قصة طرد مختار عمقا واولاده واحفاده مع بعض العائلات العمقاوية من ارض فلسطين
بعد توقف القتال على جميع الجبهات المحاذية للمناطق التي أصبحت تحت سيطرة العصابات الصهيونية بدات القوات الصهيونية مداهمة القرى والبلدات والمدن ينتقمون منها ومن اهلها بطرق مهينة ومذلة تارة بالتدمير والتهجير وتارة أُخرى باعتقال الاهالي واقتيادهم الى السجون واحياناً بالقتل دون شفقة ولا رحمة. من القرى التي تم مداهمتها وكان يتواجد فيها الكثير من أهالي عمقا قرية جت الجبلية ومن ضمن اللذين كانوا فيها هم ابي وامي واخواني واخواتي، كنا نعيش في دار صغيرة يملكها الضابط سليم كانت تقع هذة الدار جنوبي البلدة.
حينما داهمت العصابات الصهيونية تلك القرية ودخلتها خلسة طوقوا البيوت واقتادوا الاهالي صغاراً وكباراً نساءً ورجالاَ الى ساحة القرية، صفوا الرجال والشباب صفوفاً وتجمعت النساء جماعات وكان الخوف بادياً على وجوه الجميع والرعب مسيطراً على احاسيسهم ومشاعرهم والجنود مسلِطين بنادقهم على الأهالي من أمامهم ومن سطوح المنازل، وقد إشتدت مخاوف كل الذين كانوا في الساحة عندما جَلب أحد افراد الصهاينة أحد أبناء قرية عمقا المدعو فارس ابو جاموس مُقيداً بالحبال الى الساحة مُكبلين رأسة بين رجلية وبدأوا يتقاذفونة بأرجلهم كالكرة ولم يتركوة حتى غاب عن الوعي يعاني من الامة وجراحة ولا أحد يستطيع الاقتراب منه .
في تلك اللحظة اقدم احد الضباط ووقف امام صفوف الرجال وعلى مسمع من الحضور يقرأ ورقة بين يديه قائلاً بلهجة بدوية : عدل الصف زين، لعن الله ابوتشم عدلوا الصف زين والا قتلت الجميع عدلوا الصف لعن الله ابوتشم عدلون الصف، وبدأ يقرأ بعض الاسماء ليخرجوا من الصف وليقفوا في ناحيةٍ هو حددها وبعدما كان ينادي الاسماء وحدها قام بتحديد التالي حسين علي عبد الرازق ابن مختار عمقا، عبد الحميد احمد من ابناء قرية عمقا، محمد الاسعد من ابناء قرية جت. وبعد فرزهم بدأ يدخلهم واحداً واحداً الى حيث يقيم قائد الفرقة في بيت الشيخ نجيب الاسعد وبعد أن تم التحقيق معهم فرداً فرداً، لقد كانت اسئلتهم تدور حول مقاومة اهالى عمقا للعصابات الصهيونية ولقد عَذبوا والدي وكادوا ان يقتلوة بخرق جسدة في مقدح (درل) ولولا رحمة ربة إذ حضر وقت التعذيب الشيخ/ جبر داهش وبعض زملائه وشفع له ،انما لم يخلوا سبيلة وتم ترحيله الى قرية يانوح التي كانت تقع على مرتفع قبالة قرية جت مشياً على الاقدام. وبنفس الطريقة السابقة التي استعملوها في قرية جت جمعوا الناس على البيادر واهانوا من اهانوا وعذبوا من عذبوا واخبروهم بأن السلطة أصبحت بأيديهم فلم يعد للانكليز اي سيطرة عليهم ولم يبقى للعرب اي نفوذ وانهم الان دولة ذات سيادة وعليهم جميعاً التقيد بكل الانظمة التي تصدر عنهم، وبعد أن انتهوا من قرية جت