يشعر سامي وديع ناصر، ابن شقيق الشاعر كمال ناصر، بأنفاس عمه الشهيد في مختلف أنحاء منزل العائلة في بلدة بير زيت، الذي يسكن فيه الان سامي وعائلته.
بنى هذا المنزل خارج حدود بلدة بير زيت القديمة، بطرس ناصر (1880-1959م)، الذي شغل وظيفة قائمقام في عدة مناطق خلال الانتداب البريطاني، تزوج من وديعة ناصر عام 1912، وانجبا ثلاثة أولاد وثلاث بنات، أصغر الجميع كمال الذي ولد في غزة عام 1924، حيث كان والده يعمل.
يقول سامي الذي يحمل اسم عمه سامي الذي توفي شابا: "بنى جدي هذا المنزل عام 1924، وهو مكون من طابقين، تهدم جزء من الطابق الثاني خلال الزلزال الذي ضرب فلسطين عام 1927".
ويمكن الان رؤية مرابط حديدية، على واجه المنزل، وضعت بعد ذلك الزلزال، بينما يظهر الطابق الثاني وقد جدد بطراز معماري مختلف عن الطابق الأول الذي يمثل العمارة التقليدية الفلسطينية في ذلك الوقت.
في هذا المنزل عاش كمال ناصر على فترات، حتى إبعاده عن فلسطين بعد حرب حزيران 1967، واحتلال ما تبقى من فلسطين، وكان لكمال غرفة في منزل العائلة، الذي يعود اليه دائما، بعد فترات الملاحقة، والابعاد، والدراسة، والسجن.
لا يتذكر سامي، عمه كمال شخصيا، لأنه عندما نُفي الاخير، كان عمر سامي خمس سنوات، ولكنه عاش يسمع سيرته تردد دائما في هذا المنزل.
بعد الاحتلال، شارك كمال ناصر بفعالية، في مقاومة الاحتلال، الذي طاره، ويتذكر سامي، كيف ان جنود الاحتلال دهموا المنزل عدة مرات، بحثا عن عمه، وكمنوا له على سطح المنزل، رغم ان والد سامي قال لهم متسائلا باستنكار: "هل تعتقدون بانه وهو يعلم انكن هنا سيعود إلى المنزل؟".
يقول سامي، بان الشهيد عبد القادر الحسيني، قائد الجهاد المقدس، الذي اتخذ من بير زيت قاعدة لقيادته، زار المنزل والتقى الشهيد كمال، وقد يكون نام في الطابق الثاني في المنزل.
ويشير سامي، إلى ان العديد من الشخصيات السياسية والثقافية، زارت المنزل، الذي كانت تدور فيه نقاشات فكرية حتى بين أفراد العائلة.
ويذكر بشكل خاص النقاشات التي كانت تدور بين كمال وخاله موسى ناصر، الذي شغل منصب وزير الخارجية في المملكة الأردنية الهاشمية، وردا على سؤال إذا وجدت هناك خلافات سياسية بين ناصر ووالده الذي عمل موظفا مع البريطانيين، وخاله الذي خدم في الحكومة الأردنية التي كان كمال على خلاف معها، قال سامي: "كان جدي موظفا تكنوقراطيا، وكذلك جدي، بل ان البريطانيين كانوا غير راضين عن جدي لمواقفه الوطنية".
علاقة كمال بوالده، قد لا تكون وثيقة بقدر علاقته مع امه. توفي والده عام 1959، ولم يُقدر لكمال وداعه، لأنه كان منفيا من الأردن لنشاطه السياسي المعارض.
والدة كمال، وديعة ناصر، متعلمة، ومثقفة، تخرجت في مدرسة الفرندز عام 1909، ويقول سامي عنها: "كانت مثقفة، أمنت بموهبة ابنها كمال وشجعته، وكانت تتحدث بلغة انجليزية جميلة، ولها محاولات أدبية وشعرية، ورغم دراستها الا انها لم تعمل، واهتمت بتربية الابناء".
كتب كمال قصائد لأمه، قد يكون اشهرها قصيدة (إلى أمي) التي كتبها خلال فترة هروبه من السجن في سوريا الستينات، فترة الاحزاب والانشقاقات والانقلابات.
