شيء إلي هون بالشام"
الحاج أحمد شحادة الشهابي
من لوبية إلى اليرموك: حكاية لجوء لم تنتهِ بعد
دمشق – 13/10/2025
هوية – فدوى برية
في ظهيرة يوم الاثنين، كان فريق "هـويـة" على موعد مع أحد أبناء لوبية الأصيلين، الحاج أحمد شحادة الشهابي (أبو أدهم)، المولود عام 1939 في قرية لوبية، قضاء طبريا.
استقبلنا بابتسامة تعبّر عن دفء الجليل رغم الغياب الطويل، قائلاً بهدوء الواثق:
"وصيتي لأولادي يبقوا متمسكين بلوبية وبفلسطين... لن أرجع إلا على لوبية، هي أرضي، خلقت فيها، وكل شيء إلي فيها."
________________________________________
يجلس الحاج أحمد متكئاً على ذاكرةٍ لا تهرم، تعود به إلى يومٍ فقد فيه والده وأبناء عمومته في معركة الدفاع عن لوبية عام 1948، حين كانت البنادق قليلة والرصاص أغلى من الذهب.
"باعوا قطعة أرض ليشتروا بارودة... كان الشباب مصرّين ما يطلعوا من لوبية."
يعدد أسماء الشهداء من أبناء بلدته: محمد العلوان، والشهيد إسماعيل الديب، ومن آل مفضي الذين فقدوا أربعة من شبابهم.
يتحدث عن معركةٍ شرسة، وعن خروجهم المؤقت إلى القرى المجاورة، ثم عودتهم بعد شهرٍ لإخلاء لوبية نهائياً، "وكانت آخر مرة شفتها بعيني"، كما قال بأسى.
________________________________________
ويستعيد تفاصيل الحياة اليومية في لوبية التي ما زالت حاضرة بكل تفاصيلها:
"كانت مزروعاتها الحنطة والعدس والحمص والشعير والسمسم والزيتون، وبيوتها من طين وسقفها خشب، لكن فيها دفء ما بينتسى."
يروي عن دكان السمانة لعائلة سعيد العلي، والملحمة لعائلة حسين الديب، وعن نساء لوبية اللواتي كنّ يكرمن الضيف بما توفر في البيت من دجاج وبيض وسمن، ويقمن الليل لإعداد الزاد للغرباء.
ويتحدث بفخر عن لباس رجال لوبية: القمباز والجاكيت والقشاط والعقال، وعن النساء بثيابهن الفلاحية المطرزة بعناية، قبل أن يدخل اللباس العصري بين الشباب في الأربعينيات.
________________________________________
أما الأفراح فكانت مهرجاناً من البهجة الجماعية:
"العُرس كان يمتد من عشرين لأربعين يوم، والنقوط للعروسين بركة، والغناء والحناء والحمام جزء من العادة."
يتحدث أيضاً عن الينابيع الصغيرة التي كانت النساء يملأن منها "الخابية"، وعن نبعة دامية التي حاول الأهالي جرّ مياهها بأنابيب قبل النكبة، لكن الحرب سبقت أحلامهم.
وفي منتصف القرية، كان المسجد القديم ومئذنته البسيطة شاهداً على تدين أهل لوبية، حيث كان الشيخ مصطفى العنبتاوي إمامها، والإسلام هو الديانة الوحيدة في البلدة.
________________________________________
ولد الحاج أحمد وتربى بين أزقة لوبية حتى سن التاسعة، ودرس عند الشيخ علي الشهابي قبل أن يقطع الاحتلال مسار طفولته ونشأته.
يستحضر صورة بيته: غرفة المونة الممتلئة بخوابي الزيت والماء، وفرن الطين، والتين والعنب والصبر يظللون الفناء.
"بيتنا كان فيه بلاط صخري... والدي زرع الحاكورة بندورة وباذنجان ولوبية، حتى الدخان كان يزرعه بس للضيوف."
ويذكر وجوه الرجال الذين حملوا مسؤولية البلدة: المختار يحيى الشهابي من عائلته، وحسن أبو دهيس من آل العطوات.
"المختار كان هيبة لوبية... واجهتها قدام الناس."
________________________________________
تتغير الأمكنة لكن الذكريات لا تموت. بعد نكبته الأولى عام 1948، ذاق الحاج أحمد نكبة ثانية حين اضطر لمغادرة منزله في مخيم اليرموك – شارع فلسطين خلال الحرب الأخيرة، تاركاً وراءه كل ما بناه.
"برجع بخيمة على لوبية، وبسامح بكل شيء إلي هون بالشام... متل ما عمرنا بالشام، منعمّر بلوبية."
كلماته تختصر حكاية جيلٍ حمل الوطن في الذاكرة، وعاش المنفى مرتين، لكن حلم العودة لم يغادر قلبه يوماً.
