أنا حسنة ديب نازل منبهان من مواليد 1929 حسبما قيل لي، قرية المنشية قضاء عكا. المنشية قرية مثل منطقة سيروب في مدينة صيدا – تقع فوق عكا على تلة..
المنشية فيها أشغال، وهي غنية كثيراً.. يأتي الناس إليها من جميع البلاد، لأنها سهول.. فيها قمح وبيارات غير العين.
جاء الإنجليز وأخذوا من المنشية جزء من الشرق وأنشأوا فيه مطار للطيران. وأخذ من الشمال أرض لصنع القنابل، ومددوا سكة للقطار لنقل القنابل، لكن لا أدري إلى أين؟
لم يكن هناك مسجد في السابق وكانت الناس تصلي بعكا أحياناً، المسجد بني حديثاً، إذ قام أهل البلد بجمع ليرتين من كل شاب حتى يتم بناء جامع، فجاء واحد إسمه خليل حمده وأعطانا أرض من المنشية لبناء الجامع عليه، ثم جاء شخص آخر من عكا وعمل على بناءه وأخذ أجاره. وكان الشباب تجيل والبنات يزغرتوا ويغنون عند بناء الجامع. وأول من صلى فيه هو نعمة العوض، ثم خالي.. وأمانة هو نمر السخيني.. ولم يكن عنا مسيحيين ولا دروز وشيعة، فسكان القرية جميعهم مسلمين سنة..
كان في مدارس بالمنشية لغاية الصف الثالث، والمراحل الأعلى في عكا لمن يريد أن يكمل تعليمه. أنا لم أتعلم، ولكن أخوتي ذهبوا ليدرسوا، وكانوا يقولون أن البنت «عيب» أن تتعلم.
أخوتي أنهوا التعليم بالمنشية وذهبوا الى عكا، وكان يعلمهم بعكا معلم من مصر. وأمي كانت تعزمه على الغداء. كان عنا طرش ومعزى وحليب. فكانت أمي تعزمه حتى يهتم بأخوتي بالمدرسة. في المدرسة كانوا يرددوا النشيد الوطني. ومعلم المدرسة من ترشيحا إسمه إبراهيم السخنيني.
المنشية فيها ماء كثير.. فيها عين العسل (عين لاتيني) كانت تأتي من الكابري الى السهرية ثم الى المنشية ومنها الى عكا.
المواتير عندنا كانت كثيرة.. الوحمة له موتير، علي عطر له موتير، دار الرستم لهم موتير، دار دعبس له إثنين، دار السخنيني لهم واحد، فستم له واحد.. كلهم يصب بأرض المنشية.
الموتير. هو موتير ماء بئر من الأرض.
في البلد كانت عندنا زراعات كثيرة مثل الباذنجان والذرة والخيار واللوبياء وكل الزراعات موجودة، وكنا نصدر الى حيفا وعلى عكا وكان بجانبنا «البهجة» أرض نسميها هكذا مليئة بالحامض والليمون والجريب فروت وكل شيء من الحمضيات. نأخذ منها الحمضيات لذلك لم نزرع الليمون ... كنا نزرع أشياء أخرى..
كان أبي عنده 30-40 رأس معاز، والناس عندهم بقر، كان بجانبنا بستان إسمها «الدبويا»، فيها كل أنواع الزراعات، وكنا نأخذ منها بنصف القيمة، من يشتغل الصبح لغاية الساعة 2 ظهراً، ثم يشتغلوا بأرضهم، وكان الناس عندهم نقوداً كثيرة، وكنا نشتري بالنقود ذهب، أقل إمرأة عندها بين الكيلو والكيلو ونصف كيلو ذهب، بعض الرجال كانت يعملون بأرض الدولة مثل البويا ومن ثم يعودون ويعملون بأرضهم.
أما النساء كانت تحيك الملابس وتطرز، «أنا كنت أشتغل بالنهار بالزراعة وتنظيف الأرض تحت الطرش، وبالليل أعمل بالحياكة».
تقول أم نمر بكل صراحة: «يا ليتنا متنا ولم نخرج من المنشية، ولكننا لم نخرج بإرادتنا.. بعد ضربة دير ياسين وكانوا الرجال خائفين على عرضهم. لهذا خرجنا، فاليهود كانوا مجرمين.
كان الإنجليز سنة 1936، وكانوا يقتلوا ويعذبوا.. وعند خروجهم وجلائهم أحضروا اليهود بدلاً منهم بفلسطين. وكنا أصحاب قبل ذلك مع اليهود الذي كانوا يسكنون في فلسطين، كبانيات، وكنا نعزمهم على أعراسنا.. ونشتغل مع بعض.
