أمينة السعدي – صفورية
أنا أمينة مصطفى سعيد السعدي - أنا خرجت من فلسطين بنت 14 سنة، من صفورية.
صفورية بلاد فلاحين، تُزرع خضار وشعير وقمح وذرة وزيتون. يعني تُزرع صيفاً وشتاءً.
من عائلات صفورية، السعدي، غنايمة، سليمان، موعد، أبو النعاج، دار أبو النعاج أصلهم من كفركنه مسيحية وجاءوا الى صفورية ليعيشوا فيها وأسلموا هناك.
لم يكن حول صفورية أي مستعمرة يهودية، ولكن كان هناك مكتب للإنجليز، ثم ذهب للإنجليز وتركوا المكتب وصار مدرسة للبنات.
كل عائلة لهل مختار، السعدي لها مختاراً ووجهاء، ودار سليمان لها مختار، وكذلك دار موعد، وكل عائلة صغيرة تنضم للعائلة الكبيرة. المخاتير كانوا أكثر الناس جاهاً، كل الناس تعرفهم.
مختارنا خالي يوسف سليم الشيخ السعدي، وعنده مضافة، وكل مختار كان عنده مضافة. والناس تتجمع في المضافات. والضيف الذي يأتي يقومون بواجبه.
كان عنا مدارس، واحدة للبنات.. والأولاد مدرستهم كبيرة.
أنا ما درست بالمدرسة، فأمي ماتت وعمري 11 شهر وربتني عمتي ولم تعلمني، كانت المدرسة تدرس لحد ما يتخرج الولد وتعطيه "تزيقة" يعني الشهادة.
وكان التلاميذ يحفظون القرآن ومن يختم القرآن يعملوا له مولد، يطبخوا ويعزموا الأهالي على المولد.
كان عنا 3 جوامع، جاءت إسرائيل وضربت الجامع الكبير ولكنه لم يهتز بقدرة الله. وهناك جامع قريب عند دار موعد. كان الجامع ليس له مأذنة، وكان الشيخ يصعد على سطح الجامع ويؤذن. كان عندنا مقبرتين، واحدة لنا للسعديين ومقبرة البلد لحال.
وهناك مقامات في صفورية مثل الزاوية وأخرى غيرها. من يمرض كان يذهب عالناصرة للحكمة، ثم جاءت راهبات الى البلد وكانوا يعالجون الصغار والأطفال، وكانت الراهبات تذهبن الى العاجز والمريض ويحكموه بدون نقود. وكل حارة لها داية، أذكر "عريفة الداية".
كانوا الراهبات مسيحيات إيطاليات. وهناك من يذهب الى الناصرة أو عند اليهود.
كان الناس يعتقدون بالقرآن ويبخروا المريض ويقرأوا قرآن عليه. والنساء كانت ملابسها ساترة.
بلدنا فيها ماء كثير والعين عنا بعيدة، فجاء الإنجليز لسحب مياه العين للبلد وكما قيل لي كان الإنجليز يقولون لنا إن هذه الماء ستشربون منها 10 سنوات فقط. وفعلاً شربنا عشر سنوات وطلعت. كنا نملئ من العين بالجرات ونحملها على رؤوسنا.
والبيوت كانت تضاء بالسراج والفتيلة بالكاز، وفي ناس عندهم لوكس من كانت أوضاعه أحسن. نشتري الكاز من الدكاكين، كان عنا دكاكين كثيرة.
دار عمي عبد المعطي كان عندهم دكانة، ودار خالي يوسف عندهم دكانة، وعمي شحادة أيضاً كان عنده دكانة.
كان في ملاحم بالقرية، أذكر دار عمي شحادة كانوا يذبحون، ولكن يوم الإثنين لا يذبحوا والحلاقين تقفل ولا تعمل. وندفع نقود مقابل اللحم، كانت العملة بالليرة والقروش.
أما بالبيوت نعمل طوابين يبعد قليلاً عن البيت، ونجلب الحطب والخبز، وفي آخر المدة صار في أفران، فرن لدار عوض وفرن عند دار إبن الكدابية. وصارت الناس تذهب وتخبز بالفرن.
كان أهالي القرية يتجمعون ويشربون قهوة بالمضافات وليس هناك مقاهي مثل اليوم.
ونحن صغار كنا نلعب الحجلة والغميضة.
كان يأتي نَوَر (البدو)، ويبقون على البيادر، وعند الأعراس كان النَوَر يأتون ويغنون للأعراس ويأخذوا أجرهم.
