أسعد حمودي – سحماتا
أنا أسعد مصطفى حمودي
من مواليد 1928 من سحماتا، قضاء عكا.
سحماتا بلد ليست سهل من ترشيحا وللشرق، عدد سكانها كان بين 1250 – 1500 نسمة، أهلها عملوا بالفلاحة، فالأرض تفلحها وتزرعها، عدس وفول وحمص، وتأكل منها، وليس لك أي عمل.
البلد كلن فيها دكانين، واحد لعلي نجلة، والاخرى لأحمد عبد القادر.
وكانت الناس فقيرة. البلد عبارة عن حارتين التحتا والفوقا. على مدخلها منزل لدار حسين علي، كان يجلس مع الحاج عبد الله وأنا ولد عام 1936، كان يأتي الثوار لعنا، جاء الثوار خطفوا الإضلفي، ستة أشخاص إنجليز، أخذوهم الى منطقة بين بلدنا وكفر سميع، قالوا في حريقة لدار الشيخ أحمد وقتلوهم، ثاني جاء الإنجليز خرّب البلد ودمّر البلد كلها، خلط الأرز بالقمح وبالعدس والزيت، كان عمري 8 سنين، عندما كان يأخذون الرجال، كانت النساء تقول لنا الأولاد إلحقوهم وراقبوا إذا كانوا سيقتلون أحداً منهم. كان يجمعوا الناس على كامب مقرف، الخط الشمالي أو الخط الأزرق، عند إختلاف بريطانيا وفرنسا عنا، إختلفوا بمعركة بالدامور، وقال أن موسى ديّان قتل بالدامور، الإنجليز سلّموا فلسطين لليهود.
القرى حول سحماتا، ترشيحا من الغرب، هي بلد أكبر من بلدنا، ومن غرب ترشيحا يوجد معليا، وتحت معليا كان في الكابري ونهاريا، من قبلي كفر سميع، والبقيعة، ثم للشرق سيلان المزار، وتحت المزار تأتي حُؤفيش، للشمال بدير، وثم فسوطة.
أول مرة رأيت الأتومبيلات، كان لواحد يهودي إسمه بنيوت، أحضروه على الرحبة، سيارات 180 صغيرة عنده، كان يوزع ملبّس علينا لندفشها له.
ثم صار في سيارات تسير الى فسوطة، الى الدير وحرفيش وتأتي الى سحماتا وتنزل الى ترشيحا ومعليا والكابري لتأخذ الناس الى عكا.
في الحارة التحتا (المنزول) كانت الناس تجلس بالحارة في أوقات الفراغ، مثل حسين علي والحاج عبدالله، والشيخ محمود والشيخ أحمد (قوادرية)، كانوا كباراً بالعمر.
الحارة الفوقا أغلبهم كانوا جيراننا، منهم دار عمي وبجانبهم بيت حسن موسى، وشمالاً كان بيت أبو شحادة (يوسف خليل موسى) يوسف صفية، ثم أخوه أسعد صفية، كل البيوت قريبة جداً من بعضها البعض.
المدرسة في القرية هي المدرسة الفوقا، تعلمنا فيها، والمنزول كانت بالأول مدرسة وكان الأستاذ اسمه خالد القاضي من ترشيحا. كنا أولاد صغيرة. ثم عمّروا المدرسة الفوقا وانتقلنا الى المدرسة الفوقا. والمدرسة الفوقا فكان حولها حديقة، وهي تطل على القرب على رأس العقبة ناحية ترشيحا.
أما أجيالي كانوا، محمود صالح موسى، كنا نتعلّم مع بعض. وإبراهيم حسون وأبو محي عنتر (علي محمد حسن مرّة)، وسعيد يونس، عبد الرحيم إبراهيم الحاج، محمد علي مرّة، أبو أحمد محمد الأسعد.
كان هناك جامع وسط البلد، كان الشيخ شحادة، كنّا نصلي فيه بين 10 و12 ختياراً (عجوزاً).
أما بالنسبة للوضع الصحي، لم يكن هناك أطباء في سحماتا، والذي يمرض كانوا يأخذوه الى معليا عند واحد اسمه القسيس، أو يأخذوا المريض الى نهاريا عند طبيب اسمه أردكيان.
كنا نحضر الماء من العين، لم يكن عنّا بئر بالبيت، سحماتا على أربع جهات بها ينابيع، كانت الناس تأتي لتملأ ماءاً، حيث توجد عين برزة ووادي الحبيس ومغارة تلما.
في وادي الحبيس كان في نهر جاري، كنا ننقل المياه منه على الدواب، النساء تعبّئ من العين وتحمل الجرة على رؤوسهن، والذي يأتي من بعيد يحمل الماء على ظهر الحمير.
ليلاً كنا نضيء بالبابور (كاز) وفيه فتيلة، قبل ذلك كان الناس يضيئون بسراج زيت (زيت زيتون). وبالنسبة للدكاكين، كنت أذكر بالرحبة دكانة القرم وعلي نجلة، كنا نشتري منها ملبّس وكعك وراحة وملح وسكر، ولم يكن في مثلجات في ذلك الوقت.