يوم خرج الإنجليز، أصبح ممنوعا علينا التجول، وماذا كانت الحكومات تعمل؟! يأخذون باخرة إنجليز ويحضرون بدلاً عنها باخرة يهود عبر حيفا، هؤلاء اليهود هم جلب (هم من قطع بنا). ولكن يهود فلسطين كانوا يحبونا، فعند حدوث الأحداث بعثوا لنا أرواق صفراء طالبين منا أن نبقى مع بعضنا. وهناك من كان من أهل المنشية يتحدثون العبرية.
في يوم جاء كبار المنشية مثل: حسن دعيبس، وحمود، وياسين مناع، ونمر مناع، وعلي العبد الله وحسين الحاج حسين. ونمر السخنيني (كان مختار) وثم أبو الأمين خريبة (أًصبح مختار) إسمه علي خريبة، فقال كبار البلد أننا نريد شراء سلاح، فأخذوا من كل شاب ليرتين، ومددوا كهرباء حول البلد لإنارة البلد ثم قسموا عليهم ما يجب شرائه من الأسلحة، فإشترى كل بيت قطعة سلاح، فاشترينا قطعة سلاح ولكن نقصت النقود 15 ليرة. كان سعر البارودة 100 ليرة، فقال أبو نمر أن النقود لم تكفي، فأعطيته ذهبي ليرهنهم، فأخذ الذهب ورهنه عند ذياب أبو هيكل بالمنشية، يكون خال أبو نمر، وأخذنا 20 ليرة واشترينا البارودة بـ 100 ليرة واشترينا رصاص (ثمن الصندوق 6 ليرات).. ثمن الرصاصة 6 قروش فلسطيني. وأخذ الشباب يتدربون بالسهل على الرماية. تدريب خوفاً من هجوم اليهود سنة 1947. وكانت النساء تذهب لتدرب أيضاً، كانت غزالة أبو زيد مثل الرجال تتدرب، وسعدة أم علي كانت تضرب بالبارودة. أما أنا فكان من زوجي لا يريدني أن إقترب من البارودة.
قبل أن يدخل اليهود الى بلادنا، كان حسين الحاج حسين عنده تراكتور، فحفر حول البلد استقامات فأخذوا يحرسوا البلد. وصعدت مجموعة من الشباب على تل الفخار (مقابل جبلنا) يقال له جبل "نابليون" لحماية المنطقة. وبعد شهرين جاء جيش الإنقاذ وطلبوا من الشباب النزول، وبقي عناصر من جيش الإنقاذ على الجبل. وصار أهل البلد يكرم الجيش ويرسلوا لهم الأكل. وفي صباح أحد الأيام وأن أعجن وأبو نمر يحرس سمعنا إطلاق النار. فخرج أهل البلد الى الجبل ليروا جيش الإنقاذ. وبدأ إطلاق النار عليهم وتصاوب أبو العوف وطفل صغير، وعلي طوقان وبدأوا بالإنسحاب الى أن عادوا الى المنشية. اكتشفنا بعدها أن من كان يطلق الرصاص هم اليهود بعد تسليم جيش الإنقاذ المنطقة لهم. وظل اليهود يزحفون أهل البلد حتى سيارة كايد (بالمنشية). وبعدها قرروا إخراج النساء والأطفال والكبار على الدبويا، وبقينا هناك مع البقر والخيل، ثم خرجنا مشياً الى كفر ياسين، وبقي الرجال لكن بعد ما صار هناك نقص في عدد الرجال في عكا، ذهب بعضهم اليها ليحاربوا. وجاءهم نجدة عرب وأعطوهم سلاح وصناديق ذخيرة فأخذ منه الشباب وإذ بالسلاح معطل وصدء.
وكانت النساء تأخذ الرصاص وتجليه من الصدأ، ولكن دون فائدة لان الرصاص تبين أنه فاسد. فضربوهم بالمجافع وجرح واستشهد عدد منهم.
سقطت عكا، فعاد بعض الرجال إلى كفر ياسين. واستقبلونا خير إستقبال وهناك لحق بنا اليهود، كان عندي ولدي نمر، ولم آخذ شيئاً أخر من البيت فقط معي إبني. ولحق بنا اليهود يريدون القبض على الشباب، فقام الخوري المسيحي بفرد اللحان ووضعها على الكنيسة وبقي الشباب هناك، ونحن النساء، خرجنا الى جولس ثم على بركة تحت الزيتون، ثم قيل لنا إذهبوا الى سحماتا.