أبو إسعاف القسامي (قائد حامية شَعَب
إبراهيم علي الشيخ خليل:(1334-...)هـ. (1915-...)م.
المجاهد إبراهيم علي الشيخ خليل (أبو إسعاف)، ولد عام 1915م في قرية شَعَب الفلسطينية قرب مدينة عكا، أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة شَعَب، وتوفي والده منذ صغره، فانتقل إلى مدينة عكا ليعمل في وزارة الزراعة وما لبث أن طرد منها بسبب ميوله الوطنية، فانتقل إلى حيفا حيث عمل في سكة الحديد.
تعرف خلال وجوده هناك إلى الشيخ عز الدين القسام، إلا أنه لم يُقبل ضمن جماعة القسام لصغر سنه، ولكنه ما لبث أن انضم إلى جماعة القسام بعد أن قام بعدة عمليات بنفسه دون علم جماعة القسام، ويشير إلى ذلك قائلاً (سألوني إن كان هناك أشخاص يعملون بالعمليات فأجبت بالنفي، وسألوني من الذي ينفق عليك فذكرت لهم، بأنني أبيع حلي زوجتي. فقالوا لا تشتري شيئاً من الأسلحة لأننا سنزودك بالقنابل والمسدسات، وفي اليوم التالي جاءتني أم علي حمادة -زوجة المجاهد القسامي حسين علي حمادة الذي كنت أسكن داره- في يدها سلة من بصل، وقالت احرص على ما فيها، ووجدت فيها ثلاث مسدسات وخمس قنابل يدوية وباشرنا العمل ضمن فصيل ناجي أبو زيد، وكانت أكثر مهماتنا ضرب واغتيال البوليس اليهودي الذي كان ينتشر بالأحياء العربية).
وفي 31-4-1931(هكذا) اعتقل أبو إسعاف في معتقل بيت جليل بحيفا حيث ذاق شتى أنواع العذاب، ثم نقل إلى معتقل المالكية على الحدود الفلسطينية اللبنانية حيث مكث عدة أشهر. بعد خروجه من المعتقل التحق برفاقه القساميين الذين التجأوا إلى سوريا هرباً من المطاردة الإنكليزية، ثم اتجه إلى بغداد وبقي هناك لمدة عام حيث اشترك مع إخوانه الفلسطينيين مع ثورة رشيد عالي الكيلاني في الدفاع عن بغداد ضد الإنكليز، ثم اتجه إلى سوريا ومن هناك إلى تركيا ثم عاد إلى دمشق حيث أقام مع المجاهدين الفلسطينيين لمدة قصيرة، عاد بعدها إلى فلسطين لمتابعة الجهاد، إلا أنه وضع قيد الإقامة الإجبارية في بلدته مع وجوب إثبات وجوده أسبوعياً في عكا أمام حاكم اللواء الإنكليزي، وحينما أُعلن التقسيم أعلن الشعب رفضه لهذا القرار وحمل السلاح لإسقاطه، وكان لأبي لإسعاف دور كبير في هذا المجال، ذلك أنه قام بالاشتراك مع الهيئة العربية العليا بشراء الأسلحة من مصر ونقلها إلى فلسطين، واستطاع بجهوده المتواصلة أن يشكّل فصيلاً كبيراً مع كامل أسلحته في قرية شَعَب حيث قام بهجوم على القوات اليهودية التي احتلت البروة قرب عكا، واستطاع أن يستعيد القرية بعد مقتل عدد كبير من الصهاينة.
ومن المعارك التي قادها معركة ميعار ومعركة الدامون، ففي معركة ميعار استطاع قتل عدد من اليهود واحتفظ بجثة العقيد سيغيف قائد المعركة، وقام بتسليم الجثة مقابل انسحاب اليهود من منطقة راس الزيتون التي تبلغ مساحتها حوالي عشرة كيلومترات مربعة وتسليمها للمجاهدين الفلسطينيين إلا أن الأمور سارت بعد ذلك على غير ما يريده شعب فلسطين ذلك بعد انقطاع الذخيرة والمؤن وما يقابله من الجانب الآخر من دعم كامل لليهود بكل أنواع الأسلحة والمؤن أدى إلى سقوط قسم كبير من بيد العصابات اليهودية، فانتقل أبو إسعاف إلى لبنان حيث التحق (على رأس حامية شَعَب) بقوات اليرموك التي كانت تُشكل قبل ذلك جيش الإنقاذ، ومنح رتبة ملازم وعُهد إليه بقيادة سرية شَعَب ضمن القوات، ثم انتقل إلى سوريا حيث انضم إلى فوج أجنادين وعين فيه قائداً للسرية الأولى ومساعداً لآمر الفوج. إلا أن الضعف الرسمي العربي أمام التحديات الصهيونية أبعدته عن خطوط القتال، فاتجه للعمل الزراعي في منطقة حوران، ثم سافر إلى إمارة قطر حيث عمل هناك في دائرة المعارف لمدة اثني عشر عاماً. خلال وجوده في قطر كان يقوم بواجبه الوطني وحينما قامت منظمة التحرير الفلسطينية عُيّن عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، وكان له نشاط فاعل في بعض العمليات التي نفذها الفدائيون الفلسطينيون بعد عام 1965 ضد العدو الصهيوني على أرضنا السليبة.
كما كان له نشاط في بعض العمليات عام 1983 التي استهدفت العدو الصهيوني الذي احتل لبنان عام 1982، ولم يكن يتقاضى مقابل عمله أجراً إنما كان دافعه في كل هذا قيامه بواجب الوطن من كل مخلص ومحبّ لأرضه وتراثه وشعبه. ولا زال أبو إسعاف يقوم بواجبه الوطني قدر استطاعته وقناعته.
مقابلة مع أبو إسعاف
التجربة الجهادية والاعتقال:
كنت أعمل في حقل مملوك ليهودي اسمه ((ماكوفيتش))، وفي يوم من الأيام أساء اليهودي لأحد العمال بألفاظ تسيء للإسلام فقمت بضربه وعلى أثرها طُردت من عملي وبعد هذه الحادثة سجنت بتهمة حرق البيادر وكان عمري 11 عاماً. واعتقلت في سن الرابعة عشرة إثر نسف جسر ما بين عكا والسميرية أثناء المظاهرات وحقق معي الإنجليز في سجن عكا ولم أعترف، وأفرج عني.
التعرّف على الشيخ عز الدين القسام:
بعد خروجي من السجن عملت في سكة الحديد، وكنت أسمع عن الشيخ عز الدين أنه عالم وثائر ويعطي دروساً في مسجد الاستقلال، فذهبت أنا وثلاثة من زملائي إلى المسجد، فوجدناه يلقي درساً عن الجهاد فتشجعنا، وبعدها تطرق إلى موضوع مبطلات الوضوء فتفاجأنا، وبعدها عرفنا أن أحد عيون الشيخ أشار إليه بقدوم أحد العملاء. وأخذت أتردد على مسجد الاستقلال لأصلي وأستمع لخطب الشيخ الجهادية، وبعد الخطبة كان يقوم الناس ليسلموا عليه ويقبلوا يديه.
وفي إحدى المرات صافحته وأحسست أنه ضغط على يدي، ففهمت من ذلك أن أتبعه دون أن أمشي معه إلى أن وصلنا إلى بيته، فدخلت وكان هناك ثلاثة رجال، وعندما شاهدوني همّ بعضهم بالخروج فتبعهم الشيخ، وسمعت أنهم يقولون عني صغير أو أولاد صغار فبكيت وقمت، فأمسك الشيخ عز الدين القسام بيدي وتحدث معي كلاماً طيباً، وقال لأحد جلسائه وهو الشيخ محمود زعرورة أنا لي نظرة في هذا الشاب وجلسنا قليلاً ثم انطلقت. وأصبحت أتردد على جلساته القرآنية.
تاريخ جهادي:
اشتُهر القساميون بعملياتهم الجهادية في شوارع حيفا وأخذتني الغيرة والحماس فاشتريت قنبلة من مالي الخاص ورميتها على مطعم يجلس فيه اليهود والإنجليز وهربت. وفي اليوم الثاني كتبت الصحف: إلقاء قنبلة على مطعم يافا كان فيه عدد من الضباط الإنجليز من بينهم الميجر ((ستوب)). ورميت قنبلة ثانية وكتبت الصحافة أيضاً مجهول ألقى قنبلة على باص يهودي وأصيب بعضهم بجراح خفيفة وانتشرت إشاعة بإصابة 40 شخصاً وعشرة قتلى.. كما نفذت مع إخواني من 7 إلى 11 عملية في مدينة حيفا.
أما أشهر العمليات التي قام بها القساميون:
تفجير عمارة مكوّنة من خمسة طوابق بها ضباط إنجليز.
تفجير عمارة من أربعة طوابق بها ضباط إنجليز.
عملية الدرج أسفرت عن مقتل اثنين من اليهود وأخذ أسلحتهما.
معركة بيت جنّ كانت معركة قوية جرح فيها اثنان من إخواننا وأصيب العديد من جنود الاحتلال.
معركة (جربا) حيث سيطرنا على منطقة يوجد فيها البوليس الإضافي ((العملاء)). ووفق الآية القرآنية قال تعالى {إنما جَزَاءُ الذينَ يُحارِبونَ اللهَ ورسولَهُ ويَسْعَون في الأرض الفسادَ أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلُهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض}. فكان القسام يقول لهم استخدموا النقطة الرابعة من الآية وهي النفي من الأرض، فأي شخص تثبت عليه تهمة التجسس اكتبوا له رسالة أن يخرج من فلسطين إلى أي دولة، وإن لم يخرج يطلق عليه النار.
رسائل
أقول للمجاهدين في فلسطين، إن اسم كتائب الشهيد عز الدين القسام له أثر كبير في نفوسنا، فهي تعمل ضمن العقيدة الإسلامية، فأنا أقدرهم ولهم مني كل الاحترام والتقدير، وأدعو الله أن يحفظهم ويحفظ كل المجاهدين الذين يحملون العقيدة الإسلامية. كما أوجّه لهم نصيحة وأقول لهم إن اليهود يقاتلوننا بعقيدتهم وعلينا أن نقاتلهم بعقيدتنا الإسلامية حتى نستطيع أن نقف أمامهم.
أما الأسرى والمعتقلين، فهم زهراتنا وهم شبابنا وهم طلائعنا، والرائد لا يكذب أهله، وصبروا صبراً شديداً وحملوا مشاق العدو وحملوا مشاق الصديق.
وفي نهاية حديثي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يميتني مجاهداً.
اللهم أحينا سعداء وأمتنا شهداء.
وأضاف (كتاب فلسطين تاريخاً ونضالاً) ما يلي:
يُذكر أن أبو إسعاف كان في المنشية قبل مجيئه إلى شَعَب، كانت أخته خضرا تساند الحامية بالماء والذخيرة، وكانت مثلها نجمة العبد الله (أم يوسف حسون)، والدة الشاعر الشهير وشقيقة الشهيد محمد العبد الله. وكان من جماعة الحاج أمين وجاء إلى شَعَب بعد رحلته إلى ليبيا وإحضاره أسلحة للمدن المحاصرة ولما وجدها سقطت توجه بها إلى شَعَب.
وذكر لي الشيخ زهير الشاويش أنه كان في حي الميدان الدمشقي يرى عدداً من الشخصيات الفلسطينية التي كانت تَفِدُ إلى دمشق للدعم والتنسيق، ومن هذه الشخصيات شخص يقال له أبو إسعاف.
توفي أبو إسعاف في العام 2002 في منزله في منطقة البرامكة بدمشق.
شعب وحاميتها
ياسر احمد علي