مصطفى الطيار
ولد مصطفى الطيار في شَعَب عام 1910، وتعلم في كتّاب القرية القرآن الكريم، وفي السادسة عشرة من عمره عين شرطيَّ صواري في عدة قرى من الجليل. وكان في الوقت نفسه يعمل في شَعَب في فلاحة الأرض وزراعة القمح والزيتون، ويربي النحل ويبيع العسل.
تزوج مرتين، المرة الأولى كانت في فلسطين، من فاطمة العبد (خوالد)، وأنجبت له سعاد، وانتقل من بيت أبيه إلى منزل كبير في أول القرية (راجع ملحق الصور). وفي المرة الثانية كانت في لبنان من هدية فاعور، وله منها عفاف وبهاء ونهى وعبد الحليم ومهى وخزنة وأكرم وأحمد ومحمد.
كان من أوائل من اقتنوا الراديو في شَعَب، نظراً لاهتمامه بالسياسة والأحداث المتعاقبة التي كانت تنذر بسوء المستقبل.
وفي حديثنا إلى عدد من أفراد حامية شَعَب الباقين على قيد الحياة، أجمعوا على شعبيته وقيادته وشجاعته وذكائه في إدارة الأمور، وقد كان الرجل الثاني في قيادة الحامية بعد أبو إسعاف، بل ويشير البعض إلى كونه القائد الميداني للحامية في المعارك، حيث أن أبو إسعاف كان القائد العام (وهو وإن كان مثل أبو إسعاف، إذ لم يكن ذا عائلة كبيرة وعزوة في البلد، إلا أنه لم يخرج طويلاً منها، كما حدث مع أبو إسعاف الذي قضى طفولته وشبابه غائباً عن شَعَب، وعاد إليها في أواسط الأربعينات).
وفيما ساهمت علاقات أبو إسعاف مع الحاج أمين الحسيني في تأمين الدعم اللوجستي والسياسي للحامية، ساهمت خبرة ورتبة مصطفى الطيار العسكرية في توحيد رجال الحامية تحت راية خبير في المعارك، خاصة حين كان في مقدمة المشاركين في معركة البروة. بل إن قيادته هذه ساهمت في زيادة شعبيته بين رجال الحامية. ولم يكن بعد خروج الحامية من فلسطين يشيد ببطولات الحامية، ولكنه كان يتحسّر على موقف العرب وتخاذل الأصدقاء، وكان يعتبر أنه كان يمكن للحامية أن تصمد أكثر لولا أن هناك أمراً دُبّر بليل.
وحين حوّلت حامية شَعَب إلى سرية صلاح الدين في فوج أجنادين، رفض أن يعطى رتبة حسب مزاجية قادة الفوج، وانتظر حتى استطاع إحضار أوراقه التي تثبت أنه كان ذا رتبة في الشرطة، وعين في الفوج ملازماً، ونائباً لقائد السرية.
ويبدو أنه رأى أن تواجد السرية في سوريا، وسحب أسلحتها منها أفقدها مبرر وجودها، وأن من المنطق أن تعود السريّة إلى الحدود وليس إلى مناطق بعيدة عن فلسطين. وقدّم استقالته بعد إشكالات مع بعض القادة وعلى رأسهم قائد الفوج.
ومما يدل على شعبيته في الحامية أن معظم أبناء شَعَب في السريّة قد تركوها بعد تركه لها.
وعاد إلى لبنان، وسافر إلى السعودية، حيث عمل في شركة أرامكو، لمدة ست سنوات، ثم عاد إلى لبنان حيث كان قد اشترى منزلاً على طريق السكة قرب الحسبة في صيدا، ومنزله وإن كان يعتبر سياسياً ضمن مخيم عين الحلوة، إلا أنه عقارياً خارجها. وقد عمل في منزله في تربية النحل وبيع العسل، إلى أن توفاه الله عام 1979.
حافظ على كثير من ذكرياته في شَعَب، وقد زوّدنا أبناؤه بعدد من الصور الملحقة، وذكر لنا ابنه أكرم أنه كان يحتفظ بمواد ووثائق قيمة منها الخريطة العسكرية لمعارك شَعَب، وقد رُسمت على ورق كتّان، وكان يستعان بها في القصف والقتال، وعليها الخطط العسكرية التي اتبعت في المعارك، إلا أنها فقدت إبان الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982.
شعب وحاميتها
ياسر أحمد علي