كان فيها مختار وهو محمد سالم، معه ختم للمعاملات الرسمية.
كان عندنا مدرسة وجامع ومقبرة بجانب بعض، ملك الحاج موسى متبرعين فيهم للبلد. أما المدرسة كانت عبارة عن صفين أول وثاني إبتدائي، كان يعلم فيه أستاذ حسين المصري، والأستاذ فلاح، وهما من خارج القرية. والبنات لم يكن لهن نصيب من التعليم، فالصبيان فقط يذهبون للمدرسة. لأن الناس متأخرة، كانوا يقولون عيب البنات تتعلم. وكانت المناهج بالمدرسة هي قرآن ودين وحساب.
المدرسة كانت مجانية، وقبل بنائها كنا نقرأ عند الشيخ محمد اليمني بالحميمة، نمشي من البلد للحميمة صباحاً حوالي 3 كلم، كان يأخذ مننا على الرأس 37.5 قرش بالشهر ونملي له ماء، ونجلس عنده على الأرض وعلى الحصيرة. ومن ينهي دراسة الصفين، لا يخرج ليتعلم خارج القرية.
بالنسبة إلى مسجد القرية، كان موقعه في أول البلد ومبني من باطون من دون قبة، له درج، والمؤذن في ذلك الوقت هو عبده الحاج موسى وأذكر أن نظره كان ضعيفاً. ويوم الجمعة كان أبو خضر سالم يأتي ليخطب الجمعة في جامعنا.
لم يكن في المسجد حمام ومكان للوضوء. وكان يسع من 150 – 200 مصلي، ولم يكن هناك كنيسة. لم يكن في القرية مسيحيون، وكذلك لم يكن هناك مقام لأحد الأولياء.
ولم يكن هناك عيادة للطبابة ولم يكن في أم الفرج أي طبيب، والأطباء كانوا في نهاريا، أذكر الطبيبين (كيوي ونتان)، وعندهما صيدلية. من كان يريد الطبابة يذهب عندهم أو الى عكا. أما إذا أحد مثلاً كسر يده، كان سعد القط وأسعد القط مجبّرين في القرية يقومون بهذه الأعمال الخفيفة، ويستعملون أحياناً الكوي بالنار.
مثلاً وجع الأسنان كان أسعد أبو سعد معهم كماشة ومحرقة عادية في الجيب لخلع السنّ. وأيضاً لم يكن في مطّهر بالقرية، كان يأتي رجل من الغاسبية.
بالنسبة للماء، الماء تأتي من نهر كان بجانب البلد. كنا نستعمل السراج، وفي بعض الاشخاص كانوا يستعملون تنكة حديد وفيها كاز وشريط للإنارة.
في القرية كان يوجد ملحمة واحدة، واللحم لم يكن متوفراً كل يوم، كان اللحم يباع كل أسبوع، والخربيطي كان لحاماً مع علي ياسين شراكة وخالد حسن عامل لحّام يساعده.
وكان في فرن يعمل في العيد لصنع الكعك. لكن الخبز تؤمنه البيوت فالنساء كانوا يخبزون بالبيت يدوي.
مقهى القرية كان لعلي العدوي وخليل إبراهيم الحسين، وكان موجود على طرف البلد بجانب الشارع الرئيسي، كانوا يسهروا فيها ليلاً. وكان في المقهى راديو وآخر عند عمي صالح وراديو عند محمد زمزم.
عدد سكان أم الفرج عند ما خرجنا كان 550 شخص، وأغلب العائلات كبارهم شخصين أو ثلاثة. وكنا شعب يعيش على الفطرة والبساطة.
الحلاق واحد في أم الفرج وهو محمد غانم أمه من عندنا من دار الحاج موسى وطلعلها أرض ومعمّر فيها. كان يحلق فيها وعلمه محمد خيزران الحلاقة، لكن لم يكن في بلدنا نجار ولا حداد.
كان الأولاد تلعب بالبنايز، وكرة، كنا مهجرين بمجد الكروم وعمي جميل في عمقا، كنا ننزل من عمقا إلى بلدنا نحضر برتقال وحامض وكل البساتين، والكرة بالمدرسة والمدرسة على طرف الشارع، دخلت من البستان وسط الشوك ودخلت على المدرسة وأخذت الكرة إلى مجد الكروم. أبي كان عنده حمام على السطح، كنت أطلع من دار الحلاق (هم أعلى من بيتنا) وأنزل الى بيتنا آخذ سلّة أملأها بالزغاليل.
وفي مرة دخل اليهود على البلد، صعدوا الى دار الحلاق وأنا في بيتنا مختبئ، وبقيت مختبئاً حتى ذهب اليهود. وعمي جميل كان وقتها ينتظرني بالبستان بجانب البيت.
أما الزيتون، نحنا لم يكن عندنا معصرة، كانوا يعصرون الزيتون في عمقا، والمعصرة كانت تعمل على البغل، وأجرة العصر هي زيت.
أنا خرجت من فلسطين وعمري 13 سنة، كنت أعمل في بستاننا، كنّا نحوّش برتقال وليمون وأذهب مع النقلة الى حيفا، لأن أبي كان أخرس. وكان في ببلدنا ثلاث سيارات شحن وباص واحد لتحميل البضاعة.
كان بيتنا مفتوح لدار الحاج موسى كلها، ومن كان يريد أن يقيم عرس من أهل الحارة أو من دار الحاج موسى كان يقيمه عندنا، وكان عندنا أيضاً بستان كبير وفيه توت.
