عبد الهادي، الشيخ حسين: (توفي سنة 1253ه/1838م)
(حليف الحكم المصري في فلسطين ووالي صيدا في الثلاثينات من القرن التاسع عشر. ورث عن والده، الشيخ عبد الهادي أبو بكر، مشيخة قرية عرابة جنين، لكنه وسع إقطاعه ونفوذه في المنطقة بالتدريج حتى ورث مكانة آل جرار في لواء جنين ثم في جبل نابلس. واستغل فرصة حملة محمد علي باشا 1831 فتحالف مع الحكم الجديد، وتقدمت عائلته في تلك الفترة على باقي العائلات الإقطاعية في شمال فلسطين.)
يقول مؤرخ جبل نابلس أن آل عبد الهادي من الشقران، نزلوا في بلاد حارثة (لواء اللجون)، واصطدموا هناك بالمشاقية والنزالية، وقضوا عليهم. ونزل الشيخ أبو بكر الصالح في عرابة، وأصبح ولده عبد الهادي شيخاً عليها، وهو جد هذه العائلة. ولم يكن ذا أهمية ونفوذ خارج قريته، إذ كانت السيادة في لواء جنين جميعه لآل الجرار حتى بداية القرن التاسع عشر. ولما مات الشيخ عبد الهادي ورثه ولده الأكبر حسين في مشيخة القرية. وعندما ساد موسى بك طوقان في جبل نابلس، وضعف صف آل الجرار وآل النمر، سنحت للشيخ حسين الفرصة لتقوية مركزه وتوسيع إقطاعه خارج عرابة إلى أم الفحم وناحية الشعراوية الشرقية كلها. ونفذ الشيخ حسن في تلك الفترة بعض المشاريع العمرانية في عرابة، معقل عائلته. فقد بنى السور الشرقي المحيط بالحارة الشرقية، وعمّر مسجد عرابة الكبير سنة 1235ه/1820م.
كان الشيخ حسين عبد الهادي مقرباً إلى سليمان باشا العادل، خليفة الجزار في عكا، وكاتبيه حاييم فرحي وحنا العورة، وغيرهما، بينما كان علي باشا، مساعد الوالي، وابنه عبد الله باشا من بعده يميلان إلى بيت طوقان. وبعد وفاة سليمان باشا العادل وانتقال الحكم في عكا إلى عبد الله باشا (1819-1831) عمل الشيخ حسين على تقوية علاقاته بولاة الشام. وتؤكد وثائق المحاكم الشرعية في القدس ونابلس تلك العلاقة التي توطدت بين الطرفين المذكورين. فقد استعان ولاة دمشق بالشيخ حسين عبد الهادي والشيخ قاسم الأحمد في حل بعض المعضلات الإدارية والنزاعات العشارية في ألوية جنين ونابلس والقدس. وفي سنة 1243ه/أواخر سنة 1827م انضم الشيخ حسين شخصياً إلى صالح باشا، والي الشام، الذي حضر مع جيشه إلى المنطقة من أجل تثبيت الحكم والإدارة العثمانيين المباشرين. ووصل ركب الوالي إلى الخليل، حيث عين سرزلي محمد آغا متسلماً للمدينة. وأحضر الشيخ عثمان العمرو والشيخ سلامة النمورة إلى مجلس الشرع وتعهدا بإطاعة المتسلم الجديد والإنقياد لأوامره. وحضر هذا المجمع وشهد على الإتفاق «افتخار الأماجد المحترمين الجناب المكرم صاحب الرأي السديد الشيخ حسين عبد الهادي المحترم.» وفي تلك الأيام كانت الدولة العثمانية تحاول تطبيق الإصلاحات في ولاية الشام، بعد القضاء على الإنكشارية في العاصمة العثمانية سنة 1826. وهكذا أصبح الشيخ حسين من أكبر مناصري ولاة الشام وسياسة الإصلاحات في أواخر العشرينات. وكان الصف المنافس، بقيادة آل طوقان، مقرباً إلى عبد الله باشا، والي صيدا. ولما احتدم النزاع بين محمد علي، حاكم مصر، وعبد الله باشا المذكورة، كان طبيعياً أن ينضم آل عبد الهادي إلى المعسكر الأول. وعندما زحفت جيوش إبراهيم باشا في أواخر سنة 1831 لاحتلال بلاد الشام، أقنع الشيخ حسين حلفاءه من آل القاسم وغيرهم بالتحالف مع المصريين. وكانت تلك نقطة التحول في سيرة الشيخ حسين، فقد أصبح بعدها أقوى الشخصيات العربية المحلية وأوسعها نفوذاً