لا تغيب عن مخيّلة التسعيني محمود عوض أبو وردة تفاصيل مشوّقة للحياة في قرية عراق المنشيّة المهجّرة عام 48، الذي يعتصره الألم ويذرف الدّموع، بعدما طال به الانتظار في مسكنه المتواضع في في مخيّم الفوّار للاجئين جنوب الخليل.
لكنّ أبو وردة لا ينتظر العودة وحده إلى عراق المنشية، بل ينتظر حوالي (100) ابن وحفيد لهذا المسن العودة معه إلى القرية التي غيّر الاحتلال اسمها بما يسمّى بـ(بيت شيمش) واستجلب سكّانا إلى المكان من شتّى أصقاع الأرض، وملّكهم فيها بالقوّة، كما يؤكّد المسن أبو وردة.
أمّا قطرات دمع هذا المسن على أرضه كانت غالية على أحفاده، الذي اختاروا طريق النّضال ضدّ المحتل للأرض، وتوزّعوا ما بين الشّهادة والاعتقال، ليكون أحد أحفاده استشهاديا وآخرون أسرى، أحدهم محكوم بالسّجن المؤبّد عشرات المرّات.
مواجع مفتوحة
وبمجرد أن بدأ مع المسنّ أبو وردة الحديث عن قريته المهجرّة وذكرى النّكبة السّادسة والسّتين، فُتحت شجونه وبدأ يذرف الدّموع على أرضه وقريته، التي عاش فيها طفولته ومقتبل شبابه.
يقول: " في عراق المنشية توفّر كلّ الخير والحياة، وكانت بيوتنا المتواضعة مبنية من الحجر والطّين ومسقوفة بالقشّ، لكنّها كانت أفضل من هذه المنازل التي نعيش فيها الآن بالمخيّم".
ويتابع الحديث وهو يحتضن مجموعة من أحفاده قائلا "كانت لدينا كلّ الثمار والخيرات، وكنت أملك وبقية أشقائي عشرات الدّنمات في عراق المنشية، وكنا نزرع ونحصد ونأكل من خير أرضنا قبل أن يطردوننا منها"، ورغم أنّ عمره قارب على القرن، إلّا أنّه يحفظ تسلسل القرية وترتيبها وشوارعها وبيوتها، ويبقى واضعا يده على قلبه خشية أن يأتي يوم العودة وقد دمّر الاحتلال كلّ شيء.
ويبين أنّه عاد إلى أرضه قبل عدّة أعوام، وتمكن من إحضار حفنة من أتربتها، وأحضر ماء سقى منه أشقاءه وأقرباءه.
ولا تغيب عن حديث أبو وردة تكراره للأمنية الوحيدة التي يحلم بها أن يعانق أرضه محررة من الاحتلال قبل أن يفارق الدّنيا، لكنّه يصبّ جام غضبه على كلّ مقتدر على تحرير الأرض ويتأخر، مشيرا إلى أنّه لن يسامح أحدا حينما يلقى الله، لأنّه يرى أنّ الكلّ قصّر بحقّ اللاجئين وسبّب لهم نكبات متلاحقة لم تنته بعد.
يوم التّهجير
ولا ينسى أبو وردة كيف طرد من أرضه لصالح العصابات الصّهيونية، كاشفا عن طلب أهالي قرى الساحل الفلسطيني من الملك عبد الله بن الحسين حينها سلاحا وعتادا، لكنّه رفض وتعهد بحماية الفلسطينيين وإرسال جيش لهم، ويلفت إلى أنّ الجيوش العربية توزّعت على القرية ودخلت قوّة من الجيش المصري إلى قريته.
ويتابع: كان الجيش المصري يقوم بالدّفاع عن القرى، لكنّه لا يقوم بالهجوم، وهذا الأمر أثار حفيظة السّكان، في الوقت الذي جمع فيه السلاح الذي يملكه المواطنون، وكانت القرى تتعرض لهجوم من جانب الطائرات الإسرائيلية، فيما كانت تحلّق الطائرات المصرية والسورية في الأجواء دون أن تقصف مواقع العصابات الصهيونية.
ويلفت إلى أنّ القرية تعرّضت لقصف عنيف وشديد من جانب طائرات حربية، دمرت كامل القرية واستشهد كثيرون وأصيب آخرون، قبل أن تتقدم العصابات الصّهيونية إلى القرية.
ويستطرد في الحديث قائلا: السّكان أصبحوا في عهدة الجيش المصري الذي خيّرهم ما بين السفر إلى غزّة أو إلى الضّفة الغربية، واختار أبو وردة السفر إلى الضّفة الغربية والاستقرار في مخيم الفوار منذ ذلك الحين.
المصدر: وكالة صفا