تعد عائلة الظاهر تعد من أكبر عائلات بلدة العباسية-يافا، فلسطين من حمولة الحميدات ، ويعتقد البعض ان سبب التسمية تعود الى الملك الظاهر بيبرس والواقع ان هذه التسمية تعود الى الشيخ الشريف ظاهر العمر ولا تزال تحمل اسم ( الظاهر) نسبة اليه رحمه الله.
والدليل على هذه التسمية :
أ- حاول احفاد ظاهر العمر الزيداني التخفي تحت نسب القائد المملوكي الظاهر بيبرس ، حماية لانفسهم وعائلاتهم من بطش احمد باشا الجزار . وذلك بعد اغتيال الشيخ ظاهر العمر.
ب- قام احمد باشا الجزار - والي عكا - باصدار مرسوما بهدر دماء ظاهر العمر وابناءه واحفاده.
ت- توقف احفاد ال ظاهر عن استخدام اسم العائلة (الظاهر) لفترة طويلة من الزمن وهذا ينطبق على جميع احفاد آل ظاهر مثل (الرقاد والتل والعرموطي والكسواني والزيادنة والشواقفة وابو صياح والعمر والقمر) في الاردن وفلسطين وآل البارودي في سوريا وآل شهاب الدين في لبنان وغيرها .
ث- استخدام ابناء آل ظاهر العمر في فلسطين القاب جديدة لعائلاتهم مثل عائلة عبدالله الخليل ، وصالح الحسن والحودنة الذين قطنوا بلدة العباسية في يافا. و دار حمدان ودار الاقرع ودار ابو الشرايط ودار ظاهر ودار عبد الكريم وقطنوا بلدة ياصيد – نابلس.
ج- وما يثبت نسبهم الى الشيخ ظاهر العمر هو قرب المسافة الزمنية بينهم وبين الاحداث الدموية التي لحقت باتباعه في القرن الثامن عشر. في حين ان المسافة الزمنية بين القائد الظاهر بيبرس وعائلة الظاهر ما يقارب ال 500 سنة. خاصة وان الظاهر بيبرس قام بهدم جميع البلدات في السهل الساحلي الفلسطيني استعدادا لمصارعة الصليبيين عام 1260[1] فالبلدة لم يرد لها ذكر في أي من العهود السابقة للعصر المملوكي سواء كان ذلك أيام الفتح الإسلامي أو في العصر الأموي أو العصر العباسي.
ح- ومن ابرز المعالم الدينية في بلدة العباسية مقام الشيخ عباس الذي يقول المتقدمون في السن أنه قبر لأحد صحابة رسول الله . أقول : لعله الفضل بن عباس بن عبد المطلب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم.وثبت أن هذا الكلام غير صحيح لان المقام للعباس وليس للفضل (الصحابي الجليل ) وقد اختلفوا في مكان وفاته ودفنه ،فقال البعض:
قال عَبَّاس الدوري، عَنْ يَحْيَى بْن معين: قتل يوم اليرموك في عهد أبي بَكْر رضي الله تعالى عنهما .وقال غيره: قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة وهو ابْن اثنتين وعشرين سنة . وقال أَبُو دَاوُد: قتل بدمشق، كان عليه درع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم . وقال الواقدي: مات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة . "
مما سبق نستنتج ان لا علاقة بين المقام والصحابي الجليل ، ونرجح ان المقام يعود للعباس بن ظاهر العمر الزيداني الذي نجا من بطش احمد باشا الجزار ، والدليل على ذلك ان مقامه اقيم في وسط املاك آل ظاهر في بلدة العباسية. ولم يدفن في مقابر العامة ودفن الى جانبه عدد من ابناء آل ظاهر من العباسية.
خ- إقامة آل ظاهر في وسط البلدة وكانوا من أثريائها وملاك اراضي واسعة امتدت الى مطار اللد الدولي، وهذا دليل على نسبهم العريق الذي يمتد الى صاحب السلطة وامير امراء فلسطين والملتزم على ارضها سابقا ودافع ضرائبها للدولة العثمانية، ظاهر العمر.
نبذة عن الشيخ ظاهر العمر بن صالح بن زيدان الزيداني ( (1695- 1775
ينسب الشيخ ظاهر العمر الى قبيلة (الزيادنة) ،الذين وفدو من الحجاز واستقروا في شمال فلسطين (حول طبريا والناصرة وعرابة البطوف)
[1] وأكدت المصادر التاريخية حقيقة هذا النسب لـ (آل البيت).[2]الذين لعبوا دوراً مهما في تاريخ فلسطين خلال القرن الثامن عشر.
