يوسف فرماوي- النهر/ عكا
من عائلات قرية النهر، فرماوي، دار الشاذلي، دار عطية، دار مرعي، متاركي، وهناك عائلات صغيرة وفقيرة.
مختار النهر كان اسمه قاسم عبده، كان عنده مضافة يستقبل البوليس الإنجليزي عندما يأتي الى البلد، وكبار أهل البلد كانوا يذهبون اليه ويسهرون عنده بالديوان.
لم يكن هناك مسجد، ولا مدرسة، كان أخي قاسم عامل مدرسة يعلم القرآن وعربي فقط، لم يكن هناك مدرسة بمعنى المدرسة.. ونحن صغار كنا نلعب بالحارة مع الأولاد، نركض..
ولم يكن هناك عيادة، ومن يريد أن الطبابة كان يذهب الى عكا، ومن تُكسر يده أو قدمه كان في مجبر عربي بالبلد.
وفي دكانتين واحدة لموسى موسى وأخرى لأبو معروف (يوسف الزحمد).. وأغراض الدكانة كانت من عكا. أما بالنسبة للخبز، لم يكن في النهر فرن، وكانت النساء تخبز على التنور بالبيت والصاج. وفي حلاق كنا نحلق عنده إسمه أبو غانم محمد عطية.
في ناس بالبلد عندها بقر وأغنام، وكان في واحد عنده جمال. بالنسبة للإنارة، كان في سراج، وهو عبارة زجاجة وفتيلة.
في أوقات المواسم، كان هناك زيتون، وعندنا بالبلد معصرة لعصر الزيتون وصاحبها أحمد عفيفي وعنده إثنين شغيلة، وكان الجر ويت.
والنهر سميت بالنهر لأنه فيها مياه وأنهر، مثل البركة والفوارة وبركة التل وعيون، مياهها تسقي الأراضي وبساتين الليمون والغابسية والشيخ داوود ويشربون من بلدنا، ينقلوا الماء على الحمير..
أما في الأعراس، فيتم الإحتفال فيها قبل اسبوع.. كانوا يحضروا حداي من القرى المجاورة، ويحدوا ويسحجوا ويدبكوا بالليل، مقابل نقود طبعاً.. والعريس يُزف في البلد الرجال تسحج والنساء تغني..
في مقبرة بالنهر للبلد كله، ولكن هناك عائلة أفندية، وكان عندهم غرفة خاصة تحت الأرض، يدفنون موتاهم فيها. وعندهم حديقة مزروعة أزهار.
في رمضان، كنا نصلي تراويح، وهناك مسحّر يأتي كل ليلة يطبّل بالطبل، وفي العيد يأخذ أجره وكان رمضان حلو والناس تهتم فيه.
في البداية وجود اليهود كان ضعيف وقليلا. سمعنا بمجزرة دير ياسين، حيث اليهود جزّروا بالأهالي، وهي سببت خروجنا من فلسطين، خافت الناس وخرجت خوفاً أن يحدث لها مجزرة مشابهة..
عندما هاجم اليهود البلد باليل، نحنا خرجنا منها.. كان اليهود يحتلون بلد تلو الأخرى، عند إحتلال أول بلد، يعملوا هدنة ويجهزوا حالهم لإحتلال الأخرى، ونحنا سلاحنا محدود، وقليل، الناس باعوا ذهب النساء لشراء السلاح والخرطوش، والذخيرة قليلة أيضاً وضعيف.. وفي المقابل كان اليهود سلاحهم حديث..
هجوم اليهود على البلد كان بالسلاح، وكانت مقاومة أهل البلد ضعيفة منهم ومن تنفذ ذخيرته يضطر الى الإنسحاب.
ولكن ليس كل أهل البلد خرجوا منها، بقي البعض، لحد الآن منهم ما زال موجوداً بفلسطين..
نحنا طلعنا من النهر ليلاً، البعض ماشياً والبعض على الدواب، أخذنا ملابس وفراش ومفاتيح البيت.. على اساس فترة قصيرة ونرجع.
وكانت الطريق آمنة وفارغة تاركين الفرصة لنا للخروج، وخرجنا من النهر الى بلد دروز إسمها جت بفلسطين (قرية جبيلة) ولكن عندما احتل اليهود ترشيحا إنسحبنا وأكملنا الى لبنان.. بقينا بـ جت شهر تقريباً.
وفي لبنان، وصلنا على شمعة على الحدود، بقينا يومين، ثم ذهبنا الى صور ووجدنا الشوادر جاهزة (هذا دليل على وجود مؤامرة)، وكان الصليب الحمر يحضر لنا خبز ومعلبات لنأكل.
الحياة بصور كانت صعبة جداً، ومن كان معه نقود صرفها على الطعام، ولم يكن هناك عمل للحصول على لقمة العيش.
وبعد صور، ذهبنا وأخذونا الى عنجر ووجدنا شوادر ايضاً (لمدة 5 – 6 أشهر) أول الشتوية.. ولكننا لم نتحمل البلد فأخذونا الى نهر البارد في طرابلس، وايضاً عشنا بشوادر.. وبقينا فترة طويلة، وصارت الأونروا توزع أكل وطحين وزيت و... وبعدها عندما عرفنا أن الوضع طويل، صارت العالم تعمّر غرف لتعيش فيها بنهر البارد..
وبعدها وصلت أنا على مخيم البص وإشتريت خشابية وعشت بالبص.
لم أرجع الى البص.. ولكن من رجع قال لنا أن البلد مدمرة.
لا أقبل بالتعويض عن فلسطين، أريد العودة فأنا متمسك بحق العودة وأولادي كذلك.. فلسطين هي الأم والحياة، فهي جنة، وأرض مقدسة ومباركة.