في ظل الحكم المصري. فبعد احتلال عكا وبلاد الشام كلها عين الشيخ حسين والياً على صيدا، ومركزها مدينة عكا، بدلاً من عبد الله باشا. كما عين عدد من إخوته وأولاده حكاماً على ألوية غزة ويافا وجنين وغيرها. وأما قاسم الأحمد، حليف عبد الهادي، فعين، بحسب توصية الشيخ حسين، متسلماً للواء القدس، وعين ابنه محمد القاسم متسلماً للواء نابلس. وهكذا أصبح حكم فلسطين كلها تقريباً في بداية الثلاثينات في يد آل عبد الهادي وحلفائهم آل قاسم الأحمد. ولم يعمر ذلك التحالف بين العائلتين طويلاً. ففي أواخر سنة 1833 عزل قاسم الأحمد عن حكم القدس «لتقدمه في السن.» وعين بدلاً منه ولده محمد القاسم. وأما منصب متسلم نابلس، الذي شغر، فأعطي لسليمان بن حسين عبد الهادي. ولم تخف على قاسم الأحمد اليد المدبرة لتلك التغييرات الإدارية، فكان ذلك أحد الأسباب المهمة لانضمام عائلة قاسم الأحمد إلى ثورة سنة 1834. وأما آل عبد الهادي، فإنهم ربطوا مصيرهم السياسي باستمرار حكم محمد علي وإصلاحاته، فتعاونوا معه لإخماد الثورة في كل مكان. ولذا، عندما قضي على الثورة، التي امتدت من جبال الخليل حتى جبال الجليل، لم يتضرر نفوذ آل عبد الهادي. لكن الحكم المصري أخذ يتشدد في فرض أحكامه وإصلاحاته. ففي تطبيقه سياسة التجنيد الإجباري وجمع السلاح من السكان، اصطدم حتى بالمتعاونين معه من أمثال آل عبد الهادي. فبعد أن تعاونوا معه ووطدوا مكانتهم ونفوذهم، أخذ الحكم المصري يحاول فرض سيطرته المباشرة عليهم أيضاً. ولما تأخر الشيخ سليمان عبد الهادي، نجل الشيخ حسين، في جمع السلاح من جبل نابلس، كتب إبراهيم باشا إليه يوبخه ويهدده: «فان كان تقول في عقلك أنك ابن الشيخ حسين فنحن في المصلحة لا نعرف الشيخ حسين ولا ابنه. وأما إذا كان تعتمد على حبنا فيه فأنت تبقى مغشوش في ذلك. نحن حبنا في الشيخ حسين لأجل صداقته في الخدمة فقط لأن لحد الآن ما حصل منه سوى الصداقة. ومن بعد الآن أنت الذي تبقى السبب في تبويظي مع الشيخ حسين ومع بيتكم بأكمله.»
واستمر التعاون بعد ذلك بين آل عبد الهادي وحكومة محمد علي في بلاد الشام. وظل الشيخ حسين عبد الهادي حتى وفاته «مدير إيالة صيدا»، وظل أولاده وإخوته يشغلون مناصب الحكم والإدارة في مختلف الألوية. لكن حادثة وفاة الشيخ حسين نفسها أكبر دليل على عدم الثقة وعلى الشكوك المتبادلة بين الطرفين. فقد توفي الشيخ حسين فجأة في عكا وشك أقاربه في أن إبراهيم باشا دبر قتله بالسم في بساتين البهجة، قرب عكا. ولم يكتم سليمان حسين عبد الهادي شكوك العائلة، فكتب إلى إبراهيم باشا يستوضح سبب الوفاة ومدى صحة أخبار موت والده مسموماً. ورد إبراهيم باشا على كتاب الشيخ سليمان بقوله: «صار معلومنا إعراضكم بخصوص وفاة الوالد الحال من المعلوم أن ذلك بأمر الله تعالى مقدر محتوم (....) فلا يقتضي تفكيركم من هذا البحث.» وكانت وفاة الشيخ حسين في غرة شعبان 1253ه/أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 1837م، على ما يبدو. ومع أن نفوذ آل عبد الهادي تأخر قليلاً بعد وفاته، فإن أولاده وإخوته استمروا في شغل المناصب العالية أيام الحكم المصري. وعموماً، فإن سنوات الثلاثينات كانت العصر الذهبي بالنسبة إلى آل عبد الهادي. وكانت العصر الذهبي بالنسبة إلى آل عبد الهادي. وكان للشيخ حسين الفضل الأكبر في رسم هذا الدور.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع