لمؤلِّفه الأردني الدكتور رؤوف أبو جابر:
عائلة فلسطينية عريقة جدها الأكبر روسي
إلياس نصرالله
عن دار "ورد" الأردنية للنشر والتوزيع صدر أخيرًا كتاب لافت للانتباه يحمل عنوان "آل الصيقلي - انتماء أصيل في شمال فلسطين" لمؤلفه الدكتور رؤوف أبو جابر. يقع الكتاب في 407 صفحات من القطع الكبير مجلدًا تجليدة سميكة ويتضمن عددًا من الصور والوثائق التاريخية والخرائط التي استند المؤلف عليها في تأليف الكتاب.
ومع أن الكتاب يوحي بأنه شخصي أو عائلي كونه مُهدًى إلى السيدة ميراي جبرائيل سليمان صيقلي، أم زياد زوجة المؤلف، إلا انه توجد دوافع أخرى عديدة لدى أبو جابر غير الدافع الشخصي وراء تأليف الكتاب، إذ له مؤلفات سابقة في التاريخ الحديث لشرق الأردن وفلسطين وسِيَر عائلات البلدين، منها كتابه المشهور عن "آل قعوار" الذي نشرت الاتحاد مراجعة له سابقًا، علاوة على مؤلفاته واهتماماته في مجالي الاقتصاد وإدارة الأعمال بصفته أحد كبار رجال الأعمال في الأردن.
وتنبع أهمية الكتاب من أن عائلة الصيقلي المعروفة في فلسطين لها،حسبما يتضح من الكتاب، أصول روسية واستقر جدها الأكبر جرمانوس في فلسطين قبل أكثر من 300 سنة، بعدما جاءها حاجًّا مع أسرته إلى الأماكن المقدسة لدى المسيحيين. فهذه العائلة نموذج لعائلات فلسطينية كثيرة أصولها غير عربية، يونانية وكردية وتركية إيرانية وهندية وأرمنية وروسية وإيطالية وإفريقية عديدة وربما غيرها. لكنها اندمجت في المجتمع الفلسطيني وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي وساهمت في بناء حضارته وثقافته وتكوين هويته القومية. ويتطرق أبو جابر في كتابه عن هذه العائلة في شكل غير مباشر إلى الادعاء الصهيوني القائل بأن فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله بها اليهود وأن الفلسطينيين فيها غرباء هاجروا إليها وينبغي أن يعودوا من حيث أتوا ويثبت بطلان هذا الادعاء. فرب العائلة الأصلي لآل الصيقلي جرمانوس وابنيه يوسف وسمعان من أمهم الروسية هم الروس الوحيدون في هذه العائلة التي أصبحت لاحقًا إحدى العائلات المعروفة في فلسطين. لكن حسب ما يتضح من الكتاب، تزوج يوسف ابن جرمانوس من امرأة في قرية سخنين الجليلية كانت ابنة كاهن الرعية الأرثوذكسية في القرية، وذرية هذين الزوجين هي التي تشكلت منها عائلة آل الصيقلي لاحقًا وإلى الآن. فحتى لو كان يوسف روسيًا في الأصل فزوجته السخنينية عربية فلسطينية أصيلة.
والصيقلي ليس الاسم الأصلي لعائلة جرمانوس، إنما هي كنية أطلقها عليه سكان القدس التي عمل فيها صانعًا للسيوف وصَقْلِها، ولا أحد يعرف بالضبط ما هو الاسم الأصلي لعائلة جرمانوس.
بالإضافة إلى الإهداء والمقدمة، يتألف الكتاب من سبعة فصول، الأول يتضمن عرضًا سريعًا لأحوال مصر والشام في العهد العثماني، والثاني يتضمن نظرة على قوافل الحجاج الروس إلى الأراضي المقدسة في فلسطين خلال الفترة من 1850 إلى 1875، ويذكر أن عدد الحجاج الروس إلى فلسطين قبيل الحرب العالمية الأولى وصل إلى 40 ألف حاج، وفقًا لأرقام من عام 1910. ويستند أبو جابر في هذا الفصل على كتاب بعنوان "مع الحجاج الروس إلى القدس" لمؤلفه الإنجليزي ستيفان غراهام صادر في عام 1912.
فهذا الفصل جاء عبارة عن خلفية مهمة توضح سبب وصول جرمانوس وعائلته إلى القدس وهجرتهم إلى مصرلاحقًا وعودة ابنيه يوسف وموسى إلى فلسطين ثانية، ثم استقرار يوسف وحده فيها.
ويبدو أن هذه الرحلة إلى مصر كانت سببًا في إشاعة مفادها أن أصل آل الصيقلي من مصر.
الفصل الثالث يتحدث عن بدايات تشكل عائلة الصيقلي استنادًا إلى نص وضعه قسطندي الصيقلي، بالإضافة إلى كتابات لمؤلفين آخرين. أما الفصل الرابع فيتحدث عن يعقوب الصيقلي، أحد أحفاد يوسف وزوجته السخنينية.وكان يعقوب القائد العسكري لجيش ظاهر العمر الزيداني الذي أقام أول دولة عربية مستقلة في فلسطين في القرن الثامن عشر، ويذكر أن ليعقوب دورًا مهمًا في تاريخ فلسطين الحديث وسطر فصلًا بارزًا في تاريخ دولة الزيادنة، إذ أنه هو الذي "أخرج أحمد