اللاجئون الفلسطينيون في لبنان:
89% مؤمنون بحتمية العودة إلى فلسطين ولو بعد حين
علي هويدي/ الأمين العام لمنظمة «ثابت» لحق العودة
الاستطلاع العلمي الأخير الذي أجراه مركز بيروت للدراسات والأبحاث بتكليف من منظمة «ثابت» لحق العودة حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة ونفذ بين 3 و9 نيسان (أبريل) 2009، وشمل عيّنة من 500 مستطلع، واعتُمدت فيه منهجية إحصائية تلحظ التوزع الديموغرافي بمختلف المخيمات الفلسطينية (بيروت، الشمال، الجنوب) بالإضافة إلى الفئات العمرية المختلفة من الجنسين بلغت فيه نسبة الخطأ (3%)، يُظهر بوضوح لا يدع مجالاً للشك من أن اللاجئ الفلسطيني في لبنان ورغم من مرور 61 سنة على اللجوء، لا يزال يعتبر حق العودة ببعده السياسي مُقدّماً على غيره من الحقوق، مع حرصه الكامل على توفير حقوقه المدنية والاجتماعية وعيشه كإنسان إلى حين تطبيق العودة.
لكن اللافت في الأمر، هو السؤال الذي وجهته إلينا إحدى القنوات الفضائية: هل يصح تعميم الاستطلاع على دول اللجوء الأخرى، وهل ستكون النتائج على المستوى نفسه؟ نقول إن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم الأكثر عرضة للتهميش والحرمان وارتفاع نسبة البطالة والفقر والازدحام السكاني.. فضلاً عن التعاطي الرسمي والتنكر للحقوق التي باتت معروفة للقاصي والداني، فاللاجئ في لبنان لا يزال أجنبياً مع غياب أية تشريعات قانونية، وبالرغم من كل هذا نجد وفقاً للاستطلاع أن نسبة 89% من اللاجئين تؤمن بإمكانية العودة، فما بالك لو أُجري الاستطلاع في أي من دول اللجوء الأخرى حيث تتوافر الحقوق المدنية والاجتماعية؟ حتماً ستقفز النتيجة إلى الأمام بشكل ملحوظ، وليس أدلّ على ذلك من نتيجة السؤال الرابع في الاستطلاع عن موافقة اللاجئ أو عدم موافقته على المعادلة التي يرددها الكثير من السياسيين اللبنانيين بأن «توفير الحقوق المدنية والاجتماعية يساهم في تكريس التوطين ونسيان حق العودة»، الأمر الذي رفضته الأكثرية الساحقة من المستطلعة آراؤهم (87.6%).
أما مؤتمر فلسطينيي أوروبا السابع الذي عُقد في مدينة ميلانو في إيطاليا بتاريخ 2/5/2009 فهو مثال آخر شاخص أمامنا، فمشاركة أكثر من عشرة آلاف شخص من مختلف القارة الأوروبية ومن جميع الأجيال، وكثير من المشاركين ممن يحمل الجنسية الأوروبية، أي إن الحق المدني لا نزاع ولا جدال فيه، اجتمعوا في صعيد واحد من أجل هدف واحد ورسالة واحدة، التأكيد على حق العودة إلى الديار وليس إلى أي مكان آخر، فضلاً عن ارتفاع أعداد المشاركين من الفلسطينيين والعرب والأجانب سنة بعد أخرى ليشكل حالة جديدة على مستوى العالم، وليعطي مؤشراً واضحاً على أن الاتجاه المعاكس في المعادلة هو الأصح وأن توفير الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين يساهم في تكريس حق العودة ورفض التوطين وليس العكس.
المقاومة والتسوية
النتيجة الأخرى التي خرج بها الاستطلاع والجديرة بالتوقف والمراجعة الدقيقة والعلمية، هي عدم ثقة اللاجئ بمشروع التسوية والمفاوضات والأمم المتحدة، فنسبة (9.6%) فقط من المستطلعة آراؤهم، تؤمن بأن التسوية هي الطريق لتحقيق العودة، وهذه نسبة اعتبرها الدكتور مصطفى البرغوثي سكرتير المبادرة الوطنية ووزير الإعلام سابقاً في حكومة الوحدة الوطنية، نسبة عالية، مؤكداً أن عملية التسوية تأكل جميع الحقوق الفلسطينية شيئاً فشيئاً وليس فقط حق العودة، بينما يرى (29%) من المستطلعة آراؤهم أن الأمم المتحدة هي الطريق الأفضل، أما النسبة العظمى من المستطلعين (62%) فترى أن المقاومة هي الوسيلة الأمثل لتطبيق حق العودة، وهي نسبة عالية في لبنان إذا أخذنا في عين الاعتبار توقّف العمل المقاوم ببعده العسكري وتقادم الفصائل الفلسطينية.
