أحمد يوسف
مولده ونشأته، وثقافته:
تمهيد:
لا شك أن كثيرين يتذكرون الشاعر الأديب، والمربي أحمد يوسف، حتى بعد مرور خمسة عقود على وفاته،
وبخاصة أولئك الذين عرفوه عن قرب ، ممن لا ي ازلون على قيد الحياة. وكذلك تلاميذه الذين درسوا على يديه
عبر سنوات تدريسه الطويلة، ومع هذا فلا بد لنا من تعريف موجز بهذا الشاعر المربي، الذي عاش ورحل
ولم يشأ أن يقتحم الأضواء أو تقتحمه الأضواء؛ لأنه كان يؤمن بأن الإنسان يستطيع أن يعمل وأن يعطي في أي موقع كان، وفي أي وقت شاء، لا يبالي أكانت الشهرة من نصيبه أم لا، طالما أنه يحقق هدفاً ، وقف نفسه دائماً لتحقيقه، وهو: تربية نشء وا ٍع سلي ٍم عقلاً وقلباً وموا طن ًة.
فمن هو أحمد يوسف؟
أحمد يوسف فلسطيني المحتد والمولد والمنشأ:
فقد وُلد في بلدة طيبة بني صعب، القريبة من طولكرم/ فلسطين، في الخامس من تشرين الثاني، عام 1912م
في عائلة تنتمي في جذورها إلى الصحابي الجليل المقداد بن الأسود ، لذلك، نسبت بعض فروع العائلة نفسها إليه، وتسمت بالمقدادي ، إلا أن أحمد يوسف بقي يُعرف باسمه الثنائي (1) هذا حتى بعد وفاته. وأما والده محمد يوسف فقد كان رجلاً جليلاً وجيهاً في قريته (2)
====================
- ورد اسم الشاعر في شهادته الأزهرية كالتالي: أحمد محمد يوسف الخزنة، بزيادة الخزنة عليه، في حين يسمي أخوه محمود نفسه: محمود عبد القادر، نسبة إلى الجد الأكبر للعائلة، التي يسير تسلسل الأسماء فيها كالتالي: أحمد محمد يوسف خليل عبد القادر. أما شقيقه الدكتور عبد القادر، فقد حذا حذو أخيه أحمد وتسمى ب: عبد القادر يوسف.
انظر: محمد المشايخ: الأدب والأدباء والكتاب المعاصرون في الأردن (مطابع الدستور – عمان) 1989م.
2- رزق محمد يوسف (والد الشاعر) من البنين أربعة: يوسف، والشاعر أحمد، ومحمود وعبد القادر، ولم يرزق إناثا.
دارسته ثم عمله:
لقن أحمد يوسف المراحل الأولى من د ارسته في مدرسة الطيبة الابتدائية، ثم التحق بعدها بمدرسة طولكرم (التي عرفت فيما بعد بالمدرسة الفاضلية)، حتى عام 1928، وهو العام الذي رحل فيه إلى القاهرة؛ ليكمل دارسته الثانوية هناك. فالتحق بالأزهر نزولاً عند رغبة والده ، وحصل على شهادة العالمية منه، ثم التحق بكلية دار العلوم العليا (وهي الآن إحدى كليات جامعة القاهرة )، وتخرج فيها عام 1936، وقد حصل منها على شهادة الليسانسيه (البكالوريوس). وبذلك يكون قد قضى في مصر تسع سنوات، كما يقول هو: " قضيت في مصر قرابة تسع سنوات إلاّ أشهراً قليلة، كنت أستعين خلالها على الحياة المعاشية بتحرير الصحف والمجلات، وأتقاضى من و ارء ذلك أجراً أصرفه في شراء الكتب النافعة" ، إضافة إلى الدريهمات التي كان يقتطعها والده من قوت عائلته ليرسلها إليه.
وبعد تخرجه في دار العلوم، رجع أحمد يوسف إلى فلسطين، حيث بدأ سوُء الطالع يلازمه لمدة ثلاث سنوات ويبدو أن موقف أحمد يوسف الوطني، الذي عّبر عنه في قصائده الثائرة: أولاً في مصر عندما
كان طالبًا، وثانيًا: في فلسطين، بعد عودته إليها.... يبدو أن هذا الموقف كان و ارء سوء الطالع هذا: فلقد كان رجوعه إلى فلسطين بعد انطلاقة ثورة عام 1935 العارمة، بقيادة عز الدين القسام، وبعد ذلك أحداث سنة 1936، التي عّمت أرجاء فلسطين آنذاك، قد أثارت في نفسه شجى، فقال في ذلك كله
شعراً، لم يلق رضىً عند حكام فلسطين - في تلك الحقبة - من الإنجليز..
استمر أحمد يوسف بنشاطه في الحركة الوطنية ، وبكتابة الشعر الوطني دون توقف، وربما كان ذلك سبباً في تأخر التحاقه بسلك التدريس الرسمي فيما بعد.
وبعد عودته من مصر، لم يتمكن الشاعر أحمد يوسف من مساعدة أبناء شعبه بتعليمهم ما لقنه فيها ، مع أن رغبة عارمة في ذلك كانت تملك عليه قلبه وعقله. فقد جرت الرياح بما لا تشتهي سفن شاعرنا،
وأُوصدت الأبواب في وجهه – كما مر – وأُحبطت همته، واسوّدت الدنيا في عينيه، حتى اضطر إلى أن يقصد العراق، يقول في ذلك: " رجعت إلى فلسطين وسوُء الطالع يلازمني أكثر من ثلاث سنوات، ثم قصدت بعد ذلك العراق ؛ لأنال من وارء ذلك رزقاً أو مغنماً، فقضيت عامين أقوم بمهمة التدريس في المدارس الثانوية هناك وكنت مثال المعلم الذي ُيذهب نفسه ضنى في سبيل تثقيف أبناء الأمة العربية الكريمة. ولما هّبت عاصفة الثورة هناك، أُخرجنا ولا ذن ب لنا إلا أننا فلسطينيون." ثم يقول: " فجئت إلى بلادي فلسطين وبعد حضوري من العراق أسست مدرسة الثقافة الثانوية، عام "1942 .
لم يطُل العمر بالشاعر أحمد يوسف، بعد إحالته إلى التقاعد، فقد وافته المنية بعد ذلك بأشهرٍ قليلة ، ففي حوالي الساعة السابعة من صباح يوم الأحد، الحادي والثلاثين من شهر آذار، من عام 1974 أسلمابو هشام روحه إلى بارئها ا رضية مرضية.