أما الحلاق في القرية كان مازن أبو عصام مُرة، وواحد إسمه الحِدِق، وعبدالله حسين بالحارة الفوقا.
أنا كنت أدرس وأعمل بالحقل، وكان الذي عنده فدّان، إذا ماتت بقرته أو ثوره ينكسر مادياً، من أين سيأتي بالمال لشراء غيره؟!
كانت الأراض كثيرة لدرجة لا يستطيع صاحبها أن يفلحها كلها، فلذلك يستعيد بالفلاح ليزرع قمح وفول وحمص وكرسنّة وشعير، ولكن لا يبيع منها. في أوقات الفراغ، كانوا يحضروا برتقال يافاوي ويعلّبوا دصريحة، أيضاً كانوا يبيعوا الـ 10 حبات بقرش أو يلعبوا بالبنانير والكورة.
أما زراعات البلد، هي حبوب قمح عدس وحمص من التموين، يوجد طرس وعمزات، فيحلبوا الحليب ويعملوا لبن ويطبخوا لبنية،
أما الزيتون، فكان كثير جداً. وكان في معصرة بالحارة الفوقا لدار الحاج حسن، ومعصرة بالحارة التحتا لدار أبو حسن أحمد سعده، ومعصرة لدار أحمد نعمان. ومعصرة بالحوش. وبعدها عملوا بابور الزيت، وكانت الناس تأتي من خارج القرية لعصر الزيتون فيها. هذا البابور عُمل به لمدة سنة فقط قبل أن يأتي اليهود.
أما زراعة الدخان، كان كثيراً، فكان الإنجليز يرى عند الفلاح، ويعطيه رخصة لزراعة مثلاً 20دونم، وهي تعمل 20 رطل دخان، إن زادوا يقولون للفلاح إنه زارع زيادة وإن نقص يتهموه بأنه يبيع تهريب. العائلة بأكملها تعمل بالزراعة من أول السنة لآخرها، من زراعته وتشتيله ولغاية توريده الى حيفا. كان في شركة كرمان – ديكو سلطي للدخان، وبنك بركلي، يذهب الفلاح الى حيفا ليقبض ثمن الدخان ليشتري لعائلته ملابس وأكل، وكان الفلاح يبقى 4 أيام بحيفا ليستلم النقود، ثم يشتري بعض الأغراض، فيعود بلا نقود.
بعد الحرب العاليمة الثانية إنتعشت البلد، حيث توظف حوالي 12 شخص من بلدنا بالبوليس (الشرطة). كان أحمد ابن عمي بالبوليس ببلد بين عكا وحيفا اسمها قرية حايب، كان العزابي يأخذ 17 ليرة والمتزوج 24 ليرة مكتوب عليها جنيه فلسطيني، مثل الجنيه الإسترليني. إنتعشت البلد وصار فيها حركة، وصارت الناس تهّرب دخان. وصار في أحداث وثوار وناس كثيرة، حتى صارت الناس تهرب دخان الى لبنان.
عمي نايف كان يقضّي وقته بالشغل، ووقت الذي خرجنا الى بعلبك أصبح ضرير. وعمي شاهد حرب 1914، وهو لم يسافر للخارج الى الأرجنتين وأميركا.
من الأشخاص الذين توظفوا بالبوليس، كان أبو وليد سعيد جميل، وأحمد سعيد العبد، وعبد الغني، وجميل طنّوس، ورشيد صالح، علي عزّام، فوزي صالح (بقوة الحدود). أما أسعد حسن موسى فكان بالجيش الأردني، محمد نايف ريري كان (بقوة الحدود)، غانم (بقوة الحدود)، كانت أشد قوة في الجيش البريطاني هي قوة الحدود.
أنا أقمت خطوبتي في سحماتا وتزوجت في بعلبك، يعني كتبت كتابي بسحماتا، كان القاضي يحضر لكتب الكتاب. (يمكن الشيخ محمود هو الذي كتب الكتاب).
في ثورة 1936، كان يأتي ثوار الى البلد من مناطق مجاورة، وأذكر أسماء بعضهم، مثلاً واحد إسمه الأصبح، وأبو حمدان وأبو حقد، وعندما يأتون الى القرية نجهز لهم أكل على قد الحال. ويتخبوا بالجبال، الأصبح أُطلق عليه النار في الجّرودي وهي منطقة فوق خلة دراج، وصار الأهالي يغّنوا له:
الأصبح يا الأصبح يا مات شهيدي طوقوا العسكر بالجراريدي.
وأخته يا أخته بالبكازيدي على أبو العبد ذباح القوما
ما بين البقيعة وما بين بيت جن إستشهد أبو العبد دربة عالجنة
أدي قلت لك يا قلبي كني أحبابي شيلوا وما ودعونا
أهل سحمانا كانوا نبع الثوار، كانوا متعاونين مع الثوار.
بيمنا في العام 1948، أذكر جاء جيش الإنقاذ الى البلد، وضعوا بالرحبة ذخيرة مكتوب عليها تل أبيب، نحن لم يكن معنا بنادق، الجيش نزلوا الى جدّين على أساس أننا نحن نسحب بارودة ونهرب، لكن دارت المعركة بجدّين، ولم يستطيعوا احتلالها.
قالوا ونحن بالجبل، جاءت دبابات الإنجليز والآن بطوقوا بلادنا وتقيلوا أهلنا.
بالأول لم يكن معنا بنادق وبعدها صرنا نشتري من مالنا نحن، أنا اشتريت بارودة فرنسية بـ38 ليرة، كانت الناس تبيع سلاح.
كنا ننزل دورية قرب جسر ترشيحا، نحرسه حتى لا يأتي اليهود وينسفوه، وذهبنا يوم معركة ترشيحا. كان واحد بقوة الحدود اسمه محمد كمال من ترشيحا (شاويش) وقال سوف نذهب نحتل جدين، فتجمعنا من سحماتا والدير وكان معنا دليل يدلنا مكان اليهود الذين يحتلون جدين، وصلنا الى رأس تلة، والدليل توقف وإذ بنا وصلنا الى المكان الذي كان فيه اليهود.
ووزع علينا محمد كمال خرطوش، ووضعونا بخلة العدس (شمال جدين) كان معنا برّينات إثنين، نطلق النار واليهود يطلقون النار، وبقينا هناك يومين ومن ثم عدنا من دون فائدة.
أما في معركة الكابري، كنت أنا في دورية على جسر ترشيحا، رحنا مجموعة نمشي مشياً، الى ان وصلناً بجانب مصفحة محروقة بمنطقة اسمها تا أوقية وطلبوا مني بأن أحرس هنا. والمعركة كانت تدور بعيدا عنا، فأقمنا كمين لمن سيأتي من اليهود.
عندما قصفت الطائرات سحماتا، كنا في دورية ودخلنا البلد والناس صارت تهرب، حملنا الحجارة وخرجنا الى الأرض الشرقية لينا زيتون بالشبشوب، فبقينا هناك أولاً، وتركنا الزيتون وخرجنا الى مغارة الهوتي وبيقنا فيها، وإذ بدبابات الإنجليز تقترب، أمي وزوجها ذهبت الى البقيعو، وأنا ومحمود علي نصرة وأخوه عبد الوهاب طلعنا من المغارة الى الحُرفيش فوجدنا الناس كلها تهرب، فذهبنا وتابعنا سيرنا الى الرميش، حيث إلتقيت أنا وأخواتي هناك.
أذكر ونحن نائمون بالرميش جاءت إمرأة وقالت إنهم سيأخذون الفلسطينين، فذهبنا الى بنت جبيل وبقينا هناك وهرب بيت حماي من 10-12 ليلة. ثم جاءت باصات وأخذتنا الى البرج الشمالي كانت أرض وعرة وصخور ونصبوا لنا شوادر وبقينا فيها حوال شهر تقريباً.
ثم جاءت باصات وأخذتنا الى بعلبك، بقينا هناك 15 سنة أي لغاية 1963. تزايدت الناس بالثكنة وبعد ذلك أخذونا الى الراشدية.
عمي نايف راح على كفر سميع مع زوجته وأولاده، ثم هربوا على طريق البقيعة، ومن بعدها خرجوا الى لبنان ومنها الى بنت جبيل حيث إلتقينا بعمي وذهبنا الى بعلبك.
في بعلبك كان الوضع صعبا جداً، فهي بلد فقير، وأنا إشتغلت بأوتيل.
أنا رجعت على فلسطين (من بعلبك) على تمرة، كنا 9 رجال، سعيد نايف، أبو محمد محمود يوسف، محمد سليم دوخي، نجيب المزاري، أبو كمال ظاهر، يوسف حسن ذياب (أبة نزيه)، ذهبنا من بعلبك الى رميش لعند إمرأة إسمها خيزر، تشتري لنا أغراض من بيروت وتحضرها الى رميش. كان معنا حمير، نحمّل على الحمير، وعندما نصل الى الخط الشمالي نضرب الحمير لتقطع الطريق، عندما قطعنا وقع كيس من سعيد نايف بالليل، وقال لن أمشي حتى أجد الكيس، وأخذنا نبحث عليه حتى وجدناه. وطلع النهار، فتوقفنا حتى لا ننكشف، فاضطررنا الى ان نتظرنا حتى الليل وذهبنا الى تمرة لعند شحادة التمراوي، نضع البضاعة.
ولكننا لم ندخل الى سحماتا، فهي كانت مدمرة.
«يا ريت أبقى حيّ، بس أرجع وأشوف سحماتا، يا ريت أرجع الى فلسطين، مسقط الرأس لا يُنتسى...»