النبهاني، الشيخ يوسف: (1265-1350ه/1849-1932م)
(عالم أزهري وشاعر وأديب ومؤلف. ولد في قرية إجزم. وبعد أن أمضى ستة أعوام في الأزهر عاد إلى البلد واشتغل في التدريس في مسجد الجزار في عكا. ثم عين قاضياً في جنين، وبعد سفره إلى الآستانة حصل على قضاء اللاذقية ثم على محكمة الحقوق في بيروت وغيرها. كان إسلامياً محافظاً ومعادياً للإصلاح ورجاله، وقد اعتزل السياسة أيام الإنتداب البريطاني. له مؤلفات عديدة مطبوعة ومخطوطة في علوم الدين والتصوف والأدب والتاريخ، وغيرها.)
ولد الشيخ يوسف النبهاني في قرية إجزم، القريبة من مدينة حيفا، وقرأ على والده القرآن وبعض المتون، ثم أرسله أبوه إلى مصر لإكمال تحصيله سنة 1283ه/1866م. فجاور في الأزهر نحو ستة أعوام عاد بعدها إلى البلد وعين للتدريس في جامع الجزار في عكا. وبعد عام واحد، سنة 1873، تولى نيابة جنين ثم توجه سنة 1293ه/1876م إلى الآستانة وبقي فيها نحو عامين ونصف العام. واشتغل في تلك المدة محرراً في جريدة «الجوائب»، وفي تصحيح الكتب التي تطبع مطابعها. ثم عين قاضياً في «كوى سنجق»، من أمهات بلاد الأكراد في ولاية الموصل. وبقي هناك خمسة عشر شهراً، ثم انتقل إلى الشام ومنها وصل إلى الآستانة ثانية. وأقام في دارة الخلافة نحو عامين، ألّف فيها كتابه «الشرق المؤبد لآل محمد». وخرج من العاصمة العثمانية معيناً رئيساً لمحكمة البداية في اللاذقية سنة 1300ه/1883م، وأقام فيها نحو خمسة أعوام. ثم تولى رئاسة محكمة الجزار في القدس، وفيها اجتمع إلى الشيخ حسن أبي حلاوة الغزي، الذي لقنه الطريقة القادرية وبعض الأوراد والأذكار. ولم يمض عام واحد حتى رقي إلى رئاسة محكمة الحقوق في بيروت، وأقام فيها ما يزيد عن عشرين عاماً حتى فُصل من وظيفته تلك سنة 1327ه/1909م. وفي بيروت ألّف معظم كتبه وطبعها، وهي أكثر من عشرين كتاباً.
وبعد إعلان الدستور، وفصله عن وظيفته في بيروت، جاور الشيخ يوسف في المدينة المنورة. ولما أُعلنت الحرب العالمية الأولى وثار الشريف حسين على الأتراك، هاجر من الحجاز وعاد إلى إجزم، مسقط رأسه. وبعد الحرب العالمية الأولى ووضع فلسطين تحت الإنتداب البريطاني اعتزل الشيخ يوسف السياسة والتزم جانب الصمت. وقد يكون ذلك لكبر سنه أو ربما لعدم وجود موقف إسلامي واضح يؤيد فكره الديني. وقد توفي في 9 رمضان 1350ه/18 كانون الثاني (يناير) 1932، في قريته، ودفن في مقبرتها.
مكانتـــــه العلميــــــــــة
لقد حصل الشيخ يوسف النبهاني على إجازات علمية كثيرة بلغت ما ينوف عن الخمسين إجازة ذكرها في كتبه. وترك مجموعات من الأشعار النبوية، جامعة بين الفصاحة والبلاغة والمحسّنات البديعية. وقد مدح بعض المسؤولين في صدر شبابه واعتذر عنها فيما بعد. ومن قصائده واحدة مطوّلة نظمها بعد إيابه من الآستانة، صوّر فيها الهوان والزراية اللذين يلقاهما العربي في عاصمة الخلافة الإسلامية، يقول فيها:
فـألـفيـــــت فــــيهـــــا أمــــــــة عــربــيــــــــــة يــرى التــرك منـهـا (أمة الزنج) أكــــرمــــا
وما نقمــوا منــا بنــي العرب خلــة سوى أن (خير الخلق) لم يك أعجميا
وامتاز أسلوبه بالمتانة والبعد عن الوكالة، وهو أشبه ما يكون بأسلوب العصر العباسي الأول نثراً وشعراً، على قول يعقوب العودات. لكنه تأثر بعصره، لذا نجد المحسّنات البديعية كثيرة في شعره ونثره. ويقول شكيب أرسلان عنه في كتابه عن رشيد رضا: «وكان من أشعر شعراء عصره.» ويروى عن إسعاف النشاشيبي أنه قال عن الشيخ يوسف «لولا ضيق أغراض الشعر عند الشيخ يوسف النبهاني لوضعته في صف شوقي.» وقد انحصرت أغراض شعره في مدح الرسول والدفاع عن الإسلام.
