دينا آغا - صيدا
توجهت يوم الاثنين 4/7/2011 أنا وزميلتي آلاء قدورة لزيارة الحاجة حليمة يوسف دكور ( مواليد سنة 1927 في قديثا قضاء صفد)، بهدف جمع شجرة عائلة دكور وتوثيق تاريخها قبيل وبعد االنكبة وتعريفنا ما أمكن عن أحوال قرية قديثا في ذلك الوقت، فرحبت بنا الحاجة كل االترحيب وأبدت استعدادها لتسهيل مهمتنا ما أمكن.
بدأنا رسم شجرة االعائلة من علي دكور والد جدها محمود، وقد كان لجدها من الأبناء كل من:حسين، خالد، علي، أحمد، يوسف، فطوم، حفيظة، وعلياء.. وقد انتهينا من العمل على بناء لشجرة بعد أن أضافت الاجة حليمة 122 فرداً من أبناء العائلة لهذه االشجرة.
محمود جد الحاجة حليمة ولد، عاش توفي ودفن في فلسطين، وتحديداً في قديثا .. وبعدما تحدثت الحاجة عن صفات جدها نختصر ونقول : كان الجد محمود فلاحاً أبيض البشرة، طويل القامة، أزرق العينين، وهادئ الطباع.. وتقول الحاجة أن والد جدها أي علي دكور كان يملك أراضي واسعة جداً في قديثا تكاد تبلغ نصف االقرية تقريباً.
كان الجد محمود يقوم بزراعة الأرض وفي موسم الحصاد يأخذ حاجة منزله والباقي يبيعه في صفد. كان يملك " طرش" أي أغناماً يرعاها هو والراعي فيفراضية، وفي فصل االشتاء يقضون ثلاثة أشهر في مغارات فراضية. جدة الحاجة حليمة، أي زوجة محمود، هي مريم علي شناعة من بلدة طيطبا، وتذكر الحاجة حليمة من كلام أبيها أن جدها قد خدم العسكرية في االجيش التركي.
ثم تنتقل الحاجة حليمة للحديث عن أعمامها وعماتها فرداً فرداً:
حسين محمود دكور: ولد في فلسطين وكان يعمل في أرضه، تزوج من فطوم سليم دكور ابنة عمه، وتوفي في لبنان بعد خروجه عام 1948 ودفن في المعشوق في صور جنوب لبنان.
خالد محمود دكور: ولد في فلسطين وكان يعمل فلاحاً وتزوج من آمنة أحمد حمزة من قديثا، وفي لبنان عمل كسائق سيارة أجرة وتوفي في لبنان.
علي محمود دكور: موااليد سنة 1924 في فلسطين، وزوجته علياء محمد حمزة من قديثا أيضاً، وتوفي في لبنان ودفن في المعشوق.
أحمد محمود دكور: مواليد فلسطين تزوج من نظمية علي من بلدة الجش.
أما يوسف والد الحاجة حليمة فهو أيضاً من مواليد قديثا وزوجته لطيفة محمد حليحل من قديثا، وكان يعمل في أرضه وقد توفي في صور ودفن في المعشوق وله من الأولاد: محمد، محمود، أحمد، زهية، حليمة، فطوم.
فطوم محمود دكور: تزوجت من حسن حمزة وتوفيت في مدينة صيدا.
حفيظة محمود دكور: تزوجت عبد الله شناعة من طيطبا.
الحياة في قديثا
وبعد الحديث المطول عن شجرة العائلة انتقلنا مع االحاجة حليمة للحديث عن قديثا نفسها والحياة فيها، فبدأت بوصف موقعها:
" تقع قديثا على جبل، من وين ما جيتي كانت الطريق صعبة لفوق لأنها مرتفعة، بالصيف شلبية كثير والهوا يلعب فيها لعب وبالشتا صعبة كتير. بلدنا كانت مش كبيرة كتير، كانت قريبة علينا طيطبا، الراس الاحمر، دلاتا، الصفصاف، ميرون عين االزتون، فراضية، السموع، بيريا، وصفد، عكبرة، الظاهرية، كلهم قراب علينا وكمان علما، الريحانية وديشوم.. كلهم قضاء صفد.