كنا مبسوطين ببلادنا، كنا في العيد نعمل مراجيح ونكب بها، والامهات يعملن كعك.
كان عنا معاصر للزيتون لعصر الزيتون، كان عنا زيتون كثير، والأجر يكون زيت ومن يريد نقود نعطيه. كان زيت الزيتون مثل الماء.. نقلي ونطبخ ونعمل كل شيء يزبت الزيتون.
بيتنا كان من قناطر وخشب وطين، نضع بلان على الخشب ونطيّن طين. وليس فيه شبابيك كثيرة، لأن البيوت كانت قريبة على بعضها.
أنا زرت حيفا والقدس ورحت على تل الربيع (تل أبيب)، كنا نذهب بالسيارات فقد كان عندنا بوسطة لدار العفيفي تذهب صباحاً وترجع عند الغروب، ومن كان يريد بيع خضاره كان يذهب على الحمار، وكانت الناصرة قريبة من القرية.
في رمضان، كنا نطبخ عادي، بطاطا وأرز وفاصوليا وملوخية.. في كل حارة كان يتجمع أهلها ويسهروا مع بعض النساء والأطفال.
وكان عنا مسحّر، يسحر الناس ويؤذنوا ويكبّروا بالعيد. كنا نصلي بالبيوت "النساء" والرجال بالجامع.
في الأعراس، كانت العروس لا تعرف العريس، أم العريس كانت تذهب وترى العروس وإذا كانت جيدة تقول للعريس عنها.
أنا زوجي كان إبن عمي ولكني لم أكن أعرفه، عرفته عند الزواج.
في العرس، النساء لوحدهم يغين للعروس، والرجال يزفون العريس. كانت العروس تركب على الفرس وترفع يدها.
لا أذكر الثوار.. ولكن ونحن بالقرية لم نر اليهود ولم تحدث مناوشات ولكن كانت تأتي النجدة ويذهب الشباب الى حيفا للمقاومة، فمنهم من يرجع ومنهم لا يرجع.
وبالنسبة لمجزرة دير ياسين، فنحن طلعنا من البلد لأجل هذه المجزرة. وطبعاً خدعونا، عند ما قالوا لنا أخرجوا ولاحقاً تعودون.
وصرنا نسمع سمعات عن إغتصاب وقتل، فهربنا خوفاً، وليس مع الرجال سلاح كافي، والسلاح كان فاسد.
هذه الدول العربية الخائنة... كانت تتآمر علينا. معظم الرجال قاوموا، فمنهم من تشارك على بارودة واحدة، وقام بالحراسة ليلاً.
ليلة ما طلعنا جاء ناس الينا من شفا عمرو، ونحن نتناول طعام العشاء، فإذا بطائرة فوق بلدنا.
جاء واحد ونحنا قاعدون وبدأت الطائرة تقصف ولكن لا نعرف أين، وصار اليهود بأم الفرج، فأنصحكم بالخروج وغداً صباحاً ترجعون... وذلك في 8 رمضان يوم الجمعة. وهكذا خرجنا.
طلعنا بملابسنا التي كنا نرتديها، ومشي ولم نأخذ شيء معنا، كل أهل القرية طلعت، وصارت الناس ترجع لتحضر الملابس وتأكل ومنهم من يُطلق عليه النار ومنهم من ينجوا.
بقينا 3 أشهر نتنقل، كل مرة نعيش ببلد. وقريتنا فيها بيوت منسوفة..
جئنا الى لبنان الى منطقة الغازية (جنوب صيدا)، بقينا فيها حتى 1984، أنا طلعت منها. وقعدنا بالزيتون.. وبعد الغازية جئت الى الراشدية. كانت البيوت قد بُنيت، الوكالة عمرتها..
ومن كان يمرض كان يذهب الى عيادات الوكالة للطبابة.
لما كانت إسرائيل هنا، وكانت الناس تذهب وتدخل فلسطين كنت أتمنى أن أرجع، ولكن زوجي كان مريضاً وأنا أهتم به. فلم أستطع تركه.
أنا مسجلة بوكالة الأنروا...
ولكني لا أريد تعويض.. أريد بلدي.. لا أرض إلا ببلدي. أريد الموت بوطني فلسطين..
يا ريت أرجع الى فلسطين.. والله لا أذهب إلا بالملابس اللي عليّ.. مثل ما طلعت من فلسطين لأطلع من لبنان الى فلسطين.