وكان على هذا الطريق أيضا منزل حسن عيسى عطايا وهو بناء أنيق من طبقتين جدرانه من الحجر الأبيض ولمدخله درج نصف دائري وكان لهذا المنزل كراج كان فيه غزال لفترة من الزمن وفي فترة أخرى كان فيه سيارة .وكانت عائلة عطايا ذات حضور ملحوظ خاصة بعد أن تضاءل وجود عائلة السعدي في القرية وكان البارزون من هذه العائلة هم أبناء حسن عطايا : محمود، محمد، صالح، وأحمد. والأشد بروزا بينهم كان محمد، أبو فايز .
كان هذا المنزل واحدا من المباني الأربعة أو الخمسة التي أبقت عليها اسرائيل عندما دمرت القرية في 1948 وبعد ذلك بسنوات عـديدة شاع بين أبناء القرية في لبنان أن هذا المنزل قد تحول الى متحف زراعي.
سنة 1970 كانت لي زيارة خاطفة للزيب كنت حينها أعمل لدى الأنروا وأقوم بزيارات عمل الى فلسطين بجواز سفر صادر عن مكتب الأمم المتحدة في جينيف، أنقل ما يلي من أوراق كنت كتبتها بعد إحدى هذه الزيارات بقليل:
مشيتُ في القرية وراعني ما رأيت قريتي مُـدمّرة ومهجورة كنت من قبل أعلم أنها كذلك لكن الرؤية شيء آخر غير الـسّـمْع، شعـرتُ بالاضطراب تمنيت لو كان معي رجل من الزيب لنتكلم ونتقاسم الحمل حمل الشعور بالقهر والغضب. دخلتُ منزل حسن عطايا لأرى المتحف الزراعي استقبلتني في ردهته امرأة شقراء تجلس هناك وراء مكتب قدمت لي عرضا سريعا حول المتحف ومُـقتـنياته ولم يتضمن كلامها لا اسم فلسطين ولا أي مُـشتق منه، أعطتني كتيبا سـألتني إن كنت أرغب في مرافقتها لي ،في جولتي على هذه الـمُقتنيات أجبتُ أن لا داعي لذلك وشـكرتها.
أنا سائح في قريتي ؟ يا لله
تجولتُ في غرف هذا المتحف وأنا الآن أسأل نفسي: هل رأيتُ النير والمِنساس ؟ لوح الدراسة؟ المِدراية؟ سكة الحراثة ؟ السريدة والقفير ؟ الخابية والدِّسْـت والجرن ؟ المخلاية؟ جْلال الحمار؟ جلاجل الماعز؟ قلادة العِجل الزرقاء ؟
كنت كمن ينظر الى الأشياء ولا يراها لقد اعتراني شعور غريب وكان الدم يغلي في عروقي وكان كل همِّي أن أبقى مُـتمالكا نفـسي، ابتسمتُ لأمينة المتحف وخرجت .
توقفتُ عند قبر والدتي تحت تلك النخلة التي كانت لنا في أيام الزيب علامة تحدد موقعه في جبانة القرية قرأت الفاتحة والدموع تترقرق في عينيّ.
"الزيب كما عرفتها"
احمد سليم عودة