لم يتزوج كمال ناصر، وتردد انه ارتبط بعلاقات مع كاتبات مثل كوليت خوري، وغادة السمان، وتذكر الدكتوراه شهناز مصطفى استيتية، في كتابها عنه، انه خلال دراسته الجامعية في بيروت احب فتاة سورية اسمها ليلى خوري، وتعرف على فتاة لبنانية من أصل يوناني اسمها (فورتيادس)، وفتاة عراقية، ولدى عودته من الدراسة أحب ريما ابنة خاله موسى ناصر.
ويفيد سامي ناصر، بان عمه أحب الصحافية، هدى فؤاد زكا، وخطبها، ولكن العلاقة لم تتكلل بالزواج، وحسب سامي فان هدى، في وقت لاحق قررت ان تصبح راهبة، والتحقت بأحد الأديرة.
عاش كمال ناصر حياة حافلة، في الصحافة، والسياسة، والشعر، والنضال، ولكنها انتهت باغتياله في نيسان 1937، في عملية فردان، على يد كوماندوز اسرائيليين.
يتذكر سامي الذي كان عمره عشر سنوات عندما اغتيل عمه: "سمعت جدتي وأبي من المذياع خبرا عن انزال اسرائيلي في بيروت، فشعرا بان المقصود هو استهداف عمي كمال، الذي كان مستهدفا هو وقادة منظمة التحرير".
شكل اغتيال كمال صدمة، للعائلة، ولامه خاصة، التي نعته بكلمات نشرت على الصفحة الاولى من صحيفة الفجر المقدسية (14 نيسان 1937)، من كلماتها: "ولدي كمال، حرموا عيوني ان اراك، وانت تغمد في التراب، أنا اراك بكل شاب، وأرى خطاك تدق في اصرار، أتسألني لا تهوني وتعرف اني أم؟ احبك يا بعض نفسي، ولكن حبك أرضك أاعبق من كل حب، لذا فيك فخري يهز كياني، لأني أم لمن جاد بالنفس".
بعد الاغتيال تدفق المواطنون إلى بير زيت، التي اغلقت قوات الاحتلال مداخلها، وشهدت مسيرات، وردد المشاركون نشيد (بلادي بلادي).
ويتذكر سامي، الوفود التي جاءت لتقديم العزاء، التي استمرت في القدوم أياما عديدة، وكان الآتون، ينتظمون في حلقات في حديقة المنزل، ينشدون لفلسطين، ولشهدائها.
ورسم الفنان سليمان منصور لوحة زيتية، يظهر فيها بورتريه لكمال ناصر، بجانبه تصويرا للاجئين، وقدمها هدية لوالدة الشهيد، وما زالت هذه اللوحة معلقة في مدخل المنزل.
يقول سامي، بان والد كمال المولودة في بير زيت في عام 1891م، ارتبطت بابنها بعلاقة قوية، ظلت تلهج باسمه وذكرياتها معه، حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى، بعد رحيله بنحو خمس سنوات.
يتصفح سامي ارشيفا عن كمال ناصر، جُمع من الصحف، يتضمن حوارات معه، ومقالات كتبها كبار الصحافيين في زمنه عنه قبل وبعد استشهاده.
ولكن أهم ما يحري ارشيف سامي، كتابات كمال ناصر بخط يده، وتتضمن مسودات قصائد ومقالات له بخط يده، وبعضها له أهمية كبيرة، وينتظر التحقيق الادبي.
لا يوجد في بير زيت، أي شارع أو ميدان باسم كمال ناصر، وقبل سنوات، كما يقول سامي، تشكلت لجنة من مؤسسات فلسطينية أدبية، لوضع تمثال نصفي لكمال في بلدته، ولكن المشروع لم يستكمل.
يقول سامي وهو يقف بجانب اللوحة التي رسمها سليمان منصور لعمه، بانه لا يلوم أحدا، ولا يطلب من احد أي شيء يخص عمه، مستبشرا خيرا بقرب انطلاق موقع على الانترنت يحوي أعمال الشاعر الشهيد وارشيفه وصوره.
من مدونة الراوية