فيها البلد تقريباً 4 أشخاص ملاكين، والباقي كله عنده 2 دونم أو 3 دونم. دار أبو عيسى عندهم بستان. دار سليم ابو سعيد عندهم الحمرا حوالي 6 دونمات. أما بستاننا كان أكبر بستان.
المخترة كانت أساساً لدار الحاج موسى لوالد جدتي، منه أخذها أبو عيسى، وعندما مات أخذها محمد سالم.
بيتنا فيه شبابيك وسدّة (إسمها التختية) من أول البيت لآخره، طول السدة 15 متر.
لم يكن مخفر بالقرية، بلدنا، النهر، الشيخ دنون، الفابية، عمقا، كويكات ليس لهم طريق وليس فيها مخافر. وعند وقوع أية المشاكل، كان أهل البلد يحلوها لوحدهم.
بالنسبة للزواج، كان العريس يحكي بالعروس ويعطونه، ولكن لم يكن العريس يراها للعروس من قبل، فهو يعلم بها من خلال والدته أو أخواته. وقبل العرس بليلتين أو ثلاثة يبدأوا بالاحتفال، يضيئوا اللوكس والحطب حتى يدبكوا بالليل. ويوم العرس يذبحون الغنم، ويتم الزواج. أذكر أن موسى الحاج موسى كان ماهراً بالدبكة، روّاس يتقنها بشكل ممتاز، وكانت الدبكة تتم بشكل منفصل البنات لوحدهم والرجال أيضاً لوحدهم. وكان ديب فرفحينة يعتّب، ويحضروا من الرينة أشخاص (يعتّبوا).
من الأعراس التي أذكرها عرس فوزي الحاج محمود، وحينها جاء موسى وأحمد أبو عيسى لإستقباله، قالوا أخواله نحن أولى بذلك فأخذوا العريس لعندهم، وجماعتنا شعروا بالحزن لانهم لم يحظوا باستقبال العريس.
وأخذوا يزفون العريس من أول البلد، فكانوا سيدخلون حارتنا، فخرج أحمد أبو عيسى وعيسى وعمي جميل وسبقوهم، موسى حامل العصاي، وعيسى وأحمد على السطح، وعمي جميل معه بارودة إنجليزية، وعندما وصلوا الى الحارة، موسى حمل العصا، وقال للزفة ممنوع المرور من هنا، وبعد الحديث وتدخل الكبار سمحوا لهم بالمرور من الحارة.
في حالة الوفاة، كانت كل البلد تحضر، كان في إحترام للميت، وكل البلد يساعدوا بالدفن. أمّا في موسم الحج، أذكر جدتي والحاج أسعد زمزم فقط، وابراهيم عبد العال هو والمختارة أخته، وهي بالحج كان أخوها مريض وذهبت مرة للسوق فرجعت ووجدته ميت، فتركته بالسعودية.. وفي إستقبال الحجاج، كانوا بالعادة يذبحون الخراف.
لم يكن عندنا ثوار، كان رباح العوض من الثوار. كنا نسمع عن المناوشات بين اليهود والفلسطينيين على الراديو في 1948. فنحن لم نتعرض لهجوم مباشر، مجرد سماع الأخبار جعلنا نخرج. حين قالوا أن اليهود سوف تدخل المنطقة، فهربنا، 99% من أهالي القرية خرجت من البلدة.
«عندما خرجنا على أساس سوف نرجع خلال أيام، تركنا ملابسنا وأغراضنا وأنا معي مفتاح بيتنا بفلسطين. أول ما خرجنا من أم الفرج، ذهبنا على مجد الكروم (أهل أمي)، حيث مكثنا فيها سنتين. ثم جاء عمي جميل وذهب إلى لبنان فذهبنا معه إليها.
نحن خرجنا من أم الفرج عام 1949، في آخر الربيع أذكر كان موسى الحاج موسى وقتها كان يحصد قمحاً، أما عمي جميل فكان في عمقا، ثم جاء الى مجد الكروم. وبعدها لم يحاول أحد الرجوع الى القرية ليعيش فيها.
وبعد مجد الكروم جئنا الى الرشيدية، بقينا فيها مدة طويلة ثم ذهبنا الى عين الحلوة وبقينا فيها سنة ونصف ثم عدنا الى الرشيدية. كانت الحياة في الرشيدية أفضل، فيها حياة وسكن وأكثر أمناً.
أنا زرت فلسطين مرة واحدة بعد خروجنا من فلسطين، وذهبت الى مجد الكروم لإحضار النقود مع صلاح الحوراني، ذهبت سراً من غير علم أمي. وقلت لأمي أنني ذاهب الى بيروت لعند عمي جميل، ونزلنا نحف، ورأيت أخوالي. وتاني يوم جئنا، ولكني لم أزر أم الفرج.
وبعد كل ما حصل معي، لو يقولون لي نبني لك بناية من 50 طابق أو تذهب الى فلسطين وتعيش بشادر، طبعاً سأختار الذهاب الى فلسطين، وحتى أقبل العيش من دون شادر. أريد العودة.
أنا مازلت أتخيل منزلنا والنخلة والتوت والجامع، كأنهم أمامي الآن. أتمنى الموت بفلسطين، فأنا أذكر العبور بأم الفرج وأذكر قبر جدي وعليه تينة بيضاء.. طبعاً أختار العودة الى بلدي فلسطين.