لقاء مع المستشار رشيد الموعد
ذاكرة صفورية لا تغيب

هوية - فدوى برية – دمشق
تموز/ يوليو 2025
في زيارة تحمل عبق الذاكرة ودفء الانتماء، التقت السيدة فدوى برية، ممثلة مؤسسة “هوية” في دمشق، بالمستشار رشيد محمد سليم الموعد، ابن قرية صفّورية الجليلية، من مواليد عام 1940، والذي شغل منصب قاضي محكمة الجنايات في دمشق.
كان عمره ثمانية أعوام حين هجّر من فلسطين، لكنه لا يزال يستحضر التفاصيل بدقة، وكأن الزمن لم يمر. يتحدث عن لحظات القصف والتهجير، عن الناس الذين خرجوا من بيوتهم تحت النار، وعن الشباب المقاومين الذين بقوا للدفاع عن قريتهم، وبينهم شقيقه عارف الموعد (أبو هشام)، الذي أُصيب بجراح طفيفة أثناء مقاومته الدبابات القادمة من جهة شفا عمرو والغرب.
من صفّورية، بدأت العائلة رحلتها نحو اللجوء، سيرًا على الأقدام إلى قرية بنت جبيل في جنوب لبنان، حيث قدم لهم الصليب الأحمر خيامًا للإيواء. لكن والد المستشار لم يحتمل العيش في الخيام، فعزم على الانتقال إلى القرعون في البقاع الغربي، حيث كان يعرف رئيس بلديتها أحمد فارس، الذي سبق أن بنى مدرسة في صفّورية قبل النكبة. استقبلهم فارس بكرم ومحبة، وأقاموا عنده فترة وصفها المستشار بأنها أيام جميلة، قبل أن تقرر العائلة الانتقال مجددًا إلى دمشق، حيث سبق لوالده أن خدم فيها خلال أيام السفر برلك، وكانت له فيها ذكريات راسخة.
استقر الوالد في دمشق، بينما بقي إخوته الـ12 في لبنان. واستقرت العائلة لاحقاً في مخيم اليرموك. وعن زواجه، يروي المستشار رشيد أنه لم يكن يعرف زوجته – ابنة عمّه – حتى زارهم في دمشق ابن عمّه عوني بصحبة شقيقته، فأُعجب بها. طلب من والدته أن تخطبها له، وتم الزواج عام 1974.
اللقاء جرى داخل منزل المستشار، الذي يبدو كأنه متحف فلسطيني مصغّر، جدرانه مزينة باللوحات، وصور العائلة، وشهادات التقدير، والوثائق القديمة، ومنها أوراق دراسته الأولى في مدارس الأونروا في خمسينيات القرن الماضي.
وفي ختام اللقاء، تحدث المستشار عن أهمية دور العائلة في غرس حب فلسطين في نفوس الأبناء، مؤكداً أن “على كل عائلة أن تربي أبناءها على معرفة بلدهم الأصلية، مهما كانت أماكن ولادتهم”. ولفت إلى أن بعض أقربائه في أوروبا يحرصون على جلب أبنائهم إلى البلاد العربية ليتعلموا اللغة والهوية.
“العودة لا تموت، والحق لا يسقط بالنسيان” – بهذه الكلمات أنهى المستشار حديثه، مشدداً على أن الظلم الواقع على فلسطين وشعبها لا بد أن يزول، وأن كل جيل جديد يجب أن يحمل هذا الوعي ويورثه لمن بعده.
تحية للمستشار رشيد الموعد… شاهد على النكبة، وصوتٌ لا ينسى فلسطين.
