أبو السعود، محمد تاج الدين: (توفي سنة 1267ه/1850م)
(متولي وقف الحرمين الشريفين(القدس والخليل)، ونقيب الأشراف ثم رئيس مجلس الشورى في القدس، وأحد أعيان المدينة البارزين.)
هو محمد تاج الدين مصطفى بن محمد أفندي أبو السعود. توفي مصطفى سنة 1221ه/1806م وجدّهما في قيد الحياة، فورث محمد تاج الدين مع أخويه عثمان ورشيد وظائفه ونفوذه. لكن الأحفاد لم يكتفوا بالوظائف الدينية فاتجهوا إلى المناصب والأعمال التي تعزز مكانتهم الإقتصادية والسياسية. ففي سنة 1228ه/1813م عُيّن محمد تاج الدين أفندي نقيباً للأشراف بدلاً من عمر أفندي الحسيني مدة شهور قليلة. ولم يكن هذا التعيين في تلك السنة مصادفة، فقد جاء نتيجة لزيارة جده محمد أفندي للآستانة ووقوف موسى أفندي الخالدي، قاضي عسكر الأناضول، وراء تلك الترتيبات. لكن محمد تاج الدين لم يبق في المنصب مدة طويلة، ونجح عمر أفندي الحسيني في استعادته لنفسه.
كانت تلك هي المرة الأولى التي تولى فيها محمد تاج الدين وظيفة نقيب الأشراف، لكنها لم تكن الأخيرة. وفي 23 ربيع الأول 1231ه/ 22 شباط (فبراير) 1816م تزوج تاج الدين، «نقيب الأشراف سابقاً ومتولي وقف الخليل والصخرة المشرفة حالاً، بمخطوبته محبوبة بنت موسى أفندي الخالدي قاضي عسكر الأناضول.» وقد قوى هذا النسب مركز ونفوذ محمد تاج الدين فأصبح في العقدين التاليين المنافس الأول لعمر أفندي الحسيني على وظيفة نقابة الأشراف.
كان والد محمد تاج الدين، مصطفى أفندي، ملتزماً جباية الضرائب في أوقاف الحرمين في نهاية القرن الثامن عشر. وفي سنة 1799 عُيّن مصطفى وكيلاً لمباشرة أمور الوقف إلى أن يظهر متول للوقف من طرف الدولة العلية. وكان هذا التعيين، أيام حملة نابليون على البلد، شذوذاً عن القاعددة التي اتبعتها الدولة في تعيين رجل عسكري تركي في ذلك المنصب. وكانت أوقاف الصخرة المشرفة وخليل الرحمن من أوسع وأغنى الأوقاف في فلسطين، ولذا، فحين تولاها محمد تاج الدين بعد وفاة والده، فإنها فتحت له المجال لتوطيد مركزه وتوسيع نفوذه. وقد اتصل بعبد الله باشا، والي عكا، وناب عنه في محاكمات وقضايا مختلفة عرضت أمام قاضي القدس. وهكذا نجح في تعزيز مركزه الإقتصادي والإجتماعي والسياسي ليصبح أحد الأعيان البارزين في القدس في ذلك العهد. ففي 5 رمضان 1240ه/ 23 نيسان (أبريل) 1825م كفل محمد آغا سيرزلي، متسلم القدس، ومحمد أفندي أبو السعود الشيخ إبراهيم أبو غوش في تسديد مبلغ 16,545 غرشاً لخزينة مصطفى باشا، والي الشام. وقد دفع إبراهيم المذكور 12,400 غرش فقط. وطولب إبراهيم أبو غوش بتسديد المبلغ الباقي (4145 غرشاً) إلى سيرزلي لكونه أدى المبلغ إلى خزينة الشام بالتمام والكمال. وقد حكم القاضي على أبو غوش، الذي اعترف بوقائع الدعوى، بدفع المبلغ الباقي إلى المدعي سيرزلي. هذه الحادثة تبين مدى نفوذ محمد تاج الدين وتداخله في قضايا السياسة وجمع الضرائب من مشايخ النواحي، مثل عمه أحمد أفندي.
سنة 1834م، وبعد القضاء على التمرد ضد الحكم المصري، نُفي محمد تاج الدين مع جملة من علماء وأعيان القدس إلى مصر لتعاونهم مع الثوار. وفي سنة 1256ه/1840م كان رئيسياً لمجلس الشورى ونقيباً للأشراف في القدس. وكان في سنة 1262ه/1836م حياً نشيطاً في حياة المدينة السياسية والإجتماعية، بحسب وثائق المحكمة الشرعية.
وقد ورث أخوه عثمان مكانته ووظيفته في تولية الأوقاف في آخر حياته. ولم أعثر على وثقيقة تثبت تاريخ وفاته بدقة، لكن في بداية سنة 1267ه/ أواخر سنة 1850م ذُكر اسمه أول مرة في سجل المحكمة الشرعية مسبوقاً بكلمة المرحوم.
خلّف محمد تاج الدين ثلاثة أولاد هم: خليل وعلي ومحمد أبو بكر، وقد ورث الأخير مكانته الدينية في الزاوية الفخرية مع لقب شيخ مشايخ الصوفية.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع