«واجبنا أن نغرس ثقافة العودة في نفوس أبنائنا ونورثهم القضية بكل تفاصيلها ومفرداتها». رسالة واضحة بدأ بها أبو وليد بلاوني حديثه في «ملتقى شهود النكبة». هذه الفعالية التي عكفت لجنة «واجب» في مخيم خان دنون جنوب العاصمة السورية دمشق على إقامتها دورياً إيماناً منها بضرورة التوثيق لمجريات النكبة من فم من عايشها.
يتابع بلاوني ابن قرية الصالحية شهادته فيقول: «الصالحية هي إحدى قرى سهل الحولة الذي يضم 74 قرية تتبع لقضاء صفد عروس الجليل، وتشتهر بزراعة السمسم والذرة الصفراء والبيضاء والفستق، إضافة إلى بعض الحبوب الأخرى كالفول والعدس، تربتها سمراء منبسطة ولا حاجة لحراثتها، بل يُكتفى برش أي نوع من البذور ثم تمشي عليه الأبقار أو الجواميس لينبت فيها».
الصالحية بالأرقام
رغم أنه خرج من قريته وسنوات عمره تُعد على أصابع اليدين، إلا أنه بوصفه أستاذاً للتاريخ والجغرافيا وموجه اختصاص في المادتين، فقد استطاع بلاوني أن يرسم لنا ملامح القرية وحدودها بدقة متناهية، معتمداً على ذاكرته حيناً وعلى ثقافته حيناً آخر، موضحاً أنها تقع عند ملتقى نهر الأردن مع وادي ترعان، ومشيراً إلى أن مساحتها السكنية تبلغ 94 دونماً، ومساحة أراضيها تبلغ 5607 دونمات زراعية، وهي على ارتفاع 85 متراً عن سطح البحر.
أما عن حدودها، فتحيط بها عدة قرى كالمفتخرة وخيام الوليد من الشرق والدوارة والعبسية من الشمال الشرقي ومن الشمال الناعمة والقيطية، فيما تقع بيسمون جنوبها وتتموضع الخالصة في شمالها الغربي.
وبلغة الأرقام والإحصاء، ذكر بلاوني أن تعداد قرية الصالحية في عام 1937 بلغ 1281 نسمة و1540 نسمة عام 1945، فيما وصل تعدادها في عام النكبة إلى 1763 نسمة، لافتاً إلى أنه أجري تعداد للاجئين المنحدرين من القرية في عام 1998، وكانت نتيجته تدلّ على أن العدد قد بلغ 10471 لاجئاً موزعين على عدة مخيمات في الشتات.
مجتمع الصالحية
بحسب بلاوني، تعاقب على القرية ثلاثة مخاتير، هم: علي الشيخ بلاوني وفاعور العبدالله وعلي حلاوة. أما أبرز عائلاتها، فقد ذكر منها الجوايدة والمصاروة والبلاونة والحلاوات والقبالوة والبكادشة والفياصلة والهرامشة والعزارات والبلالية، معتذراً عن نسيان أو عدم ذكر أي عائلات أخرى سكنت القرية ومقدراً الجميع، ولا سيما أنهم شكلوا في ما بينهم نسيجاً اجتماعياً وترابطاً عائلياً لا تزال آثاره واضحة حتى يومنا هذا.
وعرج بلاوني في حديثه على بعض عادات أهل القرية وتقاليدهم، مؤكداً أنها تشترك بذلك مع جميع قرى سهل الحولة، فلا فرق يذكر –مثلاً- في لباس رجال القرية ونسائها. ولم ينس أن يشير إلى شهرة القرية بأكلة الزلابية، مستذكراً مقتطفات من حفل ختم القرآن الذي كان يجري في القرية، حيث تذبح الخراف ويظهر الحافظ بأبهى حلة، مرتدياً أجمل ما عنده من الثياب، ليُطاف به في شوارع القرية وأزقتها.
نضال أهل القرية
أوضح بلاوني أن معظم قرى سهل الحولة كانت بعيدة عن الاحتكاك مع الصهاينة مباشرة بسبب بعدها نوعاً ما عن كُبّانيات الصهاينة، فضلاً عن أن إمكانات هذه القرى كانت أصلاً ضعيفة، فقد كان أهالي الصالحية مثلاً يضطرون إلى بيع ما يملكون من حليّ نسائهم لشراء السلاح، وقد امتلكته قلة منهم، وهم الذين بقوا في القرية للدفاع عنها بعد أن خرج أهالي القرية خوفاً من المجازر التي سمعوا عنها في دير ياسين وغيرها من القرى، وبناءً على طمأنات العرب لهم بأن مدة خروجهم لن تطول، ومع ذلك فقد شارك أبناء القرية في المعارك التي خاضتها بعضُ تشكيلات الجيوش العربية، وارتقى منهم شهداء، أبرزهم الشهيد مرعي حسن عبد الله بلاوني.
وتابع بلاوني قائلاً: حين قامت الثورة الفلسطينية في منتصف الستينيات كان لأبناء القرية دور في المشاركة بهذه الثورة، وقدموا عدداً من الشهداء والجرحى في سبيل تحقيق هدف التحرير والعودة.
وفي ختام حديثه، أشار بلاوني إلى أنه سافر إلى عدة بلدان عربية منها اليمن وليبيا وغيرها، وشاهد قرى ومدناً مختلفة، إلا أن الصالحية لا تزال بالنسبة إليه بمثابة الروح من الجسد، داعياً إلى ضرورة التمسك بها والثبات على حق العودة إليها وتوريث هذا الحق للأجيال القادمة جيلاً بعد جيل
مجلة العودة
تموز 2010