هناك ولد الطفل حسين صادق سنة 1940 في قرية بلد الشيخ إحدى قرى قضاء حيفا شمال فلسطين حيث أشجار الزيتون والبساتين الجميلة ، إلا أن طفولته لم تكتمل حيث اضطر لترك موطنه وأرضه مع عائلته آنذاك بعد احتلال العصابات اليهودية للعديد من الأراضي الحبيبة بفلسطين عام 1948 .
بدأت رحلة جديدة للغلام حسين صادق في العراق بعد وصولهم هناك مع الجيش العراقي ليسكن إحدى الملاجئ المعدة للفلسطينيين اللاجئين ويسمى ( التوراة ) وفي عام 1960 انتقل إلى منطقة الطوبجي حيث إحدى تجمعات الفلسطينيين ، حيث طالما يتذكر أحبابه وجيرانه وأصدقائه هناك ، لينتقل بعدها إلى منطقة الغزالية غرب بغداد عام 1988 ليبدأ رحلة جديدة من العلاقات الاجتماعية لاسيما مع عدد من الجيران العراقيين حيث كان ينعم بالأمن والأمان وكانت علاقاتهم طيبة ووثيقة .
عمل الحاج حسين أبو نوفل محاسبا لدى أحد التجار العراقيين في سوق الصوف في شارع الرشيد وسط بغداد ، وعاش كسائر الفلسطينيين حياة طبيعية لغاية عام 2003 واحتلال العراق ، لتبدأ مرحلة جديدة وقاسية على عموم الفلسطينيين المتواجدين في أرض الرافدين الجريح .
الحاج حسين أب لسبعة من الأبناء ( خمسة ذكور وابنتان ) ، وتعيش معه أيضا شقيقته الحاجة صدقية ( 71 عاماً ) وهي كفيفة البصر منذ الولادة ، والأولاد حسب الترتيب ( علي مواليد 1964 ، طارق مواليد 1969 ، عمر مواليد 1966 ، محمد مواليد 1980 ، أحمد مواليد 1984 ) وابنتان ( مواليد 1972 ، 1975 ) .
تلقت هذه العائلة عدة تهديدات في منطقة الغزالية – شارع الجنابي ، وفي إحدى المرات تعرضوا لهجوم بقنبلة صوتية شديدة التأثير حيث تكسر جميع زجاج المنزل وأضرار في الباب الرئيسي ، واستمرت تلك المعاناة والقلق حتى انقلبت الأمور رأسا على عقب بعد أحداث المساجد بتاريخ 22/2/2006 والهجمة الكبيرة على أهل السنة عموما والفلسطينيين خصوصا .
خرج أحد أبناء الحاج حسين ويعمل حلاقا وهو محمد ( مواليد 1980 ) مع صديقه من العراقيين وهو ليث حميد المساري متزوج ولديه طفلة إلى أحد الأسواق الشعبية في منطقة الشعلة !! القريبة من منطقة الغزالية وكان ذلك عصر يوم الأثنين الموافق 13/3/2006 ومضت الساعات تلو الساعات ولم يعد لا هو ولا صديقه ، وفي اليوم التالي وصل ذويه نبأ العثور على جثته من قبل مركز للشرطة في منطقة حي الخضراء وتبين أنه تم قتله خنقا ورميه بالشارع مع بعض آثار التعذيب عليه وعلى صديقه .
لتبدأ محنة جديدة لهذه العائلة ما اضطرتهم لمغادرة البلاد والسفر إلى سوريا رغم المخاطر والصعوبات ، وبقي أحد الأبناء وهو عمر في المنزل ، ونظرا لصعوبة المعيشة والغربة اضطروا للرجوع إلى بغداد بعد عام تقريبا .
وبعد وصولهم المنزل بأسبوعين تم اغتيال ولدهم الثاني عمر ( 41 عام ) بينما كان في دكان صغير له داخل البيت حيث جاءه شخص طلب سجائر فقال له : لا يوجد ، ثم طلب بيبسي فما أن ذهب ليجلب له بيبسي حتى أطلق عليه سبع إطلاقات لتصرخ عمته المرأة العجوز الكفيفة وقد كانت في ساعة الحادث موجودة عمر عمر : فلا يجيب وأحد أبناءه يصرخ أيضا بابا بابا فلا جواب لأن والده قد فارق الحياة .
فاجعة أخرى وصدمة كبرى ليست في الحسبان ، فما أن حاولوا نسيان واستيعاب الصدمة الأولى بفقدان ولدهم محمد رحمه الله ظلما وغدرا ، حتى تضاعفت المحنة بعد هذه الحادثة الأثيمة لينتقلوا إلى منطقة الطوبجي حيث إحدى بناتهم هناك ليكون مجلس العزاء وفي المقابل تم الاستيلاء على منزلهم وما فيه من قبل مكتب الصدر .
الفقيد عمر متزوج ولديه ولد وابنتان ( أروى مواليد 1991 ، عماد مواليد 1993 ، آية مواليد 1998 ) واضطرت العائلة السفر إلى الهند بعد فراق المعيل وصعوبة العيش هناك ، ولهم قرابة السنتين ومن المتوقع سفرهم في الأيام القادمة إلى الولايات المتحدة لغرض اللجوء .
الفقيد حامد الحانوتي رحمه الله الذي قام بتغسيل الفقيد عمر حسين رحمه الله ؛ لقي حتفه بعد ذلك بيومين ولأن الحاج حسين كان عند ابنته في منطقة الطوبجي وقاموا بحضور الجنازة تم تهديدهم مرة أخرى مما دعاهم لمغادرة البلاد مرة أخرى إلى سوريا بعد شهر من ذلك .
حيث غادر الحاج حسين وشقيقته كبيرة السن ومن ثم التحقت به ابنته وعائلتها التي تسكن في الطوبجي ولديهم ( يوسف مواليد 96 ، يونس 97 ، روان 2001 ) وفي تلك الأثناء كانت عوائل كل من طارق وعلي في سوريا ، وطارق لديه ولدان وبنت وعلي أربعة بنات ، ولضيق الحال والمعيشة الصعبة قرروا جميعا الذهاب إلى مخيم التنف في شهر 11/2007 .
مخيم التنف الصحراوي بين الحدين السوري- العراقي الذي له قرابة ثلاث سنوات يعيش فيه الآن قرابة ( 850 فلسطيني ) وقد مروا بظروف صعبة للغاية وذاقوا برد وصقيع الشتاء الصحراوي ناهيك عن الأمطار والأتربة والعواصف وحرارة الشمس القوية في الصيف الحارق .
عوائل كل من طارق وعلي من المرجح ترحيلهم إلى كندا كحالة لم شمل مع أشقاء زوجاتهم المتواجدون في مخيم الهول في الحسكة شمال سوريا ، ويبقى الابن الأصغر أحمد مع إحدى شقيقاته وزوجها وثلاثة أطفال في قبرص حيث المصير المجهول أيضا ، أما الحاج حسين وزوجته وشقيقته المسنة وعائلة ابنته من المؤمل قبولهم كإعادة توطين في إيطاليا وقد تكون دولة أخرى ، وقد يلتحق الحاج حسين وشقيقته وزوجته مع أبناءه إلى كندا .
هذا في الحقيقة نموذج مصغر لما تمر به غالبية العوائل الفلسطينية التي كانت تعيش بأمن وأمان قبل عام 2003 في العراق ، فبعد أن كانت هذه العائلة في بغداد جميعا حيث فقدوا ولدين على يد الميليشيات الحاقدة على الوجود الفلسطيني ، ثم تهجروا وتفرقوا خارج العراق إلى الهند وقبرص والصحراء ثم كندا وإيطاليا و .. و .. لكن السؤال هل المأساة ستنتهي عند هذا الحد أم أن هنالك عوائق جديدة وتقلبات مستقبلية لاسيما من جهة المجتمعات ذات العادات والتقاليد المستهجنة والغريبة على مجتمعاتنا المحافظة ؟ لكن مكره أخاك لا بطل ، لاسيما - وللأسف الشديد نقولها بحرقة – إغلاق الأبواب العربية أمام اللاجئين الفلسطينيين الذين تعرضوا لنكبات متكررة في العراق .
الحاج حسين صادق أبو نوفل هو مؤذن وإمام وخطيب في مسجد مخيم التنف الذي هو عبارة عن خيمة كتب عليها " مسجد " بالإضافة إلى أنه يقوم بإبرام عقد الزواج الشرعي في المخيم ، ولسان حاله يقول : هل سيأتي اليوم الذي تجتمع فيه العائلة بعد هذا التفرق ؟! وهل سنرجع إلى أرضنا وقرانا المغتصبة ؟! والحقيقة أن هذه آثار ونتائج تحتاج لأسباب ومقدمات توصلنا إليها ، ولكن وعد الله حقا وصدقا ( وإنما توعدون لآت ) .
24/4/2009
أيمن الشعبان
باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق
عن موقع " فلسطينيو العراق" بتصرف.