كان بيت جدي الكبير عمومي واهلي كلهم مع بعض، كانوا يعملوا عمدان يحطّوا قنطرة تروح هيك وقنطرة تروح هيك، بيت ( بلا زغرة) قد الجامع بأربع عمدان، ولمّا الختيار يكبروا أولاده يعطي كل واحد بيت ويبقوا قراب على بعض.
أبوي ظل معاهم تتجوزوا أعمامي الأربعة، وبعد ما تجوزوا طلع كل واحد قعد ببيت. كانوا يتعشّوا على لجن واحد، النسوان يقعدوا على جنب والزلام يقعدوا على جنب.. آه، كانت بفلسطين هيك تاكل الناس، عايشة من بعض. عيلة جدي كانت 16 نفر أبوي واعمامي، كلهم ببيت واحد، بقولك البيت كبير وواسع.
كان إلنا جيران من بيت حليحل، وبيت علي يوسف وبيت حمزة. كان هناك طرق رئيسية في البلدة والسيارات تمر فيها، واحد قاصدك ييجي بالسيارة، أما طريق عمومي للبلدات الأخرى ما كان في..
قديثا.. بتفاصيلها
أحمد حمزة كان عنده مضافة بالبلد ويقولوا له المختار، وخالد حليحل كان عنده ديوان بالبلد كمان. الجامع كان شمال البلد والشيخ فيه هو خالد حليحل.. وما كان عنّا مددرسة بالبلد، كانوا يروحوا يتعلموا بالجش ويتعلموا بطيطبا. الأولاد الصغار كانوا يروحوا على طيطبا وبعدين فتحوا مدرسة بالجش.. حتى كتّاب لتدريس القرآن ما كان في بالبلد كما أذكر.
كان في عين مياه بالبلد، وكمان كانوا يبحشوا بيارة يا ستّي، البير6 أقدام غمقه لتحت و6 أقدام وسعه بالأرض، يبحشوه ووقت ما تشتي يعبوه مياه شتا، والعين فيها ميّي للكل. كانت النسوان تروح تعبّي الميّي من العين، وكنت أروح مع إمي نعبي من العين، ومن البيارة نعبّي.. كل واحد مفتاحه بإيدو ( مفتاح البير) كمان يجيبوا منها ميّي.
والبلد لا كان فيها مقهى ولا جهاز راديو.. كانت البلد قائمة على االزراعة. نزرع القمح، كرسنّة، عدس، ذرة، شعير، ذرة صفرا، عبّاد االشمس، بندورة، كوسى، قرع، وزتون. بأيام الزتون لما نعصر الزتون نعبّي براميل كبيرة هاي الـ 12 تنكة، هذا للمونة غير الخوابي".
عن المهن والدكاكين في قديثا
"ما كان في عيادة بالبلد، وكان أبوي يجبّر، اللي تنكسر رجله أبوي يجبّرها، اللي تنكسر إيدو بالجش كان يجبّرها، والأولاد والطرش كمان كان يجبّرها..
ما كان في فرن بالبلد..وكنا نخبز بالبيت، كنا نعمل فرنية من طين ونخبز عليها، كنا نروح نبيع حليب بصفد ستّي تحمل دست هالقد ( حجم كبير) وأنا دست هالقد ( حجم صغير)، كل واحد عقدّو.
في المناسبات والأعراس كانت الجاهة من المختار وكبار العائلات.. والانجليز كانوا يجيوا على البلد إذا في شي، يشربوا قهوة وشاي ويتابعوا الأمور. كان بالبلد في حلاق اسمه مزيد حليحل، وما كان في لحّام.. بالبلد يذبحوا هالبقرة ويقسّموها على هالبلد بحقه. الحداد والنجار بصفد.. الخياطة كانت زوجة مزيد اسمها نزهة من فراضية وزوجها من بيت حليحل، والداية كانوا يقولولها غزالة امرأة الشاويش، كان يعمل شاويش في تركيا.. أما المقبرة ( االجبّانة) فكانت غرب البلد".
نكبة االـ 48 ورحلة العذاب
" في الـ 48 إجا جيش الإنقاذ على فلسطين ليحاربوا. إحنا أبوي عنده بيتين، حطوا فرقة من جيش الإنقاذ ببيت وإحنا ببيت، واللي عنده وسعة يحطوا عنده كمان فرقة من جيش الإنقاذ. ظلينا تاليهود دبّوا كل قوتهم من صفد على عين الزتون تحتينا، هجّينا إحنا على االجش قبل ما يوصلوا لعنّا.. كلنا طلعنا أبوي وإخوتي ما ظل حدا من البلد، كلها طلعت. وقتها ما ظلّش في ثوار بالبلد، كان كل بيت عنده بارودة، كان أبوي عنده بارودة يقولولها الألمانية، الخرطوش تبعها ما يلاقوش لأنه غالي.. كان كل بيت فيه بارودة، كانوا الثوار يحرسوا بالبلد.. بس هداك اليوم كل الناس هجّت.
لما سقطت عين الزتون ما عدش فينا نقعد، هجّينا على االجش وقعدنا شي 15 يوم، وبعدها هجّينا على بنت جبيل مشي. استأجرنا بيوت وقعدنا، أبوي استأجر وكل عموميتي استأجروا. قعدنا شي 15 يوم ورحنا على عيناتا، يقولولنا "يا فلسطينية أهلا وسهلا فيكن وما عنّا ميّي نسقيكن".. ما فش عندهم ميّي.
آخر شي طلعنا من ايار ورجعنا على الجش بتموز من بنت جبيل. رجعنا بيكي نرجع على بلدنا، حصدنا القمح ( كان القمح على طرف البلد) وفرطنا الزتون ودرسنا القمح، اطلعناه كله أخذناه عالبيوت ( ما رجعنا على بيوتنا في قديثا اليهود قراب وفي بيوت حرقوها)، ظلينا بالجش حتى إجت الطيارات ترقع. كانوا الثوار عاميلن استقامات بالجش ( دفاعات كما فهمنا) إجت الطيارات تقصف صاروا يقاوموا الطيارات، والجش فيها وادي نزلنا نركض على الوادي، هذا يتقوس ( يصاب بالنيران) وهذا يموت، تصاوبت بنت من بلدنا وتصاوبت أمها، البنت اسمها فاطمة حليحل ( أبوها خالد حليحل) وهذيك هندية عبد الله حليحل أو أخوها عبد الله حليحل. استشهدت هندية وفاطمة أخذوها على لبنان على بنت جبيل حكّموها، أنا ما شفتها بس هيك قالوا، ما حدا وعي على حدا.
لما نزلنا على الوادي صاروا يضربوا مدافع من صفد علينا، ظلينا لوصلنا على حدود لبنان، نمنا هديك الليلة بالسهل ورحنا على بنت جبيل مرة ثانية واستأجرنا. ولما سقط الجليل، كل واحد طب بدنيا، ما حدا وعي على الثاني وين طب، وإحنا رحنا على جويّا سكنّا فيها.
أبوي علّم إخوتي ولمّا وعيوا إخوتي وما عدش إلهم دروس، هذول المعلمين مش متعلمين أكثر من هيك، نزل أبوي على صور عمّر بالمعشوق هيك على قدّو، وودّاهم على مدرسة بيقولولها الجعفرية في صور وتعلموا.. ابو أدهم تعلم أكثر صار يروح على بيروت، وإسّا هو بالمعشوق معمّر على جنب الشارع عامل متحف بيجوه الناس من لبنان وسوريا وغيرها تيزوروه.
طلعنا على عنجر ولمّا انكتب النصيب تجوّزت محمد سليم عزام من حطين ( أمه بتكون خالتي)، وأختي تجوزت ورجعت على فلسطين وتوفيت هناك.. المهم أنا انكتب نصيبي بعنجر وتزوجنا أنا وأخوي بدل ( واحدة بواحدة) أخوي أخذ أخت جوزي"..
وقبل أن نختم اللقاء نسأل الحاجة حليمة إذا كانت تحتفظ بأي شيء من فلسطين فتجيب :" طبعاً" وهي لا تزال تحتفظ ببعض الأدوات المنزلية التي أخرجوها معهم من فلسطين، أما أوراق الأراضي فهي محفوظة عند أخيها أبو محمود ( محمد دكور)، أما أوراق زوجها محمد عزام فهي تحتفظ بها في االبيت.