وقرية يانوح اطلقوا جميع المعتقلين ما عدا والدي حسين علي عبد الرازق وابن عمته عبد الحميد احمد الذين رحلوهما معهم الى مدينة ترشيحا حيث كانت تتمركز احدى قواتهم داخل المدينة وما ان وصلوا الى ترشيحا وانضمامهم الى القوات المتواجدة هناك اقتادوا السيد عبد الحميد الى غرفة منفردة في مكان ما من البلدة اما والدي حسين علي عبد الرازق وضعوة في قن دجاج مملوء برزمات الدخان مكبلا وجهه الى الارض ورزمات الدخان معلقة فوقة، وعند منتصف الليل والعتمة تخيم على المكان والمطر ينزل بغزارة جاءوا بجيب مكشوف وحملوا والدي وعبد الحميد في ذلك الجيب وربطوهما بسقفة واقفين مكبلين اليدين والرجلين مغمضي الاعين يعانون شدة البرد والمطر المنهمر على رؤوسهم واتجهوا بهم الى جهة غير معلومة حتى وصلوا الى احد السجون وعلموا فيما بعد انه سجن عسقلان جنوب قلسطين.وزيادة على ما تعرضوا له من عذاب جسدي بضرب مبرح جاعلينهم فرجة للناظرين من بنات ورجال لقد وضعوهم في غرفة مملوءة بالماء والحرامات والاغطية مبللة بالماء وهو نوع من انواع التعذيب كي لا يستطيعوا النوم، كما كان هناك نوع آخر من التعذيب مورس عليهم وهو بأن المرحاض كان بعيداً عن مباني السجن واذا اراد السجين الذهاب لقضاء حاجته كان لزاماً عليه ان يذهب عارياً من الملابس وكانوا يضعون امامه فتيات لكي لا يستطع التغوط خجلاً وتصيبه حالة من الامساك. بعد فترة زمنية جرى ترحيلهم الى الحدود اللبنانية ، والتحذير بعدم العودة او محاولة التسلل مرة اخرى واذا ما حدث ذلك التسلل يوماً فإن الجزاء سيكون صارماً ولا رحمة فية ولا شفاعة مقبولة.
بالرغم من التحذير ففي اليوم التالي ليلا قرر والدي وزميله العودة تحت اي ظرف من الظروف وباشرا بالانتقال من لبنان الى فلسطين وكان ذلك براً ولم يمنعهم من ذلك لا حجر ولا بلان ولا حيوان مفترس ولا شوك متحملين المصاعب حباً بالعودة الى وطنهم ولقاء اهلهم واحبتهم.
لقد وصلوا الى قرية جت السيد/ عبد الحميد حمل اهلهة وغادر الى لبنان ولكن والدي رفض الذهاب معه وانضم الينا حيث كنا نقيم في احد بيوت القرية وقد حاول البقاء في قرية جت إنما إخوانة ووالدة الذين كانوا يقيمون في قرية كفر ياسيف أصروا علية ضرورة الإنتقال من قرية جت الجبلية الى بلدة كفر ياسيف الساحلية ورضوخاً لرغبتهم انتقلت اسرتنا الى قرية كفر ياسيف وبإنتقالة التم شمل أسرة المختار وتم لقاء بعض الأهل والأقارب.
وبالرغم من معانتنا لما نواجهه من عناء تشردنا وإبعادنا عن قريتنا وتدمير بيوتنا الا ان الصاهينة قدموا الى بلدة كفر ياسيف وطلبوا من الأهلي الموجودين تسليم اسلحتهم خلال اسبوعين وحذروهم من عدم الالتزام بذلك وان عدم تسليمهم لاسلحتهم سيعرض الصغير قبل الكبير الى الابعاد خارج البلاد فوراً وهذا مصير عدم الانصياع للاوامر.
عندما عاد الصهاينة بعد اسبوعين بدأ اليهود بمطالبهم بتسليم السلاح لم يذعن جدي مختار عمقا لمطالبهم ولم ُتخفه تهديداتهم ولكنه وقف معارضاً لهم متحدياً جبروتهم الى ان داهمت احدى فرقهم بيتنا وجمعت من فيه رجالا ونساء واطفال وقد كان غائباً عن البيت عمي عبد الذي كان في قرية يركا واخي رشدي الذي كان عند جدتة حاجه محمد الذيب وانا صبحي كنت في المدرسة واركبوا الجميع في شاحنات بما فيهم انا بعد ان احضروني من المدرسة كما ،اذكر بعض العائلات العمقاوية التي تم تحميلها وهم عائلة سليم المجذوب واولادة، عائلة صالح خباص واولادة، عائلة خليل شاكر واولادة، عائلةابو انيس زيدان واولادة وغيرهم لا اذكر اسمائهم.
كم كانت ساعة الرحيل صعبة على الجميع وكان ذلك امام جمع غفير من اهالي البلدة وقد كان وقعه مؤلماً محزناً وان الكثير منهم كان يزرف الدمع لمشاهدة هذا المنظر وهو لايستطع فعل اي شيئ وقد كان السيد / يني رئيس البلدية موجوداً والشيخ جبر داهش من يركا والشيخ حسين داهش من يركا وقيل ان الشيخ جبر كان يبكي ويلوم اخيه الذي لم يفعل شيئاً حين جمعوا الناس.
وتوجهت الشاحنات بالجميع الى جهة عير معلومة الى ان رمت بهم بالقرب من بلدة جنين وكان الخوف الذي يهز الابدان والمطر منهمراً على ارض تربتها حمراء رطبة، الرصاص متهافت كالمطر من الجانبين العربي واليهودي ولم يتوقف اطلاق النار إلا بعد ان وصل صراخ المبعدين نساء ورجال يا ناس نحن عرب... يا ناس نحن عرب، مع الصوت توقف تبادل اطلاق النار بين الطرفين ، وتمكن المبعدين من الوصول الى جنين منهكين من التعب والاعياء بادياً على وجوههم الزعل والغضب والبكاء على ما آلت الية احوالهم من دمار لمنازلهم وتهجيرهم من اراضيهم وضياع وفرقة عن احبائهم من الاهل والاقارب.
لم تنتهي عملية الترحيل عند جنين ، انما استمرت وتوقفت بالقرب من نابلس في منطقة يقال لها عين بيت الماء او بلاطة وبقينا حوالي ثلاثة اشهرفي ذلك المكان وقد كانت الاوضاع مزرية تفتقر الى كل مقومات الحياة والعيش ، وانني اذكر مشكلة قد حصلت لعدم وجود فراش ان اثنان من الاجئين قد اختلفوا على زمبيل من التمر كل منهم يريد ان يأخذه لينام اولاده عليه ولولا رحمة الله وحكمة العقلاء لكان قتل احدهم الاخر واذكر منهم السيد سليم المجذوب. وبناءً على نصائح بعض معارف جدي وخاصة ان اخوانه واكثر اهلة كانوا قد هُجروا الى لبنان فقد قرر الذهاب الى لبنان. لقد شارَكَنا في الرحلة الى لبنان السيد سليم المجذوب وعائلتة وهكذا ركب الجميع في سيارة شحن وقوفاً وقعوداً من نابلس الى عمان ومن عمان الى لبنان وفي لبنان اخذونا الى مخيم البص ليلا ولم نبقى في البص سوى تلك الليلة ثم انتقلنا الى قرية جويا اللبنانية الجنوبية وقد انضم الينا من فلسطين اخي رشدي الذي كان في قرية كسرى مشياً على الاقدام. لم تطل مدة اقامتنا في قرية جويا واعتزمت العائلة الرحيل منها والذهاب الى بيروت حيث كانت تقيم بعض العائلات العمقاوية ومعظم أسر عائلتنا كانوا هناك في منطقة النهر.وبعد فترة انضم الينا عمي عبد عبد الرازق بعد ان رحلته القوات الصهيونية الى نابلس وبمساعدة من السيد عبد المعطي البرغوتي تمكن من مغادرة نابلس الى لبنان وبه قد التم شمل عائلة مختار عمقا الشيخ علي احمد عبد الرازق.