إجماع على المرجعية
أما النتيجة الأخرى التي ينبغي التوقف عندها كذلك، فهي مسألة المرجعية السياسية التي طالبت الغالبية العظمى من المستطلعين بضرورة إنشائها (94%)، وأن تكون جامعة من قوى التحالف الفلسطيني وفصائل منظمة التحرير، والنسبة مؤشر واضح على المطلب الملحّ جداً لإنشاء المرجعية السياسية لتحسين أوضاع اللاجئين الإنسانية والحفاظ على حق العودة ببعده السياسي.
مؤشرات تحذيرية
يعطي الاستطلاع إشارات حسب مناطق الاستطلاع، حيث أثارت الانتباه نتائج لاجئي منطقة بيروت، إذ أجاب الثلث (29.6%) بعدم إمكانية العودة، فضلاً عن النتائج المتعلقة بشريحة الشباب التي تَراجع إيمانها بالعودة والمقاومة عن الشرائح الأخرى إذ بلغت (17.3%)، وهذا يستدعي دراسات تفصيلية والتوقف عند الأسباب والسرعة في المعالجة، فضلاً عن المفارقة في أن الشريحة الأكبر سناً (فوق الخمسين سنة) أظهرت ثقة بإمكان تحقيق العودة بنسبة (98%) الأمر الذي يؤشر على استمرار الأمل والمستقبل المشرق بالرغم من تقادم الماسأة.
الخلاصة
كمحصّلة نهائية، يشكل الاستطلاع رداً عملياً على المشروع الصهيوني الذي يستند في رؤيته إلى مسألة الوقت في عملية تذويب اللاجئين في مجتمعات دول اللجوء والجوار وفي أن تقادم الزمن سيكون كفيلاً بثَنْي عزيمة اللاجئين وكسر إرادتهم والقضاء على صمودهم ونسيانهم لحقهم في العودة كمقدمة للتوطين، ويوجه رسالة إلى الغرب عموماً بأن القضية الفلسطينية بشكل عام وقضية اللاجئين وتطبيق حق العودة لجميع اللاجئين بشكل خاص تمثلان بوابة العبور لاستقرار المنطقة.
إدارة أوباما تعلم أن تحسين العلاقات مع العالم العربي والإسلامي لن يكون إلا من خلال البوابة الفلسطينية، لهذا يجري في الوقت الحالي إعطاء قيمة أكبر للمبادرة العربية، لكن أوباما يتحفظ على مسألة اللاجئين وحق العودة إلى الأراضي المحتلة عام 48 وعلى الشكل النهائي للدولة الفلسطينية. لهذا نقول إن العبث بمستقبل أكثر من ستة ملايين لاجئ هو خطٌّ أحمر، وإن التاريخ سيظل شاهداً، ولن يرحم من يساهم في التفريط، لذلك فإن الاستفتاء الحقيقي يعود إلى اللاجئ نفسه، ولا يحق لأي كان أن يفاوض بالنيابة عنه أو أن يتنازل عن حقوقه بحجة واقعية المتغيرات الدولية وعملية السلام وغيرها من القضايا التي لم تُنصف اللاجئ الفلسطيني وحقوقه المشروعة. هذا الاستطلاع هو واحد من استطلاعات كثيرة جرت في السابق وتُجرى في كل فترة لتاتي وتؤكد أن الغالبية العظمى من اللاجئين في أماكن اللجوء والشتات والمنافي لا تزال تريد تطبيق حق العودة، بغض النظر عن التفاصيل.
جدول رقم (2)
الرسوم البيانية:
السؤال الأول:
هل تؤمن بإمكانية تحقيق العودة إلى فلسطين، ولو بعد حين؟
جدول رقم (4)
برأيك، عبر ماذا يمكن أن يتم تحقيق العودة؟