طوباس - وطن: خصصت وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة تفاصيل الحلقة (31) من سلسلة "ذاكرة لا تصدأ" لتتبع سيرة قرية قاقون المدمرة.
وسرد الثمانيني عبد الرازق حسين قوزح تفاصيل مسقط رأسه، وعلاقته بالأرض، ومقاعد الدراسة، وملامح بيت عائلته، ولحظات الاقتلاع من القرية، التي تستلقي على أرض سهلية، في الشمال الغربي من طولكرم وعلى بعد ستة كيلومترات منها، مثلما باح بفصول الحنين لذكرياتها.
جيران وينابيع
يقول: كانت تجاورنا من الشرق قرى: شويكة وبير السكة ويما، ومن الناحية الغربية وادي القباني ووادي الحوارث، وخربة الجلمة وخربة المجدل وجت شمالًا، ومن الشمال الغربي زلفة والمنشية. وكانت تمر من بلدتنا سكة الحديد الموصلة بين طولكرم وحيفا.
ويتتبع بتجاعيد وجهه وكوفيته: لا أنسى أراضي قريتنا، فقد كنا نزرع البطيخ والشمام والكثير من الخضروات الصيفية، وأتذكر كيف كان والدي يحفر عدة حفر بعمق ثلاثة أمتار، وبعرض مترين لنجمع فيها الماء، ثم نأخذ ونوزعها على المزروعات. وقد كانت أرضنا خضبة، ورأين في طفولتنا الكثير من حفر جمع المياه، ومن أراد أن يروي بيارات الحمضيات كان يحفر بئراً عميقًا.
كان قوزح يوزع وقته بين المدرسة والحقل ورعي الأغنام، وفي بعض المناسبات أعتاد على الذهاب سيراً على الأقدام إلى البحر، فقد كان يحتاج لساعة مشي، ولم يكن يجيد السباحة، وفي الصيف، كان يساعد والده في غسل قطيع الماشية.
مدرسة ومعلمون
يسترد الراوي: كان مدير مدرستنا الأستاذ حيدر حلاوة من عنبتا، وعلمنا القرآن الشيخ عبد الغني عرفة من قاقون، ودرسنا اللغة الإنجليزية المعلم أسعد عبد القادر أبو حسنة من عتيل. وكانت تضم سبعة صفوف للبنين فقط، ولم تتح للبنات الالتحاق بالمدرسة.
واستنادًا إلى ما كتب عن تاريخ قاقون، فقد تعاقب على المدرسة وصفي الخندقجي من طولكرم، وعادل غزال من نابلس، وقدر عدد التلاميذ فيها بنحو 160، وكان آخر مدير لها أسعد عبد القادر أبو حسنة، ومن المعلمين: فريد أبو صلاح من طولكرم، ومحمد علي بدير من قرية فرعون، وعبد الفتاح بركات من عنبتا، والشيخ عبد الغني عرفة من قاقون.
يتابع: كانت بيوت القرية من الحجارة وبعضها من الباطون، واشتهرت قاقون بأبي اسعد راعي الأبقار( يُسمى بالعمّال) ، الذي كان يجمعها ويرعاها للأهالي مقابل مادي، وانتشرت بها قطعان الأغنام، فيما استخدم السكان بضعة جمال لنقل القمح إلى البيادر ( مكان لفصل القمح عن قشوره وقشه)، وكان لكل مجموعة عائلات بيادر منفصلة، استخدمت فيها الخيول لجر ألواحها الخشبية. ولم تكن في قاقون غير سيارة واحدة، ومسجد بمئذنة، وخمسة دكانين.
بيوت وعائلات
ووفق قوزح، فقد كان منزل عائلته على مفرق طرق تودي إلى حيفا وطولكرم والقرى المجاورة، وكان سقف المنزل من جسور الحديد الثقيلة ( دوامر)، وعقد كبير، وأمكنة خلفية من الحجارة مخصصة للأغنام، فيما استغلت العائلة الحديقة الخلفية (الحاكورة) لزراعة الكوسا.
يستذكر الراوي، الذي أبصر النور عام 1933 عائلات قريته، ومنها: أبو هنطش (أكبر حامولة)، وعائلات صغيرة وأخرى متفرعة مثل عرفة، والهوجي، الشوربجي، والحافي، ونايفة، والشيخ غانم، والشولي، وبرية، والقوزح، وكوكاز، وغيرها.
يوالي: في حزيران عام 1948 كنت أرعى الغنم في حقل للذرة البيضاء، وشاهدت دخناً قريب من بيتنا، وعندما عدت، أخبرني والدي أن أقوات الهاغاناه قذيفتين على القرية بجانب منزلنا، وقد أدت واحدة منهما إلى مقتل أربعة عشر وجرح 26. وبعد وقت قصير قرّر والدي الخروج.
رصاص واقتلاع
مما لا يسقط من ذاكرة قوزح، كيف أن والده فر من الموت، وعاد إليهم بأعجوبة من وسط الرصاص، الذي ثقّب سرواله. فيما أصرت والدته على الاحتفاظ بأموالها التي كانت توفرها لشراء بيارة ليمون، في صفقة تأخرت قليلاً، لكنها لم تحدث.
يقول: خرجنا وقت العصر، وذهبنا إلى عمتي آمنة في عتيل، وشاهدنا الناس يذهبون إلى طولكرم وشويكة، ولم نحمل معنا غير بعض الأغطية والفراش، وأصر والدي على إحضار قطيع الأغنام.
يزيد: عزت عليّ قاقون كثيرًا، وأصدقاء الطفولة فيها، فقد كنت ألعب مع يوسف الحاج قاسم وإبراهيم كنعان الطابة (الكرة)، والعود ( وهي لعبة نحضر فيها عودًا ونجعله مثل القلم، ثم نتنافس على من يغرسه في الأرض بعد رميه في الهواء). وأتذكر الأعراس، والشبان الذين كانوا يشعلون الحطب ويغّنون ويدبكون.
تنقل قوزح بين طولكرم ومخيم بلاطة ومنطقة البقيعة، ثم استقر في الفارعة، لكنه لا ينسى قاقون، التي تفيد مراجع تاريخية أنها تعني باللغة التركية البطيخ الأصفر أي الشمام؛ ووفق سميت القرية لاشتهارها بزراعة البطيخ. بينما بلغ عدد سكانها عام 1948 نحو 2300.
ومما تسرده الروايات المكتوبة عن القرية: وصول سرية من جيش الإنقاذ بقيادة العريف قوري زبون من فوج حطين المكون من متطوعين عراقيين عام 1947، كما أرسلت إليها وحدة من الجيش الأردني بقيادة الضابط محمد إسحاق. ومعركة فجر الخامس من حزيران عام 1948 وتمركز الجيش العراقي في شمالها، ومرابطة المقاومين غرب القرية وجنوبها بقيادة عقاب أبو هنطش، التي انتهت باحتلال العصابات الصهيونية لها. وقبلها وخلال عام 1936 أخذ الإنكليز يضربون أطواقاً عليها ويداهمون بيوتها للتفتيش عن الثوار، ولم يسلم مسجدها من التخريب والعدوان.
توثيق
بدوره، ذكر منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف أن تسليط الضوء على الروايات الشفوية للجيل الذي عاش مر النكبة قضية من المهم نقلها للأجيال، وتؤكد ضرورتها رحيل رواة عدة وثقت "ذاكرة لا تصدأ" حكايتهم قبل الأجل المحتوم.