جدتي مريم كانت متزوجة رجل قبل جدي، ولم ينجب منه، فتركته وورثت منه أرض وورثت من أهلها، وتزوجت جدي، فأصبح لجدي كمية كبيرة من الأراضي. هي جدتي مريم (أم محمود) بنت الحاج عبد الرحيم. وأنجبت ولد واحد. فأخذ يزرع الأراضي، فكان كل ما يزرعه يكفيهم. فجدي أيوب كان عنده ثلاث أولاد وثلاث بنات، وكان يعمل جهده ليلا ونهارا مع جدتي أم محمد (أمه لأبو خلدون أيوب)، حتى يعملوا شي لأبنائهم، وعند خروجنا من فلسطين كان عندهم أراضي كثيرة وخيرات أكثر، ولكنهم لم يستفيدوا بقرش واحد وكل التعب ذهب أدراج الرياح.
وعند خروجنا إلى لبنان، عاش سنة وتوفي بعدها بسكتة قلبية من القهر والبكاء، أما جدي أنا، جاء وأخوه من الأرجنتين، أبوهم كان متوفي وكان عنده ولدين وثلاث بنات، فقسموا الأرض بينهم، وعملوا فلاحين، حيث كانوا يعملون في الأرجنتين ما يصح لهم من عمل، وعند عودتهم عملوا بأرضهم وتخصصوا بالزيتون والدخان فظلوا يعملون بها حتى خرجنا من سحماتا، وجئنا الى لبنان، وفي لبنان عملوا أجيرين عند المزارعين، فكانوا يعملون بالبقاع، بالحليشة وبالبطاطا والبصل، أشغال البقاع.
والدي هرب للبوليس هريبة، لا يريد العمل بالأرض، كان يخبرني، أنه جاء ووجد الأرض كبيرة وليس له أخت ولا اخ، فذهب، إلى البوليس ويقبض 20 ليرة فلسطيني، بكل سحماتا لا أحد يأخذ هذا المعاش إلا الموظفين بالبوليس، كان كثير من سحماتا يعملون بالبوليس، كان أبو شريف عمر الحاج هاشم، أبو وليد سعيد جميل، محمود يوسف أبو محمد محمود، فكان الشباب يعملون بالبوليس من أجل النقود.
أهل سحماتا كان عندهم خيرات كثيرة ولكن ليس معهم نقود، كل الناس عندها رزق ولكن ليس نقود لأن الدخان يبعوه بتراب الفلوس، الزيت كان ممنوعا على الفلسطيني أن يبيعه إلا بفلسطين، فلما يستورد الزيت الإسباني، ينخفض ثمن الزيت البلدي.
ولم يكن في بلدنا زراعة خضار إخرى فقط الزيتون والدخان، فالفلاح يعتمد عليهما فقط. عمل والدي بالبصة فترة، وفي الناقورة واشتغل بعكا، فكانوا حراسات، كانوا بوليس إضافي (ليس رسمياً) أبو وليد سعيد جميل كان بوليس رسمي (على طول) الغير رسمي مساعد للشرطة، وعمل سنة وكم يوم وتم تسريحه 29/3/1948.
كانت بريطانيا ستخرج، فتم تسريحه لتقليل الموظفين. والدي كان عنده سلاح له ولجدي، وأعتقد لم يحضر بارودته معه، فتركناها بالبقيعة عند أناس دروز. كانوا يشترون السلاح.
كانوا الفلاحين يشترون كل بارودة شكل، كل بندقية تختلف عن الثانية وقديمة ومهتّرية، واليهود يحاربوا بسلاح جديد، ولكن الفلسطيني يكون معه رصاصة، يطلقهم ويرّوح، واليهودي يأتيه سلاح من الخارج وبريطانيا تمولهم ومتدرب، لا أعتقد أننا كنا سننتصر عليهم بهذه الظروف.
مرة إسغربت كيف كان الشاب الصغير عمره 16 سنة يذهب إلى الأرجنتين، من أين له ثمن التذكرة؟!! بذلك الوقت أعتقد كانوا يذهبون مجاناً، لان الأرجنتين تريد مهاجرين إليها، هي بلاد كبيرة، فتحوا باب الهجرة من فلسطين ولبنان وسوريا اليها مجانا حتى يسكنوا الأرجنتين.
هناك من سافر الى الارجنتين واستقر فيها، ومثل جدّي وغيره لأن والده توفي واستطاعوا المجيئ الى فلسطين بعد ذلك، وإلا لم يكونو ليأتوا إلى فلسطين من أجل أخوتهم البنات والأرض.
جدي حدثني عندما ذهبنا إلى الأرجنتين ونحن بحيفا راكبون على السفينة من حيفا باتجاه بور سعيد، كانوا المصريين طوال ومرتدين جلابيات ولا نفهم عليهمم حديثهم. ومن بور سعيد أكملنا الى جنوى في إيطاليا، وهناك شاهدنا بركاناً بالليل يضيء، وبالنهار يخرج الدخان. بقيوا في جنوى 5-6 أيام بالسفينة الصغيرة حتى جاءت سفينة كبيرة عابرة المحيطات، وذهبوا عليها. بجنوى يحدثني جدي وأبي لابسين الحطة والعقال والقنباز، اشترينا بدلات ولفينا الملابس الفلاحين ورميناهم بالبحر، وذهبنا إلى الارجنتين وبقوا شهر أو أكثر لا أذكر لا نرى أي الشمس تخرج من الماء وتغيب بالماء لم نرى أراضي ولاجبال وعلى السفينة كان هناك شجر مثل البستان.
وعند الوصول الأرجنتين، لم نكن نفهم على أحد ولا أحد يفهم علينا، كنا نجلس أنا ونبكي أنا وجدك (والدي جدي)، مرت سنة وصرنا نتكلم إسباني مثل أهل البلد هذا الحكي على لسان جدي (أبو محمد حسن أيوب)، ولكننا لم نتعلم القراءة والكتابة وتعلمنا الإسباني، وعمل بعدها بمصنع علب لحمة، وعلى طنبر (عرباي وخيل) وعليها ملابس ومحارم وأشياء، الحصان كان يعرف البيوت، عندما يصل على باب البيت يقف لوحده، والنساء تخرج من البيت لتشتري مناشف وملابس.
في إحدى المرات كانوا جالسين يتسامرون، فجاءهم مكتوب من سحماتا من عمتي شيخة (الكبيرة) تقول فيه إن والدكم توفي، فذهبنا واشترى سيدي حسن تذاكر وجاء الى فلسطين لوحده بالأول، وبقي بالبلد، ثم جاء سيدي أيوب الى سحماتا بعده. يقول سيدي حسن عندما وصلت الى عكا كانت الجبال كلها بيضاء من تساقط الثلج، لبس ملابس سوداء واستأجر حصان أسود وذهب إلى سحماتا. فوالدتهم تعرفه بالأول (غاب 11 سنة) كان مراهق وكبر. وجلسوا بالبلد وتزوجوا، سيدي أيوب تزوج بنت الحاج أسعد وسيدي حسن أخذ بنت الحاج عبد الرحيم، أكبر إثنين من دار قدورة.
كل الذين ذهبوا ال الأرجنتين (على حد القول كان عدد الذين ذهبوا على الارجنتين من سحماتا عددهم 70 واحد) وعند عودتهم كانوا يتحدثون الإسبانية.
الشباب الذين ذهبوا يتعلموا بإسبانيا (الدكتور كامل، وحافظ عبد الله سعيد، وعلي قدورة ابن أخوه محمد عبد الله الاستاذ محمد العبد) هم من جيل واحد ذهبوا ليتعلموا في إسبانيا، وبقوا هناك سنة وعادوا إلى الراشدية ليزوروا أهليهم، حافظ عبد الله جاب الشباب لعند جدي ليتحدث معه الإسبانية، منهم يعرفوه يتحدث الإسبانية، فجلسوا وتكلموا معه إسباني وكان سمعه خفيف، وعندما سمعهم يتحدثوا الإسبانية، بدأ بالحديث بطلاقة أكثر من الشباب الإسبانية.
كان ابو محمد كامل فاعور (تل الزعتر) وتوفى بالزعتر، تعلق بالأرض كان له أخ إسمه كمال (مرض وتوفى هناك) الإسباني. وأمه بسحماتا طلبته فذهب إليها، كان يكتب رسائل الأخوة بالإسبانية، حتى وهو ختيار كبير بالعمر.