بسم الله الرحمن الرحيم
الدكتور رشدي محمد عليان في ذمة الخلود
في التاسع من نيسان عام 1989 توقف نبض قلب المفكر الإسلامي العلامة الأستاذ الدكتور رشدي محمد عليان الأستاذ في كلية الشريعة – جامعة بغداد – العراق وسلم روحه الى بارئه بعد رحلة طويله من المعاناة والالم والجد والمثابرة والإصرار على تحقيق الطموح ..
كان رشدي عليان مثالا حيا ونموذجا صادقا لشعب فلسطين ومسيرته النضالية وإصراره الدؤوب وعزيمته القوية على تحقيق وجوده وطموحاته واثنات ذاته من خلال تحدي المصاعب وشق طريقه في الحياة والتغلب على كل العقبات .
هكذا كان رشدي عليان منذ ولادته في قرية ( عـــبدس ) التابعة لقضاء المجدل في فلسطين المحتلة .. لم يتمتع بطفولته مثل كل أطفال فلسطين ولم ينعم برغد العيش والاطمئنان في قريته الامنه الوديعة إذ سرعان ماشهد مأساة شعبه وفداحة المؤامرة على كيانه ووجوده وتشريده من ارض الإباء والأجداد .. ورأى بعينه قوات الاحتلال الصهيوني تطرد اهله من قريته ليهيموا على وجودهم ويلجا معهم إلى قطاع غزة ليسكن العراء ثم الخيام .. ويحرم من البسمة والحنان والاستقرار ويتعرض مع شعبه الى قسوة الحياة ومرارتها وشظف العيش وذل الجوع والحرمان ومن اجل البقاء والبحث عن حياة أفضل ينتقل مع عائلته الى مصر ويستقر فيها وهناك يدرك الفتى ثقل المسؤولية الملقاة على كاهله ويدرك أهمية العلم لضمان مستقبله وتحسين ظروف عائلته ويشد الرحال الى الأزهر موئل العلم والعلماء لينهل من مائه العذب ويواصل مسيرته العلمية رغم الظروف المادية الصعبة حيث أكمل تعلمه الابتدائي والثانوي وتخرج من جامعة الأزهر عام 1958 ثم أكمل الماجستير في اللغة العربية عام 1960 وخرج مثل باقي ابناء شعبه حاملا همه في وجدانه وقضيته في ضميره وعمل مدرسا في السعودية ولكنه أصر على مواصلة دراسته بعد إن انتقل للتدريس في العراق واستقر به المقام في عاصمة الرشيد حيث حصل على شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية من الأزهر عام 1986 وأكمل دراسة الدكتوراه في الشريعة أيضا عام 1971 لقد وصل كفاحه العلمي حتى نال مبتغاه وحقق طموحه فقد كان مكافحا ومثابرا وجنديا مجهولا يعمل بروية وصمت وكان شمعة متوهجة أضاء الطريق إمام طلابه في قسم الدين وكلية الدراسات الإسلامية ثم طلاب كلية الشريعة وطلبة الدراسات العليا فيها وعمل أستاذا لمادة الأديان ورئيسا لقسم الدين وعميدا لطلبة الآداب وأستاذا في كلية الشريعة ..
لقد اغنى الدكتور رشدي عليان المكتبة العربية بمؤلفاته الفكرية واسهم في محاربة النزعات الداخلية على الاستلام وتفنيد مزاعمها وأكاذيبها ودحض الدعوات التضليلية المشوهة لجوهر الإسلام الحنيف .. حيث صدرت له الكتب التالية :
1- العقل عند الشيعة الأمامية
2- الإسلام والخلافة
3- الصابئون
4- أصول الدين الإسلامي
5- العلويون أو النصيرية
كما أسهم في تأليف الكتب الكتب المنهجية لأقسام اللغة العربية والدين في كلية التربية والآداب والشريعة ونشر البحوث العلمية في العديد من المجلات العراقية والعربية كما شارك في تأليف عشرين كتابا منهجيا لمختلف المراحل الدراسية في وزارة التربية العراقية .
وشارك كذلك في تأليف أربعة كتب دينية – سياسية هي :
1- نهج خميني في ميزان الفكر الإسلامي
2- النصيرية حركة هدامة
3- التطرف الديني
4- أسرى الحرب في الإسلام
كما شارك في تأليف العديد من الكتب حول التركيب الديني والاجتماعي لبعض المجتمعات المجاورة وفي الأحزاب والحركات الدينية – السياسية المعاصرة وفي بعض الفرق المنحرفة وكتب العديد من البحوث في موضوعات دينية وسياسية واجتماعية وقد تم نشرها جميعا .
وهكذا توفي رشدي عليان وهو في أوج نضوجه الفكري وعطائه العلمي الثر وكان في كل مسيرته العلمية بعيدا عن الأضواء والضجيج الإعلامي هدفه الأساسي خدمة الأمة وتوضيح الحقائق وكشف المزيفين وأدعياء الدين وفضح أساليبهم ونواياهم الخبيثة ..
وفوق كل هذا كان رشدي عليان أنسانا بمعنى الكلمة يطفح قلبه حبا للناس وتمتلئ جوارحه بالخير والود ويتسع وجدانه لهمومه وهموم أصدقائه وشعبه .. كان فعل الخير هاجسه ومساعدة الآخرين شغله الشاغل ابتغاء مرضاة الله فقط ..
لقد خسرنا بوفاته علما من إعلام الفكر الإسلامي ووجها ناصعا طافحا بالبشر والخير والعمل الصالح وقلبا دافقا بالعطاء والبذل ومدافعا قويا عن الحق والكلمة الصادقة والغاية النبيلة ... وخسرت فيه الامه جنديا مؤمنا من جنودها الأوفياء وقلما حرا ومفكر وعالما لامع ...
إلى رحمة الله يا أبي يا ابن فلسطين البار وابن العروبة الوفي وداعية الإسلام الحقيقي .
نلقاك في جنات الخلد ان شاء الله ,,, وعوضنا على الله
ولله درك يا أبي كم كنت عظيما
التوقيع / أبناء وأحفاد د. رشدي عليان