وترك الشيخ يوسف ثروة علمية كبرى، وهو يعتبر الأول في عصره في كثرة المؤلفات. وقد كتب في التصوف والأدب والحديث والتاريخ والتفسير. ويقول العودات في ترجمته له: «وقد وجدت له في دار الكتب المصرية ما يقرب من سبعة وستين كتاباً.»
مواقفـــــــه وخصوماتــــــــــــه
كان الشيخ يوسف النبهاني من الإتجاه المؤبد للخلافة الإسلامية، على علاتها، مع دعوته إلى إصلاح الأخطاء. وعندما وقع الإنقلاب على السلطان بعد الحميد لم يغير موقفه، وبقي مخلصاً لسياسة السلطان الإسلامية. وقد كتب قصيدة في مدح أبي الهدى الصيادي، أحد كبار مقربي السلطان عبد الحميد، مطلعها:
ويمــمت دار المــــــلك أحسب أنهــــا إلى اليوم لم تبرح إلى المجد سلّما
فألـفـيتـها قــد أقــفــرت مـن كـرامهــــــــا ولـــــم ــيبــق فــيهــا المجــد إلا تـوهمــا
وبسبب مواقفه الإسلامية المحافظة، خاصم الشيخ جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والسيد رشيد رضا لتأييدهم الإصلاح. فالإصلاح مصطلح مأخوذ من البروتستانت، وليس في الدين الإسلامي ما يدعو إلى الإصلاح كما في الدين المسيحي، بحسب قول الشيخ يوسف. وكتب قصيدة طويلة اسمها «الرائية الصغرى» في ذم البدعة ومدح السنة، وهجا فيها رجال الإصلاح المذكورين. وقد رد الشيخ محمود شكري الألوسي عليه لهجائه الأفغاني ومدرسته. وردّ عليه أيضاً الأستاذ محمد بهجت الأثري بقصيدة على الوزن والقافية نفسيهما، كما ردّ عليه آخرون شعراً ونثراً. وكتب الشيخ محمود شكري الألوسي أيضاً كتاب «غاية الأماني في الرد على النبهاني» في جزأين، وهو مطبوع. وقد تقرب الشيخ يوسف النبهاني إلى الخديوي عباس، الذي كان يمقت الأستاذ الإمام ويمقت رشيد رضا. وكوفئ الشيخ يوسف من الخديوي على هجائه رجال الإصلاح المذكورين براتب شهري من وزارة الأوقاف المصرية.
مؤلفاتـــــــــــــــــــــه
كتب الشيخ يوسف النبهاني عدداً كبيراً من المؤلفات، طبع بعضها وبقي القسم الأكبر منها مخطوطاً. ولا يتسع المجال هنا لذكر مؤلفاته كلها فنكتفي بذكر بعضها، إضافة إلى ما ذكر ساقاً:
1- «جامع كرامات الأولياء»، مجلدان.
2- «الفتح الكبير»، ثلاثة مجلدات.
3- «السابقات الحياد، في مدح سيد العباد».
4- «هادي المريد إلى طرق الأسانيد».
5- «الأساليب البديعة في فضل الصحابة وإقناع الشيعة».
6- «رياض الجنة، في أذكار الكتاب والسنة».
7- «سعادة الأنام، في اتباع دين الإسلام».
8- «جواهر البحار في فضائل النبي المختار»،أربعة أجزاء.
9- «خلاصة البيان في بعض مآثر مولانا السلطان عبد الحميد الثاني وأجداده آل عثمان» (بيروت 1312ه/1894-1895م).
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع