كلمة من القلب
هات يدك وتعال معي لنقوم بزيارة هي واجب علينا وكم من الواجبات التي نهملها أو نتناساها لندرك متأخرين أن هناك ندوب وجروح في انسانيتنا.لا تستعجل فنحن لا نزال عند مدخل القرية (الكوربا)هناك ينكسر الخط القادم من الساحل غربا بشكل زاوية قائمة ليتجه الى الشمال ثم باتجاه صفد كرم الزيتون هذا الذي الى شمالك هو زيتون العرب وكثيرا ما كان النور يحطون رحالهم فيه وأحيانا على البيادر وقد يكون للأرض حول صير الماعز نصيب من اقامتهم وهذه البئر التي على زاوية الطريق لعبد الكريم حسون وهذا الطريق الواسع الذي يكاد يكون شارعا هو الطريق الى وسط القرية.أنت الآن تعرف أين تضع قدميك وتستطيع أن تعود الى هذا المكان وحدك,نحن سنأخذ هذا الطريق أو المسرب الذي الى اليمين وقبل أن تصل الى زتون السوس وهو أسفل زتون العرب غربا وقد شاهدت عبر سنوات نوعا من الناس المتجولين كالنور ولكنهم غيرهم وكانوا يعرفون بالزط وهم يربون الخيول وكنا صغارا نقترب منهم ونقول( يا نور يا زط خيلكم بتنط ). تسأل الى اين نحن ذاهبون نحن ذاهبون الى الدوير سنوات طويلة وفي نفسي زيارتها وها قد آن الأوان لأزورها من جديد الزيار الأولى كانت بالجسد والروح وأنا دون الرابعة عشرة.كم أنا عاق لأنتظر اثنين وستين عاما ولكن ألا يلجأ الصغارالى جداتهم واجدادهم يحتمون بهم من عقاب الوالد نحن دائما بحاجة اليهم .
متع نظرك وروحك ببدائع خلق الله ولا تكثر من الأسئلة علي فأنا اعرف القليل القليل من نباتاتها وأشجارها أنت بين زيتون وتين وصبار أو صبر كما كنا نسميه. وهذا الصبر الذي الى يمينك وهو قليل الشوك يعرف بالصبر الخضاري واذا لم تخني الذاكرة فكرم الزيتون الذي يليه يسمى كرم شحادة,قد تصل الى الدوير من مسالك كثيرة ولكني سلكت معك هذه الطريق هذه بعض حقول الفول وهذه الورود بآلاف الألوان والأشكال كأنها حقول زرعت وردا من أحمر وأخضر وبنفسجي وهذا عرندس أو نرجس طبيعي اقطف ما شئت فالوقت ربيع ولا تهتم لأمر الماء فسنشرب من الأجران وهي حفر طبيعية في الصخور نتسلقها باحثين عن أجران ماء فنجد عندها الماء والزهور,لا عليك من ورق الأشجار هذه التي تطفو على وجه ماء الجرن,هذه محرمة نظيفة ضعها على وجه لماء واشرب من فوقها ماء مصفى, الي يميننا كروم زيتون وفيها وجدت آثار كنيسة قديمة كنت في مقدمة الواقفين حول الحفرة التي حفرت وبرزت بقعة من الأرض بشكل فسيفساء تأملها المطران وأمر بطمرها وضعت فوق الأثر البارز قطعة أظنها قطعة حصير أو ما شابه ثم ردمت الحفرة والى شمالنا خلة القسيس وأمامنا ومقصدنا تلة الدوير وهي تصغير دير وهناك مقبرة النصارى حضرت جنازة والذي أذكره منها أننا كنا لا نزال بين الرحبة والكوربا ورجال الدين والصلبان والمباخر والأعلام لا أذكر شيئا من هذه الجنازة الا اننا وصلنا الى الدوير لا أذكر أنني شاهدت عملية الدفن بل أذكر انني كنت بين الحاضرين.
أما ما أصفه الآن فهو زيارة ثانية قمت بها منفردا بعد ذلك بسنوات.وها أنت ترافقني في زيارتي وان بعد الزمان والمكان ايه والله بعد الزمان كثيرا وبعد المكان كثيرا وانا على قدر الله لصابرون,ليس صبر المتواكل أو المتخاذل بل صبر المتحفز الواثق.هذه تلة مباركة وان كنت منفردا فلا تشعر بالوحشة والغربة فكأن الأر ض ونباتاتها تعرفك بل هي حقا تعرفك فأنت ابنها وستعود وتحتضنك.هذه التلة هي مدفن قسم من أهلنا وقد اختاروا أن يكونوا على تلة تشرف على الدنيا فليس من شيمتهم سكن السفوح والمنحدرات.وقبل أن أنسى هناك في الدوير كما شاهدت بركة دائرية ولها درج وجدرانها بنية أقرب الى لون التراب الأحمر من وجد خطأ فليصحح فهذه معرفة ولد دون الر ابعة عشر وذاكرة شيخ جاوز الخامسة والسبعين.تسأـلني عن اختيار هذا المكان مقبرة سبق وذكرت لك أن الدوير تصغير للدير وأن هناك آثار كنيسة وخلة القسيس.اظن أن البلدة سحماتا وكما تشير بعض الكتب انتقلت من قرحاتا بعد خرابها الى هنا ثم الى التلة الجنوبية سحماتا التي نعرفها.تسألني عن الديانات وأصحابها. من الأسماء تعرف أنهم من أهلنا النصارى نحن فلسطينيون قبل الأديان وقبل الأنبياء فهؤلاء الساكنون هنا هم أجدادنا ونحن أحفادهم أرأيت شيئا تغير عندما انتقلنا الى التل الجنوبي ألم يكن المختار قيصر سمعان ملأ السمع والبصر وكذلك ابنه جريس سمعان نحن يا صاحبي قبل الأديان وقبل الزمان وبعد الأديان,تسالني عن معنى سحماتا ومن أين اشتقت كنت أسمع وأنا صغير في القرية وقد قرأت أمس المقولة التي تقول أن رجلا اسمه متى كان مصابا بمرض وسكن على هذا التل ولطيب هؤاءه شفي من مرضه فصا رالناس يقولون صح متى ثم تحولت الى سحماتا ولا أظن هذه الرواية الا مركبة أو مفبركة كما يقولون الآن كثيرا وأنا أعرف شاعرا لبنانيا منذ عشرات السنين وعندما سألته عن عمله قال انه بالأضافة الى الشعر يؤلف حكايات تشرح المثل او الكلمة الغامضة وما اظن صح متى الا من هذا القبيل وقد قرأت أنها كانت تدعى في ايام الرومان سوماهاتا هذا اذا صحت ذاكرتي.
على اي حال فهي تحتاج الى بحث لغوي فهناك قرحاتا وسحماتا وفي بلاد الشوف القريبة من فلسطين هناك قرية بقعاتا وسلعاتا.ومما يلفت النظر أنها أسماء بلدان وأنها كلها تنتهي ب( اتا) فنقول سحم + اتا وقرح + اتا وسلع + اتا وبقع زائد اتا ألا ترى أن بقعاتا هذه معناها بقعة وتصغيرها البقيعة أترك هذا للباحثين.أنا خجل أن أدوس على التراب هنا أجدادنا الذين عرفوا كيف يحيون ويموتون في ارضهم ونحن ضاقت بنا الدنيا نحن دون مرتبة الأيتام على مادبة اللئام.سلام عليكم ساكني تلة الدوير وعسى أن يكون في الدنيا سلام ما رأيك أن لا نعود من حيث جئنا؟ بل نتجه من التل والبركة شرقا أتعجبك زقزقة العصافير بأنواعها ولكن لا تشغلك أذنيك عن عينيك انظر الى هذا المنحدر من الزعتر الأخضر لا هذا لم يزرعه أحد بل هو نبات طبيعي أقطف ما شئت وهذه النباتات التي استراحت وتمددت على الأرض منها (جرية الحمامة والبربزينة والسميميخة)ومنها تصنع فطائر لذيذة وصحية هي غذاء ودواءألا نزال بعيدين؟لا نحن على مشارف القرية انتبه كي لا تسقط في بئر فهذه آبار قديمة وأثرية أظن أن منها بئر برزيق وبئر السعران.في صغري نزلت الى بئر برزيق متدليا بحبل نبحث عن العصافير في أعشاشها بعد أن غطينا باب البئر بأشواك كي لا تهرب العصافير التي في البئر,كان نصيبي عصفورين وضعتهما في قفص وبعد ساعات قليلة أطلقتهما أنظر الى الشارع أمامك وهذا البيت الذي يواجهك هو بيت فهد فضة من دار مرة تسأل عن ذلك البناء الحجري الحديث الذي لم يكتمل بعد هو لرجل لبناني اختار أن تكون سحماتا سكنا له ولأولاده وأحفاده,هو أبو أحمد الشعار الذي يشتري شعر الماعز ويحوله الى خيوط ويرسله الى لبنان .
لا أظن أن الشعار سكن بيته وها هي الكوربا التي انطلقنا منها هي أسفل منا أقل من مئة متر,ها قد وصلنا الكوربا حيث مدخل القرية لقد كانت زيارة واجبة وجميلة وموفقة وغدا سنزور مقبرة المسلمين,وسنبتدأ بزيارة مقبرة المسلمين من حيث انطلقنا لزيارة مقبرة المسيحين,مدخل القرية واسع كأنه شارع الى يمينك زتون العرب وفيه بيت محمد سليم قدورة والى يسارك واعلى من الطريق قطعة أرض (حلان)لدار الحاج محمد نحن لا نزال في طريقنا الى الرحبة منتصف القرية والى يمينك بيت شيخة الشيخ والى يسارك بابور الطحين تسأل هل هو قديم أنا أعرفه منذ أواخر الثلاثينات وهو قبل ذلك وقطعة الأرض التي الى يسارك مجاورة للطريق هي حاكورة عاطف الجشي والى يمينك حاكورة واسعة هي حاكورة دار الحاج محمد قدورة وفيها بابور الزيت الحديث وأمامك الى اليمين بئر ماء والى يسارك بيت فاطمة السعيد على مرتفع من الأرض كانت تؤجره كمقهى ومطعم تسالني هل كان في بلدنا مقهى ومطعم نعم مقهى ومطعم صاحبه صبحي الشعبي ومع أن في كل بيت موقد وفي كل حارة تنور فهناك في القرية فرن أراك أبعدتني عن هدفي نحن ذاهبين لزيارة مقبرة المسلمين ونحن الآن في الرحبة ساحة واسعة تقام فيها الأعراس سحجة ودبكة وشعراء وهذا وحده يحتاج الى تفصيل وتتصل بالرحبة بركة ماء تسمى البركة البرانية ومساحتها تفوق مساحة الرحبة وفيها مقياسان للماء كنا نعرفهما صغارا باسم العامود الطويل وهو في الناحية الشرقية من البركة وعامود الزعرورة وهو في الناحية الشمالية من البركة.
يمكن أن نذهب من على سطح البركة ويمكن أن نذهب من جانب الباط:(الطريق بين البركة والباط) ها قد اجتزنا الطريق المحاذي للبركة ونحن الآن في الطريق جنوبا الى يسارنا ويرتفع عنا كرم تين عزيز لدار الجشي والى يميننا قطعة أرض لا أدري من أصحابها والتي أمامنا هي البركة الجوانية هكذا اسمها,أمامنا الآن بيدر عبد الرحيم فاعور خذ يسارك والى يمينك بيدر دار الحاج محمد والى يسارك بيوت لآل سلمون وهم من الطريقة القادرية هنا في هذا الموقع المحاذي للبيادر شاهدت الشيخ مصطفى سلمون يقف أمام تابوت ميت من أقاربه من الطريقة القادرية ويضرب مقدمة النعش بعصاه ويقول:ارجع ارجع.فاستدار الرجال الذين يحملون النعش مسرعين بل راكضين وعائدين الى امام بيت الميت سمعت انهم يقولون أنه عاد ليودع أهله,ثم تبدأ الجنازة من جديد.أمتار قليلة والى يمينك بيت مصطفى الحجار ومن هناك نتجه يسارا وصعودا في طريق ترابي أبيض الى يميننا بيدر أحمد خليل قدورة,والى يسارنا ويعلو الطريق بيدر فضل عثمان.وآخر البيادر هي بيدر لثلاث عائلات هم:كامل سليم سمعان وأخوه صبحي الى جانب الطريق ولهم بئرماء محاذي للبيادر وبعدهم بيدر كامل محمد خشان وبعده بيدر محمود سعدة,والى يسارنا قسم من حديقة المدرسة الفوقا حيث شجر الفلفل الأسمر أوراقه ناعمة صفراء اللون ولم أره يعطي ثمرا وبعده تين البياضة والى يسارك وبين تين البياضة والقسم الشرقي من حديقة المدرسة الزراعية وهي حديقة تتعدى العشر دونمات طريق فرعي يوصل الى القرية وقبل أن تصل أول بيوتها من على اليمين بيت سليم دوخي خشان ومن الشمال فضل عثمان وأخوه دخل الله, في نهاية هذا الطريق الفرعي وخلف بيت آل عثمان شجرة تظلل قبر الشيخ ابراهيم.هو قبر من طين وفيه فتحة توضع فيها أسرجة لأضاءة القبر لمن ينذر ذلك وقبر الشيخ ابراهيم كما هو معروف هو قبر ولي من اولياء الله نحن نسينا أنفسنا ونسينا أولياءنا ولكني سمعت مرة والدي يقول هو قبر الشيخ ابراهيم الحوراني لا ادري ان كان والدي متأثرا بقصة الملك الظاهر بيبرس وهي قصة تاريخية مطولة وتدور حول الحروب الصليبية ومن أبطالها كما أذكر الشيخ ابراهيم الحوراني وصديقه شيحا جمال الدين وهناك عرنوس ابن الملك الظاهر وجوان واظنه يمثل الشخصية التي كانت تدور في اوروبا وتحرض على القتال ومن شخصيات الرواية أيضا أبو بشارة العطار وهو يجيد تغيير لونه والتخفي بأساليب من المساحيق والمعاجين كالمكياج في أيامنا أو كعمليات الجراحة.وكان الناس حتى أيامي في فلسطين أسمع بعض النسوة يتندرن بمن تكثر من الأصباغ ويقولون: (أبو بشارة العطار),وأظن أن الشيخ ابراهيم هذا هو الذي استشهد مع رفيقه وقائد جيوش المسلمين في منطقتنا وهو شيحا جمال الدين هكذا اسمه في الرواية ولكني لا أذكر استشهاده في الرواية وانما في التاريخ وقد استشهد في معركة ترشيحا وهي القرية المجاورة لنا واعاد الجيش تنظيم نفسه ودحر الفرنجة وسميت الموقعة بثارشيحا وهي قرية ترشيحا المعروفة والتي أعرفها جيدا,هنا على التلة الشرقية في سحماتا يرقد الشيخ المجاهد الشيخ ابراهيم وهناك ومقابل له على تلة مرتفعة في تر شيحا يرقد القائد شيحا جمال الدين والناس تزور قبورهم وتتبرك بهم ويعرف مقام القائد جمال الدين بالشيخ مجاهد أي بالشيخ المجاهد فهما من أولياء الله لقد دافعوا عن بلادهم ودحروا الغزاة فاستحقوا هذا التكريم وهذا الخلودبعد أن عرفتك على هذه الطريق الفرعية وبعد زيارتنا للشيخ ابراهيم وحديثنا عن الشيخ مجاهد نعود الى موقعنا عند بيدركامل سليم واخوه بعدها تبدأ المقبرة.قف لنقرأ الفاتحة ونسلم على أجدادنا الذين عرفوا كيف يحافظون على أرضهم.أنظر جنوبا وشمالا وشرقا هي مقبرة متسعة جدا وسمعت أن حديقة المدرسة أقيمت على جزء منها ها هي أول القبور قبور قديمة بل موغلة في القدم لا يظهر منها الا الشواهد,شواهد حجرية منحوتة غير الزمان لونها وصبغها باللون الأقرب الى الأخضر كالطحالب ونحن الآن في أول المقبرة وأمامنا طريق يقطعها من الغرب الى الشرق وينتهي آخرها عند كروم التين وعلى حدودها كرم تين لكامل خشان اسمه تين عباس والى أسفل كرم تين لحسن موسى,وتعلوه قطعة أرض مزروعة شجيرات عنب صغيرة هي لسعيد العبد موسى المقبرة غير مسورة وفيها أشواك كثيرة وكثيرا ما كنا نلعب هناك ونمسك بالحراذين والحرباوات ونحن نتجنب أن ندوس على القبور فذلك حرام,القبور متنوعة منها ما بني من الحجر الأبيض المنحوت ومنها وهو الغالب من الطين,وهناك طريق يقطعها من الشمال الى الجنوب فالصبايا اللواتي يملأن جرارهن من نبع العين من الحارة الفوقا يمررن في هذا الطريق وأسفل المقبرة يتصل بطريق العين للصبايا القادمات من الحارة التحتا فكل مرة كنت أذهب الى كرم التين(كرم عباس) أمر مسرعا وأقرأ بعض آيات القرآن هذا اذا كنت وحيدا ولكن مع الأولاد فلا خوف ولا وجل. لفت نظري أشياء كثيرة في هذه المقبرة وكثيرا ما كانوايحفرون قبرا قديما لميت ومن خلال الخبرة المتوارثة بالعظام يعرفون أن هذا قبر امرأة فيعاد الى وضعه ويحفر غيره,فحرام أن ينزل رجلا على أمرأة أو امرأة على رجل حتى في الموت.هذا أدب واحترام للموتى وثقافة يجب أن نفخر بها ولكن الدنيا ظلمتنا.كما كنت الاحظ كثرة قبور الأطفال مما لا أشاهده في المقابر الآن ولعل ذلك يعود الى سوء العناية الصحية . فلا يبقى حيا الا من كان قوي البنية وقادرا على تحمل أعباء الحياة,هكذا كانت تربية مدينة اسبرطة.و كما يروى أنهم يلقون الطفل خارجا ثلاثة أيام فالضعيف يموت والقوي يبقى حيا.
وقد شاهدت أكثر من مرة خاصة في قبور الصغار بقايا ملابس اذكر منها بقايا مناديل لا تزال تقاوم الفناء وخاصة بعض الخرز والبرق (أشكال ملونة من المعدن تزين المنديل)وكم كان الحرص شديدا على جمع بقايا العظام الصغيرة ووضعها باحترام في القبر ثم اهالة التراب.كنا نحن الصغار ننفذ من بين أرجل الكبار فاذا بنا في مقدمة الجموع فنشاهد كل شيئ. وقبل أن أمشي علي ان أذكر(التونيسة)فقد شاهدت مرة أو مرتين خيمة صغيرة نصبت على قبر ميت وهم يبقون هناك ثلاثة أيام ليلا نهارا يقرأون القرآن لمآنسته خوفا من الوحشة ومنها أخذ اسم التونيسة.ليتهم يشاهدون الآن كيف نقطع وترمى جثثنا على المزابل وفي البحور,نحن الذين كنا نودع موتانا بأدب واحترام بالتهليل المرتل وننام الى جانبهم نؤنسهم ولا ندوس على القبور ولا ندفن الرجل على المرأة ولا المرأة على الرجل يحل بنا هذا العذاب.مما أذكره على هذا المقبرة وقد تكون أيام عيد أو يوم خميس حيث زيارة الموتى ويسمى خميس الأموات أذكر الشيخ مصطفى عبد القادر وأنا لم أكن أعرف أن هذه العائلة القادرية الصوفية هي من آل سلمون الا في سبعينات القرن الماضي وللآن أنا أفضل اسمهم كمت نعرفهم القوادرية,والناس تناديهم يا سيدي,كثيرا ما كنت اسمع والدتي تقول سيدي عبد الغني وسيدي الشيخ احمد ,أعود واقول كان الشيخ مصطفى يقرأ للأموات وينتقل بين بعض القبور ,نادته امرأة يا شيخ اعمل معروف طالبة أن يقرأ للميت قريبهاومع أن الشيخ مصطفى لا يبعد عنها الا أمتارقليلة فقد طلبت منه أن يتقدم الى القبر ويقرأ لميتها أناس بسطاء طيبون.قرب هذا المكان الذي رأيت فيه الشيخ مصطفى في آخر المقبرة شرقا قبر العبد شرف وهو من دار حسين كان خارجا على القانون وقد شاهدته أكثر من مرة احداها كانت أمام المدرسة الفوقا وقد أطلق من بندقيته رصاص على نخلة في الحارة التحتا أمام بيت محمد فايز وشاهدته مرة ثانية يطل النار من مسدسه على افعى تسلقت شجرة تين خلف بيت توفيق العبد قدورة,أطلق عدة رصاصات وهي تتلوى ولكنه قتلها كان هذا الشاب وأمثاله يشكلون بدايات الثورات,سمعته وهو أمام المدرسة الفوقا يقول يا الله متى ستقوم الثورة وتسائلت في صغري اي ثورة تلك فثورة 1936 انقضت بعد ثلاث سنوات وانقضت الحرب العالمية الثانية هذا الشاب هو الذي كان يشهد له رفاقه بالبسالة والشجاعة والذي كان يمنع الخارجين على القانون من الأعتداء على بلدة سحماتا قتله الأنكليز قد يكون قبل النكبة بسنتين وكان يطلق على الخارجين على القانون الغضبا (الغضباء) ومفردها غضيب أي من غضبت عليهم الدولة الأنكليزية وهي تقوم بمطاردتهم ولكن كثيرا من هؤلاء الغضباء هم من دافعوا عن حيفا ومواقع أخرى واستشهد كثيرا منهم.وكان الخواجة عيد ينحت أحجار القبور وأنا معه في كرم تين عباس أو كرم البيدركما نسميه أحيانا. يروي لي قصصا ونكتا وقد علمني نحت الحجارة بواسطة آلة كالمشط خشنة وناعمة وزاوية لضبط الحجر من جميع الجهات وأنا من نحت حجارة قبر العبد شرف جميع حجارته,وكنت بعد أن بناه الخواجة عيد أرى والده يأتي ويجلس الى جانب القبر ويبكي بصوت خفيض ويقول يا عبد ضحكوا عليك!مساكين الأهل مساكين!! والى جانب هذا القبر مجموعة قبور وهي في آخر المقبرة من الناحية الشرقية وتسمى هذه الناحية من المقبرة مقبرة الشهداء هكذا قسم من مقبرة سحماتا هو قسم للشهداء,منهم في ثورة 1936:محمد يوسف ومبدى موسى ومن الشهداء الذين حضرت دفنهم أحد المقاتلين في جيش الأنقاذ استشهد قبل النكبة بأيام قليلة ودفن هناك بين رفاقه الشهداء وكان في وداعه مجموعة من المقاتلية أطلقوا حسب اوامر مسؤولهم خمس رصاصات,وتضم هذه المقبرة قبر الشهيد ساري قدورة من شهداء الثورة الفلسطينية حوالي 1970,فالذي أعرفه أنا ثلاثة أجيال من الشهداء في هذه المقبرة.نحن الآن في آخر المقبرة وفي منتصفها تقريبا من الناحية الشرقية اتجه الآن بعد أن زرنا قبور الشهداء الى الشمال,فهناك مجموعة قبور لآل القادري وكنا نمر بقربهم باحترام ومهابة ولا نلعب بين قبورهم,هذا أدب ايه والله أدب رفيع لم يعلمنا اياه أحد هكذا كنا يا دنيا.وتمتاز قبور القادرية بأني رأيت بعضها وقد كسرت عكازة الشيخ وهي من زعرور وربطت حول الشاهد.نحن الآن في أقصى المقبرة من الناحية الشمالية وتلك الطريق التي تقابلنا هي المدخل الى أعلى الحارة الفوقا المعروفة بالقلعة وكما زرنا قبر الشيخ ابراهيم وكنا على مشارف البيوت هكذا نحن هنا على مشارف القلعة وذلك الجدار القريب منا هو ما تبقى من سور كان يحيط بالحارتين .
وفي الحارة التحتا أيضا بقايا من السور,أقول نحن هنا في آخر المقبرة شرقا شمالا وهناك طريق يأتي من الحارة الفوقا مارا بالمقبرة نزولا نحو البيادر ,ونحن سنسلك هذا الطريق الترابي المحاذي للقبور بضعة أمتار وها نحن أمام قبر ستي النعيمية هو قبرقديم يدل على ذلك لون حجارته وشكل هذا القبر يختلف عن بقية القبور فهو بشكل محدب ولا أذكر أن له شواهد وبين حجارته المنحوتة حجارة صغيرة سمعت أن البعض يحملها عند الصداع ثم يعيدها الى موضعها, بعد أن قرأنا الفاتحة لستي النعيمية ونذكر بالمناسبة ستي الزاوية وقبرها في الحارة التحتا في قطعة ارض كمساحة غرفة وفي وسطها نخلة,وننحدر الى اسفل المقبرة أنظر الى شمالك هذا القبر الكبير والواقع في وهدة في منتصف المقبرة تقريبا هو قبر العبد علي قدورة وهو وجيه عائلته.لقد عدنا الى أول المقبرة حيث وقفنا وقرأنا الفاتحة,ولتكن طريق العودة غير طريق المجيئ لنذهب من هنا يمينا ونقطع بيدر فضل عثمان والى يميننا حديقة المدرسة الفوقا الزراعية وقاعة المدرسة الفسيحة والى أسفل منحدر قوي يصب في البركة الجوانية وأشجار السرو الكثيرة هذه بل غابة صغيرة من السرو وشجرة العنبر في طرف المرجة الصغيرة هو جزء تابع لحديقة المدرسة وأقول انزل الآن وعلى مهل خوفا من الأنزلاق انت الآن في كرم تين عزيز المتصل بغابة السرو وهو كرم اشجاره كبيرة وهو مكان الأراجيح أو المراجيح في الأعياد متعة حقيقية وفرح تتمرجح مصحوبا بأغاني جماعية مثل (طيري وهدي يا وزة) لا أريد ان أثقل عليك فقط انتبه الى هذه الغرفة في كرم التين انها لعجوز تسمى سعدة عبود أكمل الطريق شمالا فها أنت تخرج من تين عزيز مباشرة الى ما كنا نسميه سطوح البركة وهو مرصوف بحجارة صغيرة تشبه الفسيفساء وتمر عليها الحيوانات والناس ولا تزال صامدة للزمن.كم كان أجدادنا عباقرة في البنيان!وانا أشاهد الآن بنايات من باطون عمرها دون الأربعين سنة وهي تودع شبابها,بنايات بعمر انسان.أعود وأقول سطح البركة وما يليه من الطريق حتى الرحبة هو طول البركة من الجنوب الى الشمال ونحن الآن في الرحبة ولن تضل طريقك الى الكوربا حيث انطلقنا في بدء زيارتنا والى لقاء جديد ولكم مني سلام وعلى الأرض السلام.
محمد خشان