الشيخ أسعد عبد الوهاب
الشيخ أسعد عبد الوهاب
أنا أسعد مصطفى محمود وعبد الوهاب، مواليد 1928 في سحماتا.
بالنسبة لقرية سحماتا فهي بلد زراعية، تحدها ترشيحا غرباً، البقيعة ومفر سميع (دروز) جنوباً، شرقها كانت بلدتي سبلان وحرفيش، وشمالاً دير القاسي.
بيتنا كان بين الحارتين، فوقنا المدرسة وتحتنا بركة الماء والبيادر. لم يكن حولنا جيران، لأننا في وسط الحارتين، لم يكن في سحماتا طرق رئيسة، ولكن في خطّ في آخر الوقت يأتي الناس من حرفيش ودير القاسي الى ترشيحا ونحن نازلين الى عكا. ومن تحت البلد كان في طريق للسيارات تذهب الى البقيعة وكفر سميع.
عائلة عبد الوهاب يُقال لها عائلة سلمون، كان أبوه في العسكرية، وهي كلمة تركية، والقاردية (إسم أطلق علينا) لأننا من سلالة السلطان عبد القادر الجيلاني.
كان عندنا طرق صوفية تمسى «الحضرة»، ففي كل ليلة إثنين وجمعة، نعمل ذكر.
الطبابة لم تكن متوافرة في القرية، لم يكن في منطقة الجليل طبيب أو ممرض أو مستشفى، كنا نحن القادرية نحكم المصابين والمرضى (عند جدنا).
عندما احتلت «إسرائيل» الاراضي الفلسطينية، جاء اليهود وضربوا سحماتا ووصلوا لعند المقبرة، فإنكسرت الجرافة الأولى ثم الثانية، إستغرب اليهود، وحاولوا معرفة ماذا بالأرض؟! فقال الدروز لليهود هنا مدفونة عائلة القادرية، فاليهود احترموا الموضوع، فأحضر اليهود حديداً وحددوها. ومازالت مقبرة عائلة القادرية قائمة لحد الآن وباقي المقابر حرقت كلها.
ومن قبل ما نخرج من فلسطين كانوا عاملين كبانية من غربي البلد ومن شرقها كبانية لليهود، وكان الخط الشمالي بجانب سحماتا يذهب الى دير القاسي وحرفيش وترشيحا.
لم يكن فيها مقامات سوى مقبرتنا. أما المسجد كان يقع في أراضي بيوت دار الحبشي، قريب وحجمه عادي، كان فيه الشيخ شحادة الحبشي، كان إمامه، كنا نذهب لنصلي فيه.
أما الحجاج كان عددهم قليل جداً، لم يكن في طائرات وسيارات، كانوا الحجاج يذهبون على الدواب والخيل. ويبقوا شهرين ليعودوا. في ذكرى المولد، كانوا يقرؤن المدائح في بيوتهم. أما في رمضان، كانت التراويح تقام في المسجد والناس تصوم.
أذكر في حياة جدي الشيخ محمود كان رجل خيري، كنا نصاحب جدي عند قراءة الختمة، ففي احدى المرات مات أخوه أحمد وكانت الجبانة بعيدة عن البلد، يحملوا الميت بالتابوت، يأتي الناس من حوالي سحماتا ليشاهدوا كيف أن الميت يرجع، أذكر جدي محمود عندما وصلنا الى البركة الجوانية، فسألني هل الجنازة بعيدة عني؟ فقلت له لا، وإذ به يرجع رأسه إلى الوراء ويخيط رأسه بالنعش، ويقول: يا شيخ أحمد الى البيت، وإذ بالناس حاملين النعش داروا فيه وعادوا ولم يكملوا الطريق.
وأيضاً عند وفاة جدي، الظهر بعد غسل الميت، أبي وصل الى الجبانة وقال يا شيخ محمود عد الى البيت، فيرجع المعزين الى البيت ويضعوه، حتى يرجع المرحوم أبي يقرأ الفاتحة ثم يحملوه ليدفنوه.
سبلان كانت قرية صغيرة وكان فيها ولي كنا نزوره باستمرار، نذهب مشي حوالي ساعتين.
أما في ثورة 1936، كانت الناس متعاونة بشكل جدي، كانوا يحرسون ويراقبوا الدوريات البريطانية، كان يأتي ثوار الى سحماتا باستمرار، لأن سحماتا بلد جبلية وليس فيها مراكز بريطانية.
ويعملوا كمائية للدوريات البريطانية التي تمر من سحماتا.
جيش الإنقاذ في آخر المدة كان يخيم في بلدنا (حول سحماتا) وكان في مستعمرة جدّين في قضاء عكا قريبة على قرية الكابري، جاء جيش الإنقاذ وأخذوا الناس ليطوقوا المستعمرة ونزلنا وسهرنا وطلع النهار ولا طلقة نار طلعت، وتساءلنا ماذا فعلنا؟؟
وإذ بالمدفعية تضرب على مجد الكروم، وأصبحت الضربات تأتي قريبة علينا والشظايا تسقط بقربنا، فانسحبنا، وفي النتيجة لم نعرف ما سبب جمعتنا!!! وفي اليوم الثاني كان الإنكليز عاملين خيم، ولكن لم نجد شيء منها.
