اللجًّون
القرية قبل الإغتصاب :
كانت القرية قائمة على تل قليل الارتفاع, في الطرف الجنوبي الغربي من مرج ابن عامر, موزعة على طرفي وادي اللجون. وكانت جنين والمرج نفسه يظهران للناظر من اللجون. وكان جبل الكرمل يحدها من الغرب والجنوب, وتل المتسلم ( من الشمال الشرقي), وتل الأسمر ( من الشمال الغربي). وكانت القرية, التي تربطها طرق فرعية بطريق جنين- حيفا العام, وبطريق عام آخر يمتد صوب الجنوب الغربي ويفضي الى بلدة أم الفخم, تقع بالقرب من ملتقى الطريقين.
بعد أن خمدت ثورة ( اليهود بقيادة) باركوخبا, سنة 130م, أمر الإمبراطور الروماني هدريان بأن ترابط فرقة أخرى من الجيش الروماني, الفرقة السادسة ( المدرعة), في شمال البلاد. وبات الموقع الذي أقامت معسكرها فيه يعرف باسم لجيو. ولما سحب الجيش من المنطقة في القرن الثالث للميلاد, غدت لجيو مدينة ولقبت بـ (مدينة مسيميان) وعرفت باسم مسيميانوبوليس. وظلت تعرف بهذا الاسم طوال العهد البيزنطي. ثم أصبحت بيد العرب في القرن السابع للميلاد, وفي الفترة الأولى من الفتح الإسلامي. وشهدت اللجون أكثر من مجابهة بين الحكام المسلمين المتنافسين, كتلك التي دارت رحاها سنة 945م بين الحمدانيين حكام حلب والاخشديين حكام, والتي هزم فيها الأمير سيف الدين الحمداني الشهير. وقد استولى الصليبيون على اللجون, ثم استرجعها صلاح الدين الأيوبي في سنة 1187.
أتى الى ذكر اللجون نفر من الجغرافيين العرب على مر السنين, منهم ابن الفقية ( الذي كتب في سنة 903م), والمقدسي ( الذي كتب في سنة 985م), وياقوت الحموي ( توفي سنة 1229). وقد وصفها المقدسي بأنها مدينة رحبة نزيهة, على طرف فلسطين ( يوم كانت الحدود بين سورية وفلسطين غير حدود اليوم), وذكر ينابيعها ذات المياه العذبة. وكذلك أشار المقدسي وياقوت ( في كتابه معجم البلدان) إلى ما يدعوه سكان اللجون مسجد إبراهيم المبني على صخرة مدورة. لكن بينما قال ابن الفقية إن المسجد قائم خارج اللجون, روى ياقوت أن المسجد كان وسط البلدة. كما مر بالقرية نفر من ملوك المسلمين وأعيانهم منهم الملك الكامل, سادس الحكام الأيويبين, الذي زوج ابنته عاشوراء فيها لابن أخيه في سنة 1231. وقد دفن في القرية أيضا اثنان من علماء المسلمين هما: علي الشافعي ( توفي سنة 1310), وعلي بن الجلال ( توفي سنة 1400).
في سنة 1596 كانت اللجون قرية في ناحية شعرة( لواء اللجون), وعدد سكانها 226 نسمة. وكانت تؤدي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير, بالإضافة الى عناصر أخرى من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل والجواميس. وروي أن ظاهر العمر الذي بات لفترة قصيرة الحاكم الفعلي لشمال فلسطين في النصف الثاني من القرن الثامن عشر, استعمل المدافع لقصف اللجون في سياق حملته( 1771-1773) للاستيلاء على نابلس. ولا يعرف بالتحديد هل كان هذا الهجوم هو سبب أفول القرية في الأعوام التي تلت ذلك أم لا, حتى أن جيمس فن,القنصل البريطاني للقدس وفلسطين( 1846-1862), لم ير قرية في الموقع يوم زار المنطقة. لكن مؤلفي كتاب (مسح فلسطين الغربية) لاحظوا وجود خان إلى الجنوب من خرائب اللجون, في أوائل الثمانينات من القرن الماضي.
في أواخر القرن التاسع عشر انتقل نفر من سكان أم الفحم الى موقع اللجون لاستغلال أراضيها الزراعية. ثم استوطن هؤلاء اللجون شيئا فشيئا, مقيمين منازلهم حول ينابيع الماء, ولا سيما في جوار الخان. ولما أجرى علماء الآثار الألمان سنة 1903 التنقيبات في تل المتسلم ( مجدو القديمة), القريب من القرية, استعمل بعض سكانها الحجارة التي استخرجت من أبنية الموقع القديم في بناء مساكن جديدة لهم. وانتقل مزيد من سكان أم الفحم الى اللجون أيام الانتداب البريطاني لهم جراء نشاطهم في ثورة 1936- 1939التي انتشرت في أنحاء فلسطين. كما تنامي اقتصاد اللجون بسرعة نتيجة توافد مزيد من السكان.
انقسمت القرية جراء توسعها الى ثلاثة أحياء: حي شرقي وحي غربي, وآخر يعرف بخربة الخان. وكان يقيم في كل حي ( حمولة) أو أكثر, مثل ( حمولتي) المحاجنة التحتا والغبارية, و( حمولتي) الجبارين والمحاميد, (وحمولة) المجاجنة الفوقا. في سنة 1931, كان سكان اللجون يتألفون من 829 مسلما و 26 مسيحيا ويهوديين اثنين ولا يوجد تفصيل دقيق لعددهم في سنة 1945. في سنة 1943, مول أحد كبار مالكي الأراضي في القرية إنشاء مسجد, بني بالحجارة البيض, في حي المحاميد خلال الفترة نفسها, بتمويل من سكان الحي أنفسهم. وكان في اللجون أيضا مدرسة أسست في سنة 1937, بلغ عدد تلامذتها 83 تلميذا في سنة 1944, وكانت تقع في حي المحاجنة الفوقا, أي في خربة الخان.
كان في القرية سوق صغيرة وست طواحين للحبوب ( تديرها عدة ينابيع وجداول تقع في ضواحي القرية), ومركز طبي. وكان في كل حي من أحياء اللجون بضعة دكاكين. وقد أنشأ رجل من أم الفحم شركة باصات في اللجون, كانت توفر الخدمات لسكان أم الفحم وحيفا وبضع قرى, منها زرعين.في سنة 1937 بلغ عدد الباصات سبعة. وبعد ذلك رخص للشركة بنقل الركاب من جنين وإليها أيضا, واكتسبت الشركة اسم ( شركة باصات اللجون). عني سكان اللجون بزراعة الحبوب والخضروات والحمضيات. أما تراث اللجون الأثري, فقد تلاشى تماما بلا تدوين ولا تنقيب, إذا جرفت الخرائب في معظمها, وكومت كومة واحدة من أجل تمهيد الأرض للزراعة.
إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا:
تذكر الرواية الإسرائيلية الرسمية أن اللجون احتلت قبل الأول من حزيران \ يونيو 1948 بوقت قصير, عقب (تطهير) وادي بيسان, وقبل الهجوم الإسرائيلي ( الفاشل) على جنين. ففي تلك الفترة, كان لواء غولاني قد استولى على بضع قرى مجاورة لجنين, ومنها اللجون التي دخلتها القوات الإسرائيلية فجر 30 أيار\ مايو, استنادا الى تقرير صحافي نشرته( نيويوك تايمز) السابقة في وادي بيسان. هوجمت واحتلت في أواسط نيسان \ أبريل, مايو, استناد الى تقرير صحافي نشرته ( نيويورك تايمز). فقد تقدمت طوابير إسرائيلية عدة نحو منطقة المثلث, يومها, واستولت على جملة قرى شمالي جنين. ومن الجائز أن تكون الكتيبة الرابعة من لواء غولاني طردت سكان القرية فورا, وذلك تماشيا مع عادتها خلال عملياتها السابقة ذكرت أن القرية هوجمت واحتلت في أواسط نيسان\ أبريل حين حاولت القوات اليهودية ( أن تصل الى تقاطع الطرق في اللجون بعملية التفاف). ويبدو أن الهجوم أخفق. وذكرت ( نيورك تايمز) أن 12 شخصا قتلوا في هذا الهجوم وأن آخرين جرحوا. وأضافت الصحيفة أن اللجون احتلت لاحقا, في 17 نيسان\ أبريل, بعد مرور اثني عشر يوما على انطلاق الهجوم من هذه القرية على مشمار هعيمك. وجاء في رواية ( نيورك تايمز) أن ( اللجون هي أهم المواقع التي استولى عليها اليهود, الذين ذهب بهم هجومهم الى احتلال عشر قرى جنوبي مشمار وشرقيها). وأضاف التقرير أن الهاغاناه أجلت النساء والأولاد عن القرية, ونسفت 27 مبنى في اللجون والقرى المجاورة.
لكن يفهم من المصادر العسكرية العربية أن القرية لم تحتل القاوقجي. إن الهجمات استؤنفت في الشهر التالي, في 6 أيار\ مايو, عندما هاجمت قوات الهاغاناه مواقع جيش الإنقاذ في منطقة اللجون. وقد صد فوج اليرموك وغيره من وحدات جيش الإنقاذ المهاجمين, فارتدوا على أعقابهم. لكن القاوقجي ذكر, بعد مرور يومين, أن قوات الهاغاناه كانت (تحاول عزل اللجون عن طولكرم تمهيدا للاستيلاء على اللجون وجنين...). وفي معرض تلخيص القاوقجي للوضع العسكري في فلسطين في 8 أيار\ مايو, أشار الى ( نشاط كثيف), والى ( وجود تجمعات (للهاغاناه) كاملة التسليح والتجهيز شمالي جنين), والى وجود ( قتال عنيف في منطقة عارة), أي على بعد نحو 12 كيلومترا الى الجنوب الغربي من اللجون. ولا يعرف على وجه التحديد هل كانت اللجون وقعت تحت سيطرة الهاغاناه في ذلك الوقت, أم أنها صمدت ثلاثة أسابيع أخرى, مثلما هو مذكور في كتاب ( تاريخ حرب الاستقلال).
في أوائل أيلول \سبتمبر, خلال الهدنة الثانية, حدد مسؤول من الأمم المتحدة خط الهدنة الدائمة في المنطقة باللجون, وذلك استنادا الى تقارير صحافية. وقد أقيمت منطقة عرضها نحو 450 مترا على كلا جانبي الخط, سمح للعرب واليهود فيها بأن يجنوا غلالهم.
القرية اليوم:
لم يبق في الموقع سوى المسجد المبني بالحجارة البيض, وطاحونة حبوب واحدة. والمركز الطبي, وبضعة منازل مهدمة جزئيا. وقد حول المسجد الى مشغل نجارة, وحول أحد المنازل الى قن دجاج. المركز الطبي وطاحونة الحبوب مهجوران, والمدرسة ما عاد لها أثر. أما المقبرة فما زالت قائمة, لكن مهملة. وما زال قبر يوسف الحمدان,من الوطنيين البارزين الذين استشهدوا في ثورة 1936, باديا للعيان. أما الأراضي المحيطة فزرعت لوزا وحنطة وشعيرا, وهي تحتوي أيضا على زرائب للدواب ومعمل أعلاف ومضخة ركبت على عين الحجة. والموقع تسيجا محكما و دخوله ممنوع.
المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية:
في سنة 1949, أنشأت إسرائيل مستعمرة يوسف كابلان, التي سميت لاحقا كيبوتس مغدو (167220), على بعد نصف كيلومتر تقريبا شمالي شرقي موقع القرية. وفي زمن إنشائها, كانت أراضي مجموعة من القرى الفلسطينية الممتدة بين بلدة أم الفحم واللجون قد ضمت بعضها إلى بعض لتكوين كتلة كبيرة. لذلك فإن قرب المستعمرة من اللجون يوحي بأنها بنيت على بعض أراضي اللجون, لكن من الجائز أيضا أن هذه الأرض كانت تابعة في وقت سابق, لقرية مجاورة.
المصدر:كي لا ننسى
للدكتور وليد الخالدي