جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
لأوضاع الحياتية في خريش الحياة الاقتصادية: كان اهتمامهم في العهد العثماني برعي الدواب وفلاحة الأرض، وجمعوا بين الرعي والزراعة وأهمها زراعة الحبوب والقطاني والذرة البيضاء لغرض صنع الخبز (الكراديش) وإطعام الدواب من أعلافه. تطورت أعمال أهالي خريش في العهد البريطاني في الفلاحة بصورة أكبر،وشكلت التجارة مصدرا جديدا في الدخل والإنتاج، ففي هذا العهد نشط الوسطاء التجاريون، واتخذت التجارة شكلين: الأول التجارة مع اليهود، والثانية التجارة مع العرب في المدن. ففي سياق تجارتهم مع اليهود، قاموا بتصدير ناتج القرى القريبة، مثل السماد، والبيض، والشيد، والفحم، والحليب والجبن. ونشط عدد من أبناء خريش وكفر ثلث في تسويق سلعهم المنتجة، مثل: الشيد، حيث كانت لهم تجربة و تراث عريق في عمل الكبارات واللتاتين. لقد نشط التجار اليهود في شراء الزبل البلدي من قرى قلقيلية، وقامت المستعمرات بجهد العرب، ومنها: مستعمرة رعنانيا، وكلمانيا، وبيتح تكفا، ورأس العين، وسبية (كفار سابا)، ومجديين.حدثني علي أسعد جابر أحد تجار البيض، أنهم كانوا ينقلون البيض عل الحمير في صناديق الخشب، وأنه نقل في عام 1935 قرابة مليون بيضة، ومعه عدد من التجار، وقد جمعوها من قرى نابلس، وطولكرم وقلقيلية (). لا يقتصر عمل أبناء خريش على دور الوكيل التجاري، بل نشطوا في زراعة الخضراوات والفواكه، فزرعوا الموز، والخيار . وزرعت بعض أراضيها بالبرتقال،حيث زرع مصطفى الخطيب بيارة برتقال، كذلك بعض العائلات القلقيلية، ومنهم آل صبري، ودار أبو حجلة في سنيريا. وعمل آخرون على تعمير أرض خريش الصخرية، وزرعوها بالزيتون والرمان، والتين، والتوت، ونشط في الزراعة وحفر الآبار، الحاج عيسى عرار، وابن أخيه عبد الهادي، وفي الزاكور نشط عطا حسن رزق الله في زراعة أغراس الزيتون قبيل عام 1948 (). رغم التحسن النسبي في الحصول على النقد من تجارتهم إلا أن الإنتاج العربي تعرض لسياسة التحطيم،حيث أعاقت بريطانيا تصدير القمح والسمسم، وأطلقت العنان للاقتصاد في خدمة الصهيونية ومشروعها الاستعماري. انتهز عدد من رجالات الحركة الصهيونية الأوائل العلاقات التجارية مع التجار العرب وأغروهم ببيع وتسريب قطع أراضي لليهود، وأسهم أبو علي ميلخ (ميخا) في رعنانيا، ودافيد بحر رئيس بلدية بيتح تكفا، وأبراهام ميخو في جر الوكلاء لتسريب أراض الفلاحين. و تم تسريب مساحة من الأراضي تقدر بـ 1000 دونم تقريبا، وتقع ضمن مخطط أراضي حبله، وأراضي واد الرشا، وخريش.وترافق هذا العمل مع سن قانون الطابو (تسجيل الأراضي) من قبل بريطانيا سنة 1935 وعندما عجز الفلاحون عن دفع رسوم التسجيل، قامت الحكومة بمصادرتها لحساب المشاع وخاصة الواقعة بين خريش، وحبلة.وعاد هذا بالضرر لاحقا عليها وعلى حبله،حيث عجز البعض عن تثبيت حقه في الأرض، وهكذا توسعت مغتصبة حورشيم، ومغتصبة متان يرحيف (). لقد بعثت عمليات السمسرة التي قام بها أشخاص كانوا بعدد أصابع اليد تذمر بعض الفلاحين، وهم من قرى خريش، وكفر ثلث، وحبله.وقد أرسل خمسة فلاحين رسالة يشتكون فيها إلى المجلس الإسلامي الأعلى الذي يرأسه مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني.وقد اعتبروهم مصدر الشر والفساد، وأنهم استغلوا جهل البعض، وتحايلوا عليهم بأخذ إمضاءات لبيع أراضيهم. حدثتني جدتي نعمة داود: "جاء إلى خريش جماعة المفتي يركبون خيلاً.وقد دلهم رشيد عبد السلام على خريش، واستضافهم عمي عمر الحاج محمود، وسألهم عن سبب مجيئهم، فبينوا له أن شكوى وردت عنه، فأنكر أنه يبيع أراضي، وقال: أنا فقط تاجر زبل أما بيع الأراضي، فهذا ليس من عملي، اسألوا غيري، وسأمنع هذا العمل ()". حرثوا الأرض بمحاريث خشبية وحديدية، وتطورت أساليب الحرث بالآلات الزراعية بعد عام 1925، وقد أحضروا أشخاصاً من العباسية لهذا الغرض. كان استغلال الأرض على النحو التالي: 130 دونما غير مستغلة، و 28 دونما مساحة بيوت القرية، خصصت دونمين للطرق و283دونما زرعت بالحمضيات سنة 1945، و70دونما زرعت بالأشجار المثمرة كالزيتون واللوز والتين،وهناك 2250 دونما زرعت بالحبوب (5). الحياة الاجتماعية: ضمت خريش عائلات جاءت من كفرثلث ومنها: عائلة عرار، وعائلة عبد السلام، وهما فرع من حمولة عودة، والتي جاءت من شرق الأردن. عائلة الخطيب، وهي فرع من حمولة شواهنة التي سكنت كفر ثلث،وجاءت من شعفاط قرب القدس. تميزت هذه القرية بكرم أهلها، وحسن ضيافتهم، وتأثروا بالتقاليد العربية، حتى سمي هؤلاء بـ(بني ماضي)، أي أنهم ماضون في الشرف والكرم والشجاعة والمروءة. و تأثرت علاقات أبناء خريش بعلاقات الحمائل في كفرثلث، فهي تسوء أو تتحسن، بحسب أوضاع العلاقات في القرية الأم، وقد ساءت علاقاتها في عام 1943 لهذا طالبوا بتعيين مختار آخر، وتم تعيين إدريس الحاج محمود مختاراً إلى جانب أحمد عبد الرحمن الخطيب، الذي ظل مختاراً لكفر ثلث، وخربها الأخرى، مثل: رأس عطية، رأس طيرة قرية سلمان، وغيرها حتى عام 1956 ()". تعددت أشكال الزواج فيها: مثل زواج: العطية، وزواج البدل، وزواج القريبات، وشعاره المثل القائل "ابن العم بنزل عن الفرس"، وزواج الغريبات، وزواج الدية وغيرها. ووجدت فيها مضافات أهمها: مضافة عمر الحاج محمود، وأحمد السعيد، وقد تجلى دورها في استضافة العرب الذين تم ترحيلهم عام 1948؛ بسبب الرعب الذي مارسته الحركة الصهيونية، وقد بلغ عدد الذين استضافتهم بما يتجاوز ثلاثة أضعاف عدد السكان، بعضهم جاء من دير طريف، وبدو أبي كشك، وبدو أبو حطب، وبدو الجرامنة، ومن قرية العباسية، وبدو بئر السبع وغيرهم من المهجرين . حدثني عثمان عبد الهادي: "أهل كفر ثلث وخريش يقتلوا حالهم قدام الغريب، واعتبرت خريش قاعدة للضيافة والكرم، وهي مشهورة باسم بني ماضي، وكانت فيها مضافتان عامرتان بالرايح والجاي، واحدة عند عمي عمر الحاج محمود والثانية عند أحمد سعيد عبد السلام، ودور مضافتها لا يقتصر على الضيافة بل كانت تحسم قضايا الصلح والإصلاح، جاء جبر أبو كف من أمراء وشيوخ بئر السبع إلى خريش، التي استقبلته بالضيافة والترحاب، وأخرجت له الطعام في مضافة عمر الحاج محمود، ومكثت ضيافته عدة أيام . ولهم أقوال شتى في الضيافة تجسدها الأمثال الشعبية ومنها: في عزومة من وراء الباب وعزومة بتقطع الثياب، والبشاشة خير من القرى، والكرم فضيلة والبخل رذيلة.