من حيفا إلى اليرموك... ذاكرة لا تهرم وشوق لا يخبو
مخيم اليرموك – 22/10/2025
هـــوية – فدوى برية
في مساءٍ دمشقيّ دافئ من شهر تشرين الأول، زار فريق "هوية" منزل الحاجة صبحية حسن محمود غنّام، المولودة عام 1942 في حارة الكنايس بمدينة حيفا، والمقيمة اليوم في مخيم اليرموك، شارع إجزم.
استقبلتنا الحاجة برفقة ابنها عامر وابنتها أم رامي، وقدّم أفراد العائلة ما لديهم من صورٍ قديمة تحتفظ بتاريخ العائلة وذكرياتها. ورغم المتاعب الصحية التي تمرّ بها، أصرّت الحاجة على استقبال الوفد وإجراء اللقاء، مؤكدةً أن الحديث عن فلسطين دواءٌ ينعش القلب قبل الجسد.
بدأت حديثها بهدوءٍ يغشاه الحنين، تصف طفولتها في حيفا، في بيتٍ عربي الطراز يشبه بيوت دمشق القديمة، بساحته الواسعة وغرفه المتعددة و«غرفة المونة» التي كانت تجمع خيرات الموسم. تتذكر كيف كانت الجارات يتحدثن من النوافذ المطلة على الساحة، وكيف كان والدها يصطحبها إلى سوق المدينة الكبير ذي الطوابق المتعددة ليشتري لها السكاكر، بينما كانت والدتها تتسوق من “الهدار” الأقمشة وحاجيات البيت.
تضحك وهي تستعيد مشهد العربة التي كان أقاربها يجرّونها بالأحصنة في طيرة حيفا أثناء موسم الحصاد، قائلةً إن تلك الأيام كانت عنواناً للبساطة والرضا.
تصف الحياة الاجتماعية في الحارة التي جمعت عائلات غنّام وكساب وبدوان وحمدين، وكيف استمرت الجيرة حتى بعد النكبة، حين التقت نفس الوجوه مجدداً في مخيم اليرموك، وكأن القدر أعاد لمّ الشمل على أرضٍ بعيدة عن الوطن.
تتذكر مدرستها “السباعي” في حارة الكنايس، حيث تعلمت القراءة والكتابة حتى داهمت النكبة.
بصوتٍ يختلط فيه الأسى بالعزيمة، روت كيف اضطرت عائلتها للرحيل “على أساس كم يوم وراجعين”، لكنها لم تعد منذ ذلك الحين. خرجت إلى لبنان ثم السويداء ومنها إلى دمشق حيث تابعت تعليمها في مدرستي الأليانس وحطين.
بعد زواجها، انتقلت إلى حلب مع زوجها، ثم عادت إلى باب سريجة بدمشق، قبل أن تستقر نهائياً في مخيم اليرموك.
تتحدث عن جمال حيفا، وبحرها، وطقوس العيد فيها، وعن الرحلات إلى عكا بالشختورة، فتبتسم وتقول: “فلسطين حلوة ببحرها وأمانها”. ثم تعود لتوصي أبناءها وأحفادها بأن “لا ينسوا فلسطين، فهي أم الخير، ومن تركها خسر نفسه”.
تختم الحاجة صبحية حديثها بنبرةٍ يغلب عليها الرجاء:
“إن شاء الله نرجع على بلدنا فلسطين... يمكن ما أرجع أنا، بس بدّي أولادي وأحفادي يضلوا متمسكين فيها، ما يتنازلوا عن شبر منها.”
تغيب اللحظة عن الذاكرة، لكن تبقى فلسطين في قلبها كما لو أنها ما زالت تنظر من نافذة بيتها في حارة الكنايس إلى البحر الذي وعدها بالعودة
.