من الصعوبات التي تعترض محاولة ترسُّم تواريخ العائلات إستناداً إلى الأدلة الوثائقية خلال هذا العصر، أن إسم العائلة لم يكن شائع الإستعمال عند السواد الأعظم من السكان، ولا سيما الفلاحين. وكانت العادة ان يشار إلى الرجل بأنه زيد بن عمرو، وإلى إبنه بأنه فلان بن زيد، وهلم جرَّا. وحدها تلك العائلات العالية الرتبة السياسية والدينية – مثل آل طوقان، والنمر وجرار، والجيوشي والجنبلي والجوهري والصمادي والبسطامي، مع الإقتصار عليها- كانت تستطيع أن تتباهى بأسماء عائلية ثابتة على مر القرون.
وآل عرفات حالة من هذه. فجدّ عبد الرزاق عرفات، الشيخ الحاج عبد المجيد، ومثله عماه الأعليان، الشيخ سليم وصالح (ت 1724)، كانا يُعرفان بأولاد الشاهد في سجلات المحكمة، وكون معظم الجال في عائلة الشاهد من مشايخ الدين و أو المؤذنين المحترمين، أمران يوحيان بأن جدهم الأول أو أبناءه كانوا من الشرعية. ومهما يكن من الأمر، فثمة وقفية وصك حكر (إيجار) أجريا في سنة 1737، يشيران إلى أن أبناء الشاهد – ومنهم جد عبد الرزاق عرفات – كانوا يعيشون، من قبل، في دار واحدة في حارة القريون، وأن بيوتاً إضافية قد بنيت فيها مع توسع العائلة. ومن أجل الحافظ على وحدة الدار بينما راحت تتوسع نحو الخارج، جعل الإخوة الثلاثة العقار كله، المعروف في سجل المحكمة بــ "دار الشاهد"، وقفاً أهلياً، كان والد عبد الرازق عرفات إبن عبد المجيد (وعبد المجيد هذا هو إبن أحمد الشاهد)، قد أنشأ داره الخاصة في حي الياسمينة، ثم أوقفها قبل وفاته وقفاً لذريته من الذكور والإناث.
إن إدخال الدار العائلية في وقف أهلي يشير، عادة، إلى منعطف في إعادة هيكلة العائلة جراء قفزة في مكانتها الإجتماعية والإقتصادية. ولا شك في أن عرفات الشاهد، والد عبد الرزاق الذي كان حاجاً في العشرينات من القرن الثامن عشر، كان قد حقق فقزة كهذه. وكيفينا أن نشير إلى أنه أنجب أربعة أبناء ناجحين جداً، بنوا علىما أسسه والدهم من الجمع بين الثروة والمكانة الدينية والإجتماعية. وبات الأربعة كلهم يعرفون في سجلات المحكمة الشرعية بإسم أولاد عرفات. وقد إتبع عبد الرزاق وإخوته مألوف العرف في ذلك الزمن، يوم إعتمدوا إسم العائلة عرفات المأخوذ من إسم والدهم.
والأمر الحري بالإنتباه هنا هو أن أبناءهم وأحفادهم قرروا، متعمدين، ألاّ يتبعوا مألوف العرف في تبني إسم الوالد إسماً للعائلة، وإنما عرفوا أنفسهم بالنسب إلى آل عرفات، وذلك بإعتمادهم هذه الكلمة إسماً لعائلتهم، بصرف النظر عن أسماء آبائهم. وقد أعربوا، بفعلهم هذا، عن إدخال أنفسهم في المجتمع النابلسي كعائلة جديدة بالمعنى الأوسع للكلمة؛ أي لا مجرد وحدة تجمعها صلات القربى فحسب، بل وحدة إقتصادية وسياسية وإجتماعية أيضاً. وكان فعلهم هذا فعل حصر وإسبعاد أيضاً: إذ أعلنوا، يوم إحتفظوا بإسم العائلة عرفات، تفرعهم الناجح من سواهم من المتحدرين من "أولاد الشاهد"، وإن كانوا من وحدة القربى نفسها. كان ذلك، بمعنى ما، بمثابة إعلان نيات من قبلهم لرسم الحدود التي يتوقع أن يتعاون أبناء العائلة في إطارها، ويعملوا متوافدين في جملة من القضايا الإجتماعية والإقتصادية، عمل الأقرباء المتضامنين.
إعــادة إكـتـشـاف فـلسـطيـن
أهالي جبل نابلس
بشارة دوماني