ولد ظاهر العمر على رواية المرادي سنة 1106 هجرية الموافقة سنة 1694 م ، وعلى حساب فولتيه الفرنساوي ولد سسنة 1685 ، وعلى حساب عبود صباغ ولد سنة 1681 ، وعلى حساب ميخائيل الصباغ ولد سنة 1696 ، ولا غرابة في هذا الاختلاف اذ لم يكن لظاهر شان حين مولده للاهتمام به .
[3]
وتتحدث المصادر والمخطوطات التاريخية عن إمارة قوية أقامها ظاهر العمر في شمال فلسطين حيث وصل ظاهر العمر للسلطة خلفا لابيه عمر الزيداني الذي كان ملتزما على مناطق طبريا وعرابة البطوف تحت وصاية الامير بشير الشهابي[1]، أصبحت على امتداد ربع قرن مصدر إزعاج دائم للولاة العثمانيين في دمشق.[2]
تحليل عام لحركة ظاهر العمر
اولا: أسباب قيام حركة ظاهر العمر [1]
يمكن تلخيص اسباب حركة ظاهر العمر بما يلي :
1- طموح ظاهر العمر في اقامة كيان او امارة مستقلة كاملا او استقلال ذاتي في ظل الحكم العثماني
2- تحدي القوى المحلية ذات الطابع العربي الاصيل متضامنة مع ظاهر العمر للحكم العثماني.
3- حالة الضعف والانحطاط التي اصابت الدولة العثمانية .
ثانيا : عوامل نجاح الحركة في البداية
يمكن تلخيص عوامل نجاح الحركة في البداية بما يلي:
1- القوة العسكرية التي انشأها ظاهر العمر بالاعتماد على العناصر المحلية
2- استخدامه فرق عسكرية من المرتزقة المغاربة الذين خدموا مشاة وحاميات للقلاع والمدن الساحلية.
3- التحالف مع القبائل البدوية مثل (السردية والصقر ) وغيرهم ،ومع القوى السياسية المجاورة مثل المتاولة والدروز.
4- التحالف مع قوى اقليمية خارجية مثل علي بك الكبير في مصر او قوى دولية مثل روسيا القيصرية.
5- كثرة عزل الولاة العثمانيين في صيدا
6- التمزق السياسي للدروز (الشهابيين) في جبل الشوف في لبنان .
7- انشغال ولاة دمشق بمرافقة قوافل الحج الشامي والعمل على حفظ الامن في دمشق.
8- استعانة ظاهر العمر بالاسطول الروسي الذي تمركز في شرق البحر المتوسط - بعد انتصاره على الاسطول العثماني – من اجل تثبيت مركزه وتوسيع نفوذه .
9- انحطاط التجارة في حلب في القرن الثامن عشر لصالح عكا .
ثالثا : انجازات حركة ظاهر العمر
يمكن تلخيص انجازاته بما يلي:
1- الانتقال بعكا من قرية غير مسورة الى مدينة مزدهرة محصنة ومركز تجاري هام في جنوب بلاد الشام واصبحت عكا المركز السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة .
2- نقل مركز التجارة في بلاد الشام من الشمال الى الجنوب.
3- شكلت عكا في عهده نافذة المناطق الداخلية على التجارة الدولية .
4- تفوق ميناء عكا على ميناء صيدا صاحبة النفوذ التقليدي التجاري في جنوب بلاد الشام
5- ربط اقتصاد البلاد زراعيا وتجاريا بسوق التجارة الدولية.
6- جلب اعداد كبيرة من المستثمرين العرب والاجانب ومنهم اعداد كبيرة من المسيحيين الى امارته مما ساهم في الازدهار الاقتصادي .
7- تضاعف عدد السكان في مدن عكا وحيفا والناصرة وغيرها.
8- اعمار الكثير من القرى ومد الخدمات والانشطة اليها.
9- تطوير المناطق التابعة لامارته في كافة المجالات
10- ترك الزيادنة منشآت عمرانية كثيرة مثل القصور والقلاع والاسواق والمساجد والكنائس وغيرها
رابعا: اسباب انهيار حركة ظاهر العمر
يمكن تلخيص اسباب انهيار حركته بالنقاط التالية :
1- عدم احداث ظاهر العمر تغييرات جوهرية في النظام الاداري والمالي المتبع في مناطق حكمه.
2- تركيز الادارة في ابناءه واخوته والزعامات المحلية الموالية له.
3- تقسيمه الامارة لمناطق حكمه بين ابناءه .
4- طمع ابناءه في توسيع مناطق نفوذهم
5- الصراع بين ابناءه على السلطة.
6- وقوف الدولة العثمانية بصلابة امام حركة ظاهر العمر باعتباره مهددا لوجودها في المنطقة.
7- خيانة روسيا له وتخليها عنه بعد توقيع اتفاقية كجق قينارجة.
8- خيانة قائد جيشه الزركنلي واغتياله في الثمانين من عمره بالاتفاق مع العثمانيين واحمد الجزار.
خامسا: نتائج حركة ظاهر العمر
(أ) يمكن تلخيص النتائج الايجابية لحركته بما يلي :
1- نهض ظاهر العمر باقتصاد ولايته في مجال الزراعة والصناعة والتجارة من خلال جلب المستثمرين الى المنطقة.
2- نهض بالحركة العمرانية في البلاد من حيث ظهور مدن جديدة او اعادة بناء مدن قديمة على اسس حديثة، كما شملت حركة العمران الاسواق والموانئ والاسوار والمساجد والكنائس والقلاع.
3- ازدياد عدد سكان المدن بفعل الانشطة الاقتصادية والعمرانية والمدنية المتنوعة.
4- احلال الامن والامان في منطقة كانت تموج باللصوص وقطاع الطرق .
5- انتشار العدل في كافة ارجاء الولاية.
6- بناء جيش قوي حديث ، حقق انتصارات واسعة على الولاة العثمانيين.
7- قدرته الكبيرة على ادارة الازمات في منطقته ، بعقد تحالفات دولية واقليمية ومحلية مما يعد نجاحا كبيرا لهذا القائد الفذ.
(ب)يمكن تلخيص النتائج السلبية لحركته بما يلي :
1- استشهاده على يد الزركنلي.
2- انهيار دولته ودخول العثمانيين الى عكا عاصمة دولته
3- مصادرة اموال ظاهر العمر من قبل العثمانيين
4- تعيين احمد باشا الجزار واليا على صيدا.
5- تصفيه النفوذ السياسي الزيداني
6- تشتت الزيادنة بعد القضاء على حركة ظاهر العمر
المصادر:
[1] عمر محمد نزال العرموطي ، عشائر الزيادنة في الاردن ،ط1 ، 2012 ، ص 50 – 53
[1] توفيق معمر المحامي ، ظاهر العمر ،( كتاب يتناول تاريخ الجليل خاصة و البلاد السورية عامة من سنة 1698 حتى 1777 ) ، ط2 ، مطبعة الحكمة ، الناصرة ، 1990 ص 44.
[2] الموسوعة الفلسطينية ، ظاهر العمر الزيداني ، مقال نشر في تاريخ 26 آب 2014 ، اعتمادا على المراجع التالية :
– محمد خليل المرادي: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، القاهرة 1301هـ.
– حيدر الشهابي: الغرر والحسان في أخبار أبناء الزمان، بيروت 1969.
– أحمد البدري الحلاق: حوادث دمشق اليومية 1154 – 1175هـ/ 1741 – 1786م، القاهرة 1959.
– عبد الرحمن الجبرتي: تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، القاهرة 1964.
– محمد كرد علي: خطط الشام، دمشق 1925.
– حبيب السيوفي: سورية ولبنان في القرن الثامن عشر (عرض لرحلة فولني)، صيدا 1948.
[1] مصطفى الدباغ ، بلادنا فلسطين ، دار الجليل بيروت ، 1965 – 1967 ، ج1 ، ص 617 .
[2] الموسوعة الفلسطينية ، ظاهر العمر الزيداني ، ط1 ، 1984 ،
[3] ميخائيل نقولا الصباغ العكاوي في مخطوطه "تاريخ الشيخ ظاهر العمر – حاكم عكا وبلاد صفد " ، عني بنشره الخوري قسطنطين الباشا المخلصي ، صفحة (15) نشر في مطبعة القديس بولس في حريصا لبنان.
[1] في معركة عين جالوت في 3 كانون الاول 1260.
[2] أبو القاسم سليمان بن أحمد المعروف( الطبراني) ، المعجم الكبير ، الجزء الثامن عشر[ ص 268 ] ( 671 )
جمال الدين المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، [4738] ع