موسى إبراهيم – الغابسية
أنا موسى إبراهيم موسى الفارس من الغابسية قضاء عكا، مواليد 1941.
خرجت من فلسطين بعمر 7 سنوات، فلا أذكر الكثير وعملي قليل "عمل ولاد". مؤلفة القرية من 7070 شخص، الغابسية قرية صغيرة. والعائلات فيها كانت تعيش على زراعة القمح والشعير، ومنها ترعى الطرش الماعز والبقر.
من أسماء عائلاتها، دار عوض، دار ياسين، دار أسعد المحمود، هذه من أهم العائلات البارزة.
القرية على تلة، تحدها الشيخ داوود عن يمينها، الكابري، النهر، أم الفرج، ومستعمرة نهاريا قريبة عليها أيضاً. الغابسية تبعد عن البحر 10- 15 كلم. نحن نعد على الساحل، فوقنا قلعة جدين، وفوقها ترشيحا.
وصارت معركة الريَس بالكابري، اليهود كانوا بقلعة جدَين وهي محصنة وكانت الأكل يُنزَل للقاعة بالطائرات، فجاءت قافلة لليهود فيها مصفحات ودبابات، فعملوا أهل القرى كمين لها في معكرة الريَس، ومات فيها حوالي 90 يهودي، ومنعوهم من الذهاب لهذه المنطقة.
في هذه المعركة كان الأهالي يسخدمون ما يملكون من أسلحة ضعيفة وضئيلة وأضعف الإيمان هو أن يقاوم ولو برش كاز على المصفحات لإحراقها.
القرية عبارة عن ساحة كبيرة في وسط البلد، وفي آخر المدة زفتَوا الطريق، والجامع يفتح على الساحة، وفيها مدرسة متواضعة للبلد وكان يدرس فيها أستاذ عبده الأحمد. أنا درست بالمدرسة سنة قبل ما نطلع من القرية.
جامع القرية عبارة عن حجرة موجود منه فقط بجامع الجزَار بعكا، حجر صن.
كان عدد المصلين قليل، فكانوا عند صلاة الجمعة ليكملوا العدد للأربعين يأخذون أي أحد مار بالطريق ليكملوا العدد ويصلوا جماعة بالمسجد.
هناك مقبرة شمال البلد على الطريق العام ونحن خارجين من القرية تظهر واضحة. البيوت كلها معمولة من حجر وطين. هكذا البيوت القديمة، وليس هناك سوى عدد قليل من العائلات الميسورة الذين يملكون بساتين مثل بيت عوض لهم بيوت من باطون.
كان الأهالي يحضرون خشب ويضعوا عليه قصب ويضعوا عليه تراب ويدلكوا بمدحلة صغيرة يضعون عليها عكر الزنت ويعمرا البيوت فيها وفي الشتاء كانت تحمي من البرد والشتاء وفي الصيف تحمي من الحر..
الإنارة كانت بالسراج، سراج الزيت الفتيلة.
مونة البيت كانت معتمدة، مثلاً جارنا كان عنده حديقة صغيرة ومزروع فيها نوع ليس لدينا منه فأذهب لمساعدته في الحصيدة وأخذ ما يقصني من عنده هكذا، مثلاً جاري عنده زيتون فأساعده في الزيتون والزيت وأخذ نصيبي ومونتي. وهكذا يتم بالخضار والفواكه.
وكأنها إشتراكية إسلامية والإنتاج الفائض من قمح وشعير وعدس، كل واحد يمون حاجته والباقي يأخذوه الى عكا ويبيعونه، سواء زيت وزيتون وقمح حتى الحليب واللبن.
أنا لم أذهب الى عكا، كانوا يذهبون مشياً أو على الدواب، النساء كانت تأخذ دست اللبن على رأسها وتذهب مشيا لتبيعه. وتشتري أغراض من عكا وترجع ماشية.
ويجب أن تعرف أن البلدة التي تأكل من منتوجها وتلبس من منتوجها فهي بألف خير من الله.
وبعد ذلك دخل الإنكليز على الخط، وصار الإنكليز يبيعون شوال الطحين "أبو سبلتين" بأرخص الأثمان، فصار الواحد يحسب الزراعة والفلاحة والحراسة والتعب وبالآخر يجد أن ما تشتريه من الإنكليز أرخص، فصارت الناس تهمل الأرض. هذه هي سياسة القضاء على الناس.
مثلاً مصر عندما كانت معتمدة على حالها كانت شوكة بعين العالم كله، ولما أصبحت تستورد من أميركا وغيرها، ضعف اقتصادها.
مختار القرية هو مصطفى حجازي، ووجهاء القرية من بيت أسعد المحمود ورباح العوض (كان في 1936 مع الثوار)، ولكن الصفافرة حطًوا هذه وإتهموه بالخوارج.
ومن وراء ذلك أصبح مع الإنكليز، وفي 24 ساعة أوقف الثورة في المنطقة. عندما كنا نريد الخروج من البلد قال للأهل أبقوا فيها وأنا المسؤول.
كان لكل عائلة مضافة خاصة فيها، يسهرون فيها.
ولكن الأغلب كان المعظم يسهرون في الساحة في وسط القرية. لم يكن عندنا طبيب، ولكن من يمرض يذهب الى عكا أو نهاريا، نهاريا من زمان فيها يهود عرب من الأساس.
كانت البيوت فيها فرنيات للخبز على الحطب، وهناك حلاق إسمه أبو أسعد حسين وهناك مطهر إسمه مصطفى الحاج (أبو حسن) وأصبح إبنه الآن مكانه بالوراثة.
في الأعياد والمناسبات، كانت أعياد بسيطة وأفضل من اليوم، يذبح من حلاله ويطعم الناس. والناس عايشة ببحبوحة.
وكما ذكرت عندما قال لنا رباح إبقوا ولا تخرجوا، ولكن الناس إتهموه بالكذب وأنه وسوف يسلم الناس لليهود. وبعد فترة كان اليهود عندما يريدون الدخول لقرية كانوا يأتون من ثلاث نواحي ويتركوا جهة حتى تهرب الناس منها.
أذكر مرة أن شخصاً أراد أن يطلع على الجامع ليعلق شاشة بيضاء للإشارة على أن القرية سلَمت، فجاءت اليهود وأطلقوا عليه النار ومات. وعندما رأت الناس ذلك هربت من القرية دون مقاومة.
الإنجليز كانوا يساعدوا اليهود لإخراج العرب من القرى. نحن طلعنا مع والدي قبل دخول اليهود البلد، كان عنا ماعز، فأخذني أبي معه وغادرنا عن طريق ترشيحا، وأمي وأخواتي طلعوا عن طريق الناقورة.
الطريق كانت وعرة بين الجبال. وعندما جئنا إستقرينا بالأول بـ تحنين وثم نزلنا الى القرية المنصورة، وبعد ذلك البازورية والقلية وآخر شيء على البص.
في إحداى المرات عاد أبي الى فلسطين، أخوالي 2 وخالاتي 2 وجدتي بقوا بفلسطين وأحضر بعض النقود (50-60 ليرة) وعندما عاد، لكن وشي عليه عند الحكومة فحُبس شهراً لأنه ذهب إلى فلسطين.
فكانت الناس من له أقارب بفلسطين يذهب ليأخذ نقود منهم ويرجع.
وفي تلك الفترة كانت تعيش على التهريب.
لم نأخذ معنا شيء، نحن لسنا ملاكين وأبي كان عنده طرش، ومن كان عنده طرش أحسن من عنده أرض، لأن الأراضي التي تصلها الماء تحت عند النهر وأم الفرج ومنطقتنا عالية وليس فيها بيارة.
كنت أذهب أحياناً مع والدي للرعي، وأذكر قبل الخروج من القرية، كانت الناس تبَينت الطرش بالوعر خارج البلد، حتى إذا تم الهروب تكون خارج القرية.
والدي توفى ببرج البراجنة بيروت، توفي من المرض وكذلك والدتي، أنا مستقر بالمنتصف.
إذا سمحت لي الفرصة للعودة، لأرجع فبلدي كرامتي وديني، نحن بلا وطن مثل السلعة نباع ونُشترى. خاصة فلسطين ليس لها ثمن، لأن ربنا بارك فيها، فلسطين لا تباع ومهرها دم.
إذا بإرادتي أرفض التوطين أو الهجرة، ولا أرضي بغير فلسطين وطن لها. أوصي حتى أولادي بهذه الوصية، اولادي الحمد الله متعلمين ويعرفون أن لا بديل عن الوطن. وهم أكثر مني لهفة لفلسطين وحب لها وعندهم وعي وإنتاج أكثر مني، والطريق الوحيدة لتحرير فلسطين هي الدم، اليهود لا يفهموا السلم.. فقط المقاومة.
بزمن لما كنا بفلسطين، عندما يخسر اليهود معركة كانوا يعملون هدنة، في هذه الهدنة نحن نضعف وهم تزداد قوتهم..
لا للتفاوض مع اليهود.. أحمَل المسؤولية الكبرى على الحكومات العربية فهي التي سلمت فلسطين لليهود والإنجليز..
فقد كان جبش الإنقاذ عندما يرون فلسطيني معه سلاح، كانوا يأخذوه ويقولونله نحن نقاوم.
فقد كان السلاح يجلب من الناس، وكانت الناس تبيع الذهب والطحين حتى يشتري بارودة، نحن لم نخرج من فلسطين بسبب الجبن ولكن هناك مؤامرة من الأنظمة العربية وبريطانيا.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي الجميع، ويعمل الجميع لفلسطين كل فلسطين.
يجب التعاون على عدونا الوحيد " الإسرائيلي"... قوتنا بتجمعنا...