ويحافظ الناس على الطنيب، ويقدمون الحماية له إذا ما استجار بهم. كان الناس يجتمعون في المضافة للتباحث في الأمور الهامة، وكذلك لسماع حكايات، وسيَّر شعبية ثراثية وتاريخية مثل: قصة الزير سالم أبو المهلهل، وعنترة، وسيرة أبو زيد الهلالي، وقراقوش،وغيرهم،واستحوذت على تفكيرهم قصص الغيلان، وتحدثوا عن الضباع، وكيف نجح فلان في صدها أو قتلها. التنظيم العمراني والهيكلي لخريش: تميزت خريش بوجود طرق مختلفة تربطها مع غيرها من قرى ومدن، فهي تتصل بطريق ترابي غير معبد لا يبعد سوى 2 كم مع خط طولكرم ـ يافا، ثم تتصل بقرى كفر ثلث وحبلة، ولم تكن هذه الطرق صعبة المسالك بالنسبة للسكان، رغم وجود الضباع في الطريق التي تتصل بين خريش وكفر ثلث عبر خربة المدور، حيث وجد ضبع "الصفيرة"، كان بإمكان العربات والسيارات أن تتجه من خريش إلى اللد، وكانوا قبل عام 1948 يذهبون للسهر في كفر ثلث وحبله، ويشترون ما يحتاجونه، ولكن بعد الحرب العربية الصهيونية منعت حدود التجزئة والاحتلال هذا التواصل وأعاقته، وسمته "تسللاً"!. عند النظر لمخطط القرية يلاحظ أنه أخذ شكلاً طولياً امتد من الغرب إلى الشرق، وقد بلغت مساحة مخططها 28 دونما، ويعتبر مدخلها الرئيس من الغرب حيث تتصل بالمدن العربية مثل يافا واللد، وتميزت شوارعها باتساعها مقارنةً بغيرها. أسهم التطور الاقتصادي في بناء بيوت الحجر (القصم)، وبعضها بني من الطوب، وأخرى من الطين والحجر. من أبرز بيوتها الحجرية: بيت الحاج موسى محمد عرار المكون من ثلاثة غرف، وقد بناه دخيل من نابلس، وكانت في صف من الغرب للشرق و تتجه أبوابها شمالاً.ويتطابق هذا مع قولهم : شمالي يا هوى ديري شمالي على اللي أبوابهم تفتح شمالي كل أنا لرافق الريح الشمالي واسقط ندى على جسم الأحباب وعلية موسى عيسى عبد السلام، الذي كلف بناؤها 200 جنيه فلسطيني، وكانت عبارة عن طابقين من الحجر، وكذلك الحال بني بيت عطا حسن رزق الله في الزاكور من الحجر، وبيت أولاد عبد الرحمن الخطيب، وأحمد سعيد عبد السلام في قرية خريش، و بني الجامع سنة 1937من الحجر، ولا يوجد عيادات صحية أو مؤسسات عامة سوى المضافة، وفيها مقبرة بلغت مساحتها قرابة دونمين. حدثني أحد الرواة: "مقبرة القرية قديمة ودارسة، وهي جزء من مشاع عائلة عرار، مساحتها لا تقل عن دونمين، قبر فيها الحاج موسى، وابن عمه الشيخ أحمد عرار، وأحمد سعيد عبد السلام، حاول اليهود تجريفها، لكن احتجاجات أهل خريش، ومساعدة السفير التركي منعت اليهود من جرفها، وفيها بئر قديم ()".
وحول توزيع البيوت في قرية خريش، وطرقاتها يقول الراوي السابق:"عند دخولك من الغرب تشاهد دار رشيد عبد السلام على الجهة اليمنى، وهي مبنية من حجر الطوب، ويتفرع من جانبها شارع يتجه إلى دار ناهض قبطان، وهي من الطين والحجارة، وتمتد الطريق إلى دار عبد الله الحاج، ثم بيت محمد يوسف الحاج، ويتفرع إلى دار أحمد سعيد، وهي من الحجر القصم، ونخرج منها إلى دار رشيد عبد السلام، ودار أخيه حسني، ثم عثمان السعيد، وقاسم السعيد، ونسير للأمام فتصادفنا دار أخرى لرشيد عبد السلام مبنية من الحجر والتراب، ونتقدم للأمام، فنلتقي بدار موسى عيسى عبد السلام وتقع على يسار بيت رشيد، ويفصل بينهن طريق، ونسير للأمام فتصادفنا دار حسن أبو عمر، وهي من الحجر والطين (بناء قديم)، ويفصلهما طريقين أحدهما شمالي شرقي، والآخر ينعطف بصورة مثلث فيتجه للجنوب. وينعطف الجنوبي نحو الغرب إلى دار رشيد إسماعيل، وهي من الحجر، وعندما ننزل للغرب نلتقي بدار مصطفى عبد الرحمن خطيب، وإخوانه، وهي من الحجر، وعندما نرجع للشارع نفسه، ونتجه عند المثلث إلى الشرق لوجدنا دار عبد الرحمن حمدان، ونمضي في الشارع متجهين للشرق، فنشاهد على يسار الشارع دار عبد الهادي عرار، وننعطف بالمسير إلى الشمال فنرى دار الحاج محمود عرار، ونواصل مسيرنا في هذا المنعطف فنصل بيت الحاج عيسى عرار، ونواصل المسير إلى بيت دار صالح الحسين، المبنية من الحجر، وبالقرب منها يقع مضافة عمر الحاج محمود، وفي داخل دار عمر الحاج محمود توجد المغارة الكبيرة، التي كانت تنام فيها البقر في فصل الصيف، وهي أساس سكنى خريش. وتتجه من هناك جنوباً فتشاهد دار عمر الحاج محمود، ثم دار إدريس الحاج محمود، ودار الشيخ أحمد المحمود، وإلى الشرق منها دار الحاج موسى عرار المبنية من الحجر، ويحيط بالقرية الصبر والتين، وكذلك يحيط بالجنائن اللوز المر، ويحيط الزيتون بالأرض القبلية الذي زرعه الحاج عيسى عرار، وابن أخيه عبد الهادي عرار، وكذلك زرع عيسى أرض العمارة شمال خريش، وزرع صالح حسين قرنة بشير ()". الأوضاع التعليمية: ظلت القرية حتى عام 1948 بلا مدارس. ارتبط التعليم ببناء جامع القرية في عام 1937، والبالغ طوله12 م وعرضه 4م. حضر الشيخ أحمد الميتاني للقرية،وتأسست مدرسة "كُتاب" وتعلم عدد من الأطفال على يديه، ثم تعلم آخرون في جلجولية عند الشيخ إبراهيم الرابي، أو في حبله عند الشيخ محمود السفاريني، وعندما فتحت مدرسة كفر ثلث أبوابها عام 1944 تعلموا فيها . رغم ذلك، يصح القول أن عدد المتعلمين كان قليلاً في خريش ولا يتجاوز أصابع اليد حول التعليم حدثني أحدهم: "تعلمت في خريش حيث علمنا الشيخ عمر الميتاني، وكنا نجلس على الحصيرة، ومن الأشعار التي حفظناها: بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان وقرأنا قصص الأنبياء، ودار دور ورأس روس، وممن تعلموا في المسجد كل من: حسن عبد الرحمن، وذيب القبطان، ومحمد عمر، وأحمد تيم، وأسعد أحمد عبد السلام، ويوسف صالح، وسعيد صالح، وذهبت إلى كفر برا، وتعلمت على يد الشيخ كمال، ثم إلى جلجولية فتعلمت على يد الشيخ إبراهيم الرابي. وتوجهت إلى كفر ثلث، وتعلمت على يد الشيخ علي كايد القدومي، الذي كان قاضياً للزواج، وكانت حكمته المشهورة التي تعلمتها: [ كل دولة تمسكت بالدين لا تغلب، وكل نعمة حفت بالشكر لا تسلب. وقد علمني الشيخ أحمد القاضي في كفر ثلث عام 1940، ولم أستمر بالتعليم حيث رغب والدي أن أعمل في الفلاحة ()". نجح في إكمال تحصيله العلمي المعلم كمال الخطيب، وأمكنه تلقي تعليمه في كفر ثلث وعزون، والخضوري في طولكرم وتعلم فيها حتى عام 1949، الذي أصبح مديراً لمدرسة جلجولية حتى تقاعد من التعليم
منقــــــول