قبل من هذه الحادثة بـ4 أيام، كنت مع محمود علي نصرة (كان متزوج من البقيعة) وكنا عنده في البقيعة، تغذينا عندهم، وبعد ذلك أردنا الرجوع الى سحماتا، وإذا أمامهم بناية كبيرة فيها بقر كثير، كان قطيع البقر لليهود. وقبل وصولنا لسحماتا بحوالي كيلومتر، وإذا بالطائرات أتت من جنوب ترشيحا وبدأت بقصف سحماتا، فأصبحت سحماتا غمامة سوداء. فاختبأنا حتى إنتهاء القصف، وعدنا الى البلد، فوجدناها مدمرة كلها، ووجدت قنبلة شبيه بقارورة الغاز، قنابل كبيرة، وفي ذلك الوقت كانت الناس غادرت منازلها. وهذا سبب خروجنا من سحماتا. والدي كانا في دير القاسي وليس لي في سحماتا سوى أخواتي اثنتين، فذهبت لأرى أمي وأبي في دير القاسي فلم أجدهم وأمي كانت عاجنة طحين، فأخذنا بعض الأغراض ووضعناها على جحش وجدناه في طريقنا وخرجنا ليلاً من فلسطين مع أخواتي. الى أن التقيت بأهلي بعيتا في لبنان، وسمعنا أن هناك لاجئين يذهبونالى سوريا، فذهبت أنا وأخي وأبي الى طرابلس، وصباحاً وصلنا الى حمى في سوريا، وإذ بالشاحنات واقفة وطلعنا فيها ووصلت بنا الى بلد اسمها الشيحا وكنت آنذاك مع والدي ونسيبنا (زوج ابنة عمنا). وصاروا يعطوننا كل يوم برغل وطحين. في ذلك الوقت كانت معي بارودة ومسدس وخبروني أن أهلي في طرابلس، فبعت أسلحتي وعدت الى طرابلس، لقيت أعمامي وجماعتنا، أعطوني كتاب وقالوا لي إذهب لعند والدك، وأحضره وتعال، فذهبت الى حما وأخذنا برغل وطحين وباعوهم لأجرة الطريق ونزلنا الى طرابلس، حيث سكنّا.
السلاح الذي كان في فلسطين من الهيئة العربية للحجاج وأمين الحسيني، كنا نشتري السلاح بفلوس. وكان السلاح ضعيف جداً.
وسُلّم جيش الإنقاذ للملك عبد الله، وكان هو مندوب للإنكليز، في ذلك الوقت سلّم المدن الرئيسية للإنكليز.
كنا نطلع دوريات حراسة خارج البلد 5 كيلومترات حتى لا يتسلل اليهود الى البلد. الحراسة كانت منظمة من قبل القيادة.
رفاقي كانوا من أولاد البلد كثيرين.
في سنة 1936، في حياة أخي صالح حُرق في البلد عندما جاء الإنكليز لتفتيش البلد وجرى الخراب والدمار. كان أخي عمره 8 سنين في ذلك الوقت. أما جدي فتوفي في نفس العام، توفى وفاة طبيعية، كان طاعن في السن.
قبل عام 48، كنا نعمل بالزراعة والدخان والزيتون، والحصيرة، أنا كنت أدرس في البيادر. كان عندنا معصرتين في الحارة الفوقا وأخرى في الحارة التحتا، وإنتاجنا يبقى داخل البلد.
كنا ننزل ونشتغل في المزرعة بجانب عكا وكنا نزور المدن. كان في باص لرجل من بيت دلالمة ومعه رجل آخر نذهب بها الى عكا، نصل الى عكا ونرجع بنفس النهار، ذهبنا أيضاً الى حيفا وطبريا.
كنا نزرع ونقطف ونشك ونورد دخان، كان في شركة بحيفا لشراء الدخان، يأخذوا جاهز، ويعطونا حق الدخان.
أما مدرسة البلد درست فيها أربع سنوات، كانت فوق بيتنا، كان الأستاذ صلاح النحوي من صفد.
ومن يكبر من الشباب، يقضي الشاب وقته ببيته، ومن يريد إكمال دراسته ينزل الى عكا مثل الأستاذ أحمد اليماني (أبو ماهر).
لم يكن هناك جرائد، أما الراديو كان عند والد الأستاذ نهاد ومه صندوق أغاني.
عند الأحداث في 1948، لم يرجع أحد الى سحماتا بعد خروجنا، لأنها كانت مدمرة.
ما زلت أذكر سحماتا كما كانت. ولكن بعد هدمها، علمنا أنّ الدروز كانون يأتون الى سحماتا ويأخذوا الحجارة وجسور الحديد ويضعوها في بيوتهم.