الخالدي، محمد علي أفندي: (توفي سنة 1281ه/1864م)
(مدرس الحديث، وقاضي القدس ومرعش لفترات قصيرة، ورئيس كتّاب المحكمة الشرعية، ونائب قاضيها مدة نصف قرن تقريباً، ومن أبرز أعيان القدس ذوي النفوذ والتأثير فيها في النصف الأول من القرن التاسع عشر.)
هو محمد علي بن علي صنع الله الخالدي. كان والده رئيس كتّاب المحكمة الشرعية، وكان عمه، موسى أفندي، قاضي عسكر الأناضول. فعمل موظفاً في المحاكم الشرعية في يافا والقدس منذ سنة 1801م على الأقل، واكتسب خبرة في هذا العمل الذي كان أجداده يتوارثونه لعدة قرون. تزوج أسماء، بنت عمه موسى الخالدي، في 11 رجب 1231ه/ 7 حزيران (يونيو) 1816م، وكان آنذاك موظفاً في المحكمة الشرعية في القدس. ولما توفي والده في نهاية تلك السنة، ورث مكانته ومنصبه في المحكمة. ثم تولى عمه موسى الخالدي وظيفة قاضي عسكر الأناضول، الأمر الذي عزز مركزه وقوى نفوذه في فترة كان الحكم العثماني المحلي ضعيفاً. وقد استغل أفراد العائلات المتحكمة، وفيهم محمد علي، هذا الضعف لمصلحتهم فأصبح لهم قول ورأي في أمور الحكم. وجاء الإنذار تلو الإنذار إلى محمد علي وإلى غيره من علماء القدس وأعيانها، بالكف عن التدخل في أمور السياسة والحكم لكن من دون جدوى. وفي سنة 1834 نُفي محمد علي الخالدي، مع غيره من أعيان القدس، بسبب المشاركة في الثورة على الحكم المصري الذي أضعف نفوذهم. ثم أُعيد إلى وطنه ووظيفته، ورضي بالإصلاحات الجديدة التي أدخلها محمد علي باشا مرغماً. ولما عاد الأتراك إلى بلاد الشام وفلسطين في بداية الأربعينات، حاول محمد علي الخالدي، مع العلماء والأعيان، العودة إلى نفوذهم السابق. لكن الأتراك قرروا تنفيذ سياسة جديدة كان من نتائجها الإصطدام بفئة الأعيان المحلية، فنُفي محمد علي أفندي مع غيره لفترة قصيرة سنة 1843، ثم أعيد إلى منصبه. ولم ينجح الأتراك، مثل سابقيهم، في تنفيذ سياستهم الحازمة، فكان محمد علي من أقوى الشخصيات المؤثرة في السياسة المحلية.
وكان آل الخالدي على علاقات جيدة منذ أجيال مع طائفة الروم الأرثوذكس وديرهم في بيت المقدس. وكان أبناء الخالدي، بحكم مناصبهم في المحكمة الشرعية، يساعدون أبناء تلك الطائقة، ويبسطون عليهم حمايتهم، ويدعمونهم في منافساتهم الطوائف الأخرى على الأماكن المقدسة. وقد أدى محمد علي دوراٍ مهماً في هذا الشأن في النصف الأول من القرن الماضي بسبب الحروب وتقلبات الحكام والسياسة. وفي دير الروم في القدس صورة زيتية للسيد محمد علي أفندي الخالدي «معلقة في بهوه الكبير حتى يومنا هذا»، تقديراً لدوره ومساعدته، بحسب قول عارف العارف. ويحكى أنه في زمن السلطان محمود الثاني، خلال الحرب التي قامت بين روسيا والدولة العثمانية، جاء أمر من الآستانة بقتل بطريرك الروم الأرثوذكس وجميع المطارنة. وكان محمد علي حينذاك نائباً شرعياً في القدس، فخبأهم في مغارة سليمان، قرب باب العمود، وتظاهر أمام الناس بتنفيذ الأمر السلطاني. وعندما هدأت الأمور وانتهت الحرب أعلن محمد علي حقيقة ما فعل، فقدّر الجميع صنيعه هذا. وعززت تلك الحادثة العلاقات المتينة التي كانت قائمة مدة طويلة بين رهبان دير الروم وبين آل الخالدي.
واستمر محمد علي في رئاسة كتّاب المحكمة الشرعية ونيابة قاضيها حتى بعد أن تقدم في السن في الخمسينات والستينات. وقد جمع ثروة كبيرة واهتم بتربية أولاده في المدارس الحديثة، فقام أولاده بدور مهم في السياسة العثمانية عامة وفي فلسطين خاصة، وعلى رأسهم ياسين ويوسف ضياء باشا. وفي أواخر عمره تنازل عن رئاسة الكتّاب لأولاده، وشغل ابنه خليل تلك الوظيفة فترات طويلة. وفي سنة 1280ه/1863-1864م استقال محمد علي من رئاسة كتّاب المحكمة الشرعية ونيابة قاضيها وحولهما إلى ياسين أفندي، بينما عين هو قاضياً شرعياً في مرعش. وكان حينذاك شيخاً طاعناً في السن، فلم يعمر طويلاً، وتوفي في 28 صفر 1281ه/ 2 آب (أغسطس) 1864م، ودفن في القدس، ورثاه الكثيرون من الشعراء والعلماء، منهم الشيخ أسعد الإمام، الذي كتب قصيدة قرأها ابنه يوسف أفندي، ومطلعها:
الله بــــــــــــاق والأنـــــــــــام تـــــــــزول وقضــــــاؤه فــي خـلقـــــــه مقـبـــــــول
.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع