الدجاني، عارف باشا: (1860-1930)
(من الشخصيات الفلسطينية السياسية المخضرمة التي قامت بدور مهم. تقلد المنـاصب في العهدين العثماني والبريطاني، وتسلم الوظائف الإدارية المختلفة، ومنهـا وظيفة المتصرف في الأناضول ودير الزور واليمن. وكــان فــــي إبان الإنتداب البريطاني زعيم عائلة الدجاني، ورئيس الجمعية الإسلامية – المسيحية في القدس، ثم رئيس اللجنة التنفيذية ونائب رئيسها فيما بعد، وإحدى الشخصيات السياسية الفعالة في أحداث العشرينات في فلسطين بصورة عامة.)
كانت عائلة الدجاني في القدس من أكثر العائلات المقدسية نفراً ومالاً. وعرفت في العهد العثماني باسم الداودي لارتباطها بخدمة مقام النبي داود وزواره وتولي أوقافه. وتولى بعض أفرادها الوظائف الحكومية في القدس وخارجها، إلا إن عائلتي الخالدي والحسيني تقدمنا عليها بصورة عامة في القرون السابقة.
ولد عارف باشا في بيت المقدس، وتلقى علوم الدين على والده الشيخ بكر، ودرس في مدارس القدس، وأتقن اللغتين العربية والتركية. وفي الثالثة والعشرين من عمره توجه إلى إستنبول، ودرس فيها الحقوق واللغة الفرنسية. ودخل سلك الوظائف الحكومية وترقى فيها حتى تسلم متصرفية دير الزور. وكذلك كان متصرفاً في اليمن والأناضول. وأصبح عمدة الدجاني وزعيمها بلا منافس في أواخر العهد العثماني. ومنحته الدولة رتبة الباشاوية تقديراً لخدماته ووظائفه في الحكم والإدارة العثمانيين.
وبعد الإحتلال البريطاني، اتخذ عارف باشا موقفاً مهادناً من الحكام الجدد فتعاون معهم. واشترك في الإجتماعات التي دعى إليها ستورز، حاكم القدس العسكري، في مناسبة زيارة اللجنة الصهيونية، برئاسة حاييم وايزمن، للبلد في نيسان (أبريل) 1918.
وكان عارف باشا وموسى كاظم الحسيني الوحيدين في البلد اللذين حملاً لقب باشا في ذلك الوقت وزعيمي أكبر عائلتين أرستقراطيتين في القدس، فكان لمواقفهما المتعاونة مع بريطانيا والمهادنة للصهيونية حينها أثر كبير. وفي سنة 1919 اختير موسى كاظم رئيساً للجنة الإسلامية – المسيحية، وانتخب عارف باشا نائباً له. ثم ترك الأول رئاسة اللجنة بسبب وظيفته في رئاسة البلدية، الأمر الذي فتح المجال لعارف باشا كي يصبح رئيساً لتلك اللجنة، ثم رئيساً للمؤتمر الفلسطيني الأول الذي عقد في القدس. وقد عرف عن الجمعات الإسلامية – المسيحية الإعتدال في مواقفها، وراهنت السلطات الإنكليزية على اجتذاب زعماء المؤتمر إلى صفها بسبب مواقفهم السابقة المهادنة. وعقد المؤتمر الفلسطيني الثالث في حيفا في كانون الأول (ديسمبر) 1920، واختير موسى كاظم رئيساً للجنة التنفيذية التي انبثقت عنه واختير عارف باشا نائباً للرئيس. وعندما سافر الوفد الفلسطيني الأول إلى لندن لإجراء المباحثات مع حكومتها في السنة نفسها لم يكن عارف باشا بين أعضاء الوفد. وعلى الرغم من أن رئاسة اللجنة التنفيذية أُسندت إليه في غياب موسى كاظم عن البلد، فإنه بدأ يميل إلى صفوف المعارضة المعروفة بمواقفها المهادنة تجاه الإنكليز والصهيونية. وكان لعارف باشا في بداية العشرينات، مثل معظم زعماء المعارضة، اتصالات وعلاقات جيدة بالإنكيز وبعض رجال الحركة الصهيونية في البلد، أمثال كيش وكالفرسكي. وفي سنة 1921، حاولت المنظمة الصهيونية إقامة ما يسمى «الجمعيات الإسلامية الوطنية» في حيفا والقدس وغيرهما من المدن الفلسطينية، وكان الهدف منها بث روح العنصرية الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، وإيجاد منافس للجنة التنفيذية بزعامة موسى كاظم. وتعاون عارف باشا مع كالفرسكي في هذا الشأن، لكن هذه الجمعيات لم يكتب لها النجاح، فجرت محاولة أخرى في صيف سنة 1922 لتوحيد صفوف المعارضة في تنظيم واحد، واستمرت الجهود حتى السنة التالية، حين أقيم «الحزب الوطني العربي الفلسطيني»، لذي كان عارف باشا أحد أركانه. ومع أن مواقف الحزب وبرامجه المعلنة تجاه الصهيونية كانت لا تختلف عن مواقف اللجنة التنفيذية، فإن ذلك كان خطوة تكتيكية فقط أوضحها زعماء الحزب لرجال المنظمة الصهيونية في لقاءاتهم السرية. وهكذا استمر عارف باشا في اتخاذ المواقف المعتدلة والمهادنة تجاه الإنكليز والصهيونية المعادية لسياسة اللجنة التنفيذية والمجلس الإسلامي بزعامة آل الحسيني. لكنه انسحب أيضاَ من هذا الحزب وبقي يدعمه سراً فقط. وفي أواخر سنة 1926 نجح موسى كاظم في إبعاد عارف باشا عن صفوف المعارضة حين أقنعه بخوض الإنتخابات لرئاسة بلدية القدس، لينافس راغب النشاشيبي، حليفه السابق. ولم ينجح عارف باشا في انتخابات البلدية سنة 1927، لكنه بقي يحاول التفتيش لنفسه عن دور ومنصب مهمين في تلك السن المتقدمة. وفي أحداث سنة 1929، وقّع عارف باشا مع زعامة العائلات المقدسية منشوراً موجهاً إلى «إخواننا العرب» فيه نصيحة بالتزام الهدوء والمحافظة على الأمن، وأن الحكومة البريطانية غير متحيزة وتقوم بواجبها في المحافظة على النفوس. وصدر ذلك المنشور في 24 آب (أغسطس)، بعد أحداث البراق ووقعه أيضاً أمين الحسيني وموسى كاظم وراغب النشاشيبي وغيرهم، فمثلوا في موقفهم دور الوسيط بين الحكومة والشعب، وهو الدور الذي طالما تعودت القيادة الأرستقراطية التقليدية عليه. وربما كان توقيع ذلك المنشور آخر عمل سياسي مهم قام عارف باشا به قبل وفاته في 13 نيسان (أبريل) 1930، في إثر نزلة شعبية أقعدته في الفراش زهاء أسبوع. وقد صُلي عليه في الأقصى، ودفن في تربة النبي داود يوم الإثنين 14 نيسان (أبريل)، ورثاه باسم اللجنة التنفيذية السيد عمر الصالح البرغوثي.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع