تربع آل الحسيني على رأس عائلات النخبة المقدسية من علماء وأعيان، منذ نهاية القرن الثامن عشر على الأقل. فقد نجحت العائلة في السيطرة، خلال تلك الفترة وما بعدها، على ثلاث وظائف علمية مهمة تقلدها أفنديات القدس، هي: إفتاء الحنفية، ونقابة الأشراف، ومشيخة الحرم القدسي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أبناء العائلة تقلدوا وظائف مهمة أخرى في التدريس وتولي أوقاف عامة، مثل وقف النبي موسى، وتنظيم الموسم والزيارة لهذا المقام سنوياً.
وجاء بروز هذه العائله بعيد ثورة نقيب الأشراف في القدس (1703 – 1705) التي أطاحت آل الوفائي الحسيني، ثم عززت مكانة آل الحسيني الجدد (فرع عبد اللطيف من آل غضية)، منذ أواسط القرن الثامن عشر. ووصلت العائلة إلى أوج نفوذها أيام تقلد عبد الله بن عبد اللطيف نقابة الأشراف في أواخر ذلك القرن، وتولى أخيه حسن إفتاء الحنفية حتى وفاته سنة 1224 هــ/ 1809 م. وقد شغلت مسألة تاريخ هذه العائلة المؤرخين والباحثين في الأجيال الاخيرة، وما زال النقاش في شأن أصولها مفتوحاً لم يحسم حتى الآن.
اختلف الباحثون والؤرخون في تقديراتهم بشأن حسب ونسب آل الحسيني منذ فترة الانتداب، وذلك على خلفية الصراع السياسي بين الحاج أمين الحسيني ومؤيديه من المجلسيين وبين المعارضة التي ترأسها آل النشاشيبي. وساهم الحاج أمين في نشر رواية العائلة أنها تنتمي الى الأشراف، وأن أبناءها استوطنوا القدس وضواحيها منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وأدوا دوراً مهماً في تاريخ بيت المقدس منذ عهد المماليك. أما أركان المعارضة لتعيين الحاج أمين مفتياً لفلسطين، ثم لقيادته الساسية، فنشروا رواية فحواها أن انتساب آل الحسيني إلى الأشراف مزور غير صحيح، وأن مصطفى، جد الحاج أمين، نجح في الوصول إلى وظيفة الافتاء عن طريق الغش والاحتيال. وقد وجدت رواية المعارضة آذاناً صاغية بين بعض الباحثين الصهيونيين المعادين للحركة الوطنية الفلسطينية، فقام بنشرها وتكرارها في دعايته ضد الحاج أمين، وذلك من أجل تلطيخ سمعة العائلة والمس بالحركة الوطنية الفلسطينية التي قادها. أما بعد غياب الحاج أمين عن قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، فقد قام بعض الباحثين الاسرائيليين في العقود الاخيرة بنشر أبحاث تشكك في رواية آل النشاشيبي عن منافسيهم، بل تميل إلى قبلو رواية آل الحسيني عن نسبهم وحسبهم ودورهم التاريخي في القدس، على الاقل منذ القرن الثامن عشر. هذه الابحاث على أهميتها وابتعادها عن الدعاية البحثية وإزالتها بعض الغموض عن تاريخ آل الحسيني، لم تكشف تماماً حقيقة أصول هذه العائلة ودورها قبل اواسط القرن الثامن عشر.
وتناولتُ في كتابي "تاريخ فلسيطن في اواخر العهد العثماني" أصول آل الحسيني الجدد التي تعود الى آل غضية، الذين كان منهم محب الدين نقيب الاشراف المذكور أعلاه، وعبد اللطيف بن عبد القادر آل عضية، وقد سقطت هذه الكنية عنهم.
أما شجرة العائلة التي أعادت أصولها إلى آل الوفائي الحسيني البدري ليست دقيقة على أقل تقدير، و "شبك" شجرة فرع عبد اللطيف آل غضية مع آل الوفائي في شخصية عبد القادر هو أحد أسباب البلبلة بالنسبة إلى أصول هذه العائلة وصحة انتسابها إلى الأشراف. ومن المفيد هنا أن أضيف مصدراً مهماً قرأته مؤخراً يشير بوضوح إلى صحة استنتاجاتي عن نسب آل الحسيني الجدد (بني غضية سابقاً) المختلف عن آل الوفائي الحسيني. فعلماء القرن الثاني عشر الهجري، "سلك الدرر"، كانوا على معرفة ودراية بوجود هاتين العائلتين المختلفتين. أما مرتضى الزبيدي، فإنه ترجم في معجم شيوخه لعلماء بارزين من العائلتين، وأوضح الغموض بشأن نسب العائلتين المقدستين المختلف. هذه التراجم في "معجم شيوخ مرتضى الزبيدي" لا تترك شكاً في انتساب العائلتيين الى الأشراف، على الرغم من الاختلاف والتمييز بينهما.
لواء القدس في أواسط العهد العثماني
عادل مناع
(بتصرف)