سليمان فرحات – البصة
نمنا تحت الشجر ولم نبتعد على اساس أنه بعد الهجوم سنرجع الى فلسطين
أنا مواليد 1933، سليمان مصطفى فرحات من البصة قضاء عكا.
البصة هي قرية تملك أراضي وبساتين واسعة، فيها أشجار الليمون والفواكه. تشتهر بزراعة الخضار مثل الكوسى والبصل والملفوف.
الشارع الرئيسي للبلد من قبلي، تدخل للشمال طريق طولها 3 كلمن تمر بداخل البصة، ثم هناك جامع وبعده يأتي بيتنا.
بيتنا في غرفتين ومنافعهم وفيه حديقة، دونم، مزروعة رمَان وخضار، وتُروى برشاشات ماء، لأن العين كانت على موتير وتضخ ماء للبلد وكان عندنا ماء وأفرة، تسقي الأراضي بالرشاشات.
والدي إسمه مصطفى سليمان فرحات، وكان يعمل بالأرض، وكان يملك سيارة ويعمل عليها.
شيخ الجامع كان أحمد المغربي "وهو من المغرب" وهناك شيخ ثاني لكن لا أذكر إسمه، وهذا الشيخ علمنا بالمدرسة دروس الدين.
المدرسة كانت مدرسة الحكومة للبنين، ولم يكن هناك تعليم للبنات، كان عنا عيب أن تتعلم البنات. وفي المدرسة للصف السادس، أنا لم أكمل السادس بسبب الهجرة من البلاد.
في البصة عدة مقاهي، مثل مقهى عطالله عبيد الكنعاني، وقهوة أحمد، وفي ببلدنا قسم إسمه المشيرفة، يبعد عن البصة، كلم باتجاه الغرب وتقرب على شاطئ بحر، فكان هناك قهوتين، واحدة للنصراوي على الخط العام اللبناني الفلسطيني، وأخرى بالداخل لأحمد فانوس، كنا بالصيف نذهب الى المشيرفة للسياحة والرفاهية. والذين لا يعملون يذهبون الى القهوة أيضاً.
الناس كانت تعمل بالبساتين والخضار، ولا يوجد حرف مميزة.
تشتهر بلدنا ببلد الزيتون، فهي من أكثر البلاد فيها زيتون بعد الرامة، وعندنا معصرة لخضر الأحمد وهو مختار البلد، وكان الأجر يكون بالنقود أو حصة زيتون أو زيت. كنا نضيئ السراج والقنديل، لم تصلنا الكهرباء في ذلك الوقت.
بداية النكبة كان عندنا ثوار ضد اليهود، ويطلقون النار على اليهود، وجاء الجيش البريطاني لمعاونة اليهود، فأرسلوا طائرات تقصف الثوار فقتلوا منهم حوالي 13 مقاوم، منهم 3 أقرباء لي وهم توفيق الجمل وعمه لأبو نمر إسمه خليل فرحات وأحمد الجمل. الثوار كانوا من البصة ومن القرى حولنا.
من عائلات البصة، خضر الأحمد، محمد الشيخ، مصطفى الشيخ، يوسف أبو علي، وهم وجهاء القرية.
البصة تحدها الجبال، وفوق البصة في مستعمرات مثل حانوتا، يعصوبا، وقرية الزيب ومنها إلى عكا. كان عندنا كنيسة بالبصة، وكنا على علاقة جيدة فيما بيننا. نعيش حياة مشتركة بالأعياد والأفراح والأحزان.
أعراسنا كانت عربية للكل، عند الخطبة، كان الوالد هو ينقي ويطلب العروس للولد دون طلب العريس. أما العرس كان يطول 3 – 5 أيام، كان عنا واحد يدق على الطبل لكل البلد، ويصف الحاضرون ويصفقون "السحجة" ويقولوا: "سيف الدين الحاج أمين" فهو شيخ مسؤول عن المقاومة.
الثوار كانوا يجرون حراسات ومجموعات ودوريات في كل مواقع أطراف البلد.
الثوار كانوا يشترون السلاح من لبنان، ومن هذه الأسلحة أسلحة فاسدة تنفجر بالشخص الذي يستعمله.
عند التهجير، خرجت الناس كلها مع بعضها البعض، قسم منهم مسيحية (يعادل نصف البلد) وهاجروا إلى لبنان حيث مكثوا بالراشدية (صور) وقسم بمخيم ضبية (شمال بيروت).
في رمضان، كنا نعيّد مثل العادة، ومثل هذه الأيام كنا نعمل الكعك الأصفر على الطابونة، وكذلك عيد الأضحى، ولكن لا أذكر أن الكل كان يضحي أضحيات بسبب قلة النقود، فقد كانت الحكومة البريطانية تمنع المزارعين من بيع محصولهم.
كان المزارعين يبيعون محصولهم في لبنان، ويشترون كيس "أبو حز" أحمد بقرش أو قرشين، يعني يباع بأرخص الأثمان.
والدي يعمل على سيارة، على خط عكا- البصة، له موقف للسيارات عمومي. وكان في سكة باصات.
كان هناك ناس كثير عندهم سيارات، أذكر واحد من بيت سكري.
البصة ملاصقة لحدود لبنان، الناقورة، وعند التهجير خرجنا من البصة الى الناقورة. فسكنّا بالناقورة، بقينا هناك شهر، الى أن جاء الجيش ومنعنا من السكن هناك بسبب أنه يريد مهاجمة اليهود من الناقورة.
فخرجنا ونمنا تحت الشجر ولم نبتعد على اساس أنه بعد الهجوم سنرجع الى فلسطين. فإنتظرنا لحد الآن ولم نعد.
كان إستقبال أهل الناقورة لنا جيد، فقد كنا جيران وعلاقتنا جيدة. وثم ذهبنا الى قليلة، ثم الى صيدا ومرجعيون، كان أبي معه سيارة وتوظف بالوكالة لتوزيع الحليب لمرجعيون والخيام والقليعة والمجيدية.
فسكنا بمرجعيون سنة، ثم ذهبنا الى الراشيدية لحد الآن.
أن أعتقد أنه لا بديل عن الوطن ونريد العودة، لأن الأرض أرضنا وهي مباركة بإذن الله، ونحن نطلب وطناً كاملاً.
أنا لا أملك أي شيء هنا بلبنان، كل أملاكي هي بلدي فلسطين.