يعقوب إسماعيل الشيخ سلامة – غزة
إليكَ أعودُ يا وطنَ الرؤى الخضراء , ومهما بدّلوا الأسماءْ , فأنتَ على شغافِ القلبِ محفورٌ
وأنتَ هديرُ مغناتي , أردِّدُها صباحَ مساءْ , إليكَ أعودُ .. يا وطناً تعانقُني ذراعاهُ
يحلّقُ بي جناحاهُ ,لعلّي بعدَ هذا النفيِ ألقاهُ , فمَن غيري , ببياراتِهِ الغنّاء , مَن غيري بها موعودْ .
من غزة هاشم ومن احد كبار عائلاتها , سيروي لنا المختار "أبو خالد الطباطيبي" قصة نكبة فلسطين ودخول الانجليز ومن بعدهم اليهود وما أحلّوا بغزة وأهلها من دمار ونكسة ظلت عالقة بالأذهان إلي تلك اللحظة التي لم ولن يستطيع أحد من أهلها نسيانها .
في ظهيرة يوم الاربعاء الموافق 25/6/2014 قمت بمقابلة مع المختار " كمال صالح صالح الطباطيبي " أبو خالد" لينقل لنا تفاصيل رواية نكبة فلسطين ولكن هذه المرة من غزة التي يسكن في وسطها المختار .
يقول المختار بأن جدي "صالح عبد الرحمن الطباطيبي " هو من أهل غزة الأصليين عاش ما يقارب 75 عاماً , أنا لم أعاشره ولكن والدي كان يحكي عنه بأنه جاد التعامل مع الناس وله مكانة كبيرة عندهم, لم يخدم في العسكرية أياً كانت, كانت له أراضٍ في بلدة المحرقة, وكانت له ممتلكات هنا, كان له بيت أثري في حارة الدرج. وكانت زوجته "آمنة الجرجاوي" من غزة الأصل , وكان له اثنان من الأبناء "سالم وحيدر" غير والدي وكان له ابنة واحدة "منّور" وتوفوا جميعهم في السعودية .
وبدأ صاحب الستينيات من عمره حديثه عن مدينته الجميلة غزة ..
ولدت في مدينة غزة في 12/8/1945 وهي واحدة من أهم المدن الفلسطينية، لموقعها الاستراتيجي وواقعها الاقتصادي والعمراني، حيث أن عدد سكان غزة بلغ ما يقارب 700 ألف نسمة والتي تعتبر أكبر تجمع للفلسطينيين في فلسطين. كما تبلغ مساحتها ما يقارب 56كم2، وتقع مدينة غزة شمال قطاع غزة في الطرف الجنوبي للساحل الفلسطيني على البحر المتوسط .
فيما أضاف بأن المؤرخين اختلفوا في سبب تسميتها بغزة، فهناك من يقول إنها مشتقة من المنعة والقوة، وهناك من يقول إن معناها (الثروة)، وآخرون يرون أنها تعني (المميزة) أو (المختصة) بصفات هامة تميزها عن غيرها من المدن.
وبالحديث عن غزة قال " أبو خالد " .. بأن غرة تضم عدداً من المعالم التاريخية المعروفة لدى المسلمين في أرجاء العالم وآثاراً إسلامية متنوعة منها المساجد الأثرية كمسجد السيد هاشم الذي يقع بحي الدرج بالمنطقة الشمالية الذي يعود للعصر المملوكي، وتحتوى غزة زوايا كالزاوية الأحمدية بحي الدرج، علاوة على المنشآت الأثرية المدنية كالأسواق مثل سوق القيسارية بحي الدرج، والمسجد العمري الكبير , القصور مثل قصر الباشا المكون من طابقين، ويعود للعصر المملوكي وكان مقراً لنائب غزة في العصرين المملوكي والعثماني، والحمامات كحمام السمرة بحي الزيتون،وتضم غزة آثاراً مسيحية مثل دير القديس هيلاريون الذي يعتبر مؤسس حياة الرهبنة في فلسطين وكنيسة الروم الأرثوذكس بحي الزيتون الذي يعود تاريخها إلى بداية القرن الخامس الميلادي.
وبعد كل ما سبق من حديث عن غزة , يقول المختار كنت شاهداً على النكبة وشاهدت اليهود وهم يدخلون وقد أثاروا الرعب والخوف لدى السكان وحينها كانوا يتمركزون في وسط المدينة وكانوا يصوبون الرصاص والقذائف لخروج الناس وهروبهم وحينها كان بعض من الشباب يرمونهم بالحجارة والاشتباك معهم فقط من خلال رمينا بالحجارة وهم بالرصاص والدبابات ودارت حينها عدة اشتباكات وكان هناك عدد من الشهداء والجرحى .
وأكمل المختار حديثه قائلا بأن عائلتي لم تخرج واستقرينا في مكان سكننا, لأننا فهمنا بأنها سياسة يهودية ولن يستطيعوا إخراجنا بالقوة لأن أشغالنا وممتلكاتنا هنا ولن نخرج ونتركها لهم .
كما أضاف أبو خالد بأن حينها أصبح الوضع العام في غزة سيئاً سواء لناحية الوضع الصحي أو الاجتماعي أو المالي وأصبح الناس لا يعرفون ما سيحصل في الأيام القادمة والجميع متخوف من مستقبله الذي لا يعلمه أحد. وكان هناك عدد من الأمراض التي انتشرت بسبب ضعف الوضع الصحي و كان الناس حينها يذهبون إلى العيادة " عيادة الانجليز " وكان هناك طبيب متنقل بين القرى وكان يأتي إلى غزة كل وقت وحين وهو الطبيب "صالح مطر".
وأكد أبو خالد بأنه شارك في ثورة 67 مع المقاومة الشعبية, وكان هناك موقف يذكره المختار بأنه بالقرب من مدرسة الزهراء حينها, رأينا عدة دبابات هاجموا المكان وقتها قال عدة أشخاص بأنهم جيش العراق قادم إلى غزة وهذا كان نوعاً من الدعاية والتمويه وحينها دخلت دبابة تلو الاخرى وعند أخر دبابة أطلقت عدة قذائف نحونا للهروب ولم يظل حينها أي شخص أمامهم لما يحمله الموقف من خوف.
وبالحديث عن غزة مرة أخرى يقول المختار بأنه يذكر عدة عائلات كانت تسكن معهم في غزة ذلك الوقت منهم ,, عائلات : (البدري , اللولي , أبو شعبان , السعدي , عجور , أبو عمارة , القدوة , العلمي , خيال , عرفات , ضبان ).
وكان هناك طريق بدائي واحد وليس معبد "شارع عمر المختار" , وأنه كان هناك سكة حديد واحدة بالشجاعية تنقل الركاب بين المدن , وكان أيضا شركة باصات مثل " باصات أبو رمضان , وشركه باصات بامية " , وكان في عدد من السيارات تتنقل بين المدن ولنقل الناس, لكن كانت الوسيلة المنتشرة في ذلك الوقت للتنقل هي الدواب, وكانت هناك عيادة للانجليز لمعالجة المرضى , وكانت هناك عدد من المساجد المشهورة والمعروفة لدى الجميع لحتى الآن مثل " مسجد العمري الكبير , ومسجد السيد هاشم , مسجد الشيخ خالد , مسجد كاتب ولايات , مسجد الشمعة" .وكان هناك عدة مؤذنين وقتها وكان أشهرهم المؤذن " حمادة الترك " , وبالنسبة للكنائس كان هناك كنيسة دير اللاتين المعروفة لدى الجميع حتى الآن .
ويقول المختار أما المدارس فهناك عدة مدارس ومدرسين كانوا , ومن تلك المدارس ( اليرموك , الهاشمية , صلاح الدين, الرملة , الإمام الشافعي , الزهرة ), وكان هناك مدرسون منهم المدرس " حسن أبو شهلا " ,, وكانوا أيضا يدرسون في المساجد وما يعرف بالكّتاب وكان الشيخ محمود سكيك من المدرسين لهذه الكتاب , وكانت المدارس تدرس حينها إلى الصف الثاني عشر, وهناك طلاب أكلموا دراستهم في مصر. ويقول المختار بأني أذكر زملاء لي درست معهم منهم " فضل أبو شعبان , مصطفى الحلو " وأتواصل معهم لحتى الآن.
فيما أضاف أبو خالد بأن هناك كانت قبانية تسمى بقبانية " الويلي " في الشجاعية غرب غزة, ويقول المختار بأن العلاقة كانت مع تلك القبانيات واليهود سيئة جدا ولم نتعامل معهم أبداً.
وأكد المختار بأنه كان لكل عائلة ديوان , وكان ديوان العلمي من أشهر الدواوين التي كانت وقتنا وكانت فيه تحل المشاكل والجلسات المهمة, كان هناك مختار كبير فهمي بيك الحسيني كان يترددون إليه كل من كان عنده مشكلة أو لطلب شيء , لأنه كان كبير المدينة وقتها. وكان هناك عدة مقاهٍ كان أشهرها "مقهى المعّلقة والانشراح" , وكان يأتي إليه الشاعر ضبان كل أسبوع لإلقاء الشعر مع العزف على الربابة , وكان الناس يلعبون حجر النرد فيها للتسلية , وكان فيه راديو وكنا نسمع فيه راديو لندن.
ويقول أبو سامي بأنه كان هناك مركز للشرطة وكان مكون من طابقين , وكان أبو عمر السراج مسئول عليه حينها , وأنه يوجد أيضا صالون للحلاقة وكان صاحبه من عائلة أبو جراد وكانت أجرة الحلاقة عبارة عن رغيف خبز مقابل الحلاقة أو أي نوع من الطعام, وكان هناك مسلخ عام وليس ملحمة للذبح .
ويقول المختار أيضا أنه يوجد داية كانت والدتي وهي " ورد الطباطيبي " , وكان أيضا عدد من الدكاكين من أصحابها " البدري وأبو شعبان.
فيما أضاف المختار بأن في ذلك الوقت لم تكن هناك كهرباء وكانت الإضاءة مقتصرة فقط على الفوانيس, وأن المصدر الرئيسي للمياه كان وادي غزة الذي يبعد حوالي 8 كم عنها ولم يكن هناك أي بئر للمدنية أو لأي من العائلات. وأكد الطباطيبي بأن غزة في ذلك الوقت كانت مشهورة بزراعة القمح , ومن بعدها بالحمضيات , وقال بأنهم كانوا يمضون أوقات فراغهم إما في اللعب أو في الزراعة , وكان في ذلك الوقت يأتي بعض أصحاب بنادق الصيد ويتعلمون منهم الصيد.
وفي نهاية الحديث أكد أبو خالد بأن غزة ستظل معلم من معالم المدن العربية التي شهدت النكبات والأحداث وأنها كانت شعلة لعدة انتفاضات وأن غزة فيها من الحضارات والمعالم التي يشهد لها العالم بأنها أحد المدن الحضارية كيف لا وهي تضم عدداً كبير من المعالم التاريخية الدينية والمسيحية وأنها تطل على شاطئ البحر المتوسط وأن لها رونقاً جميلاً ورائعاً يجذب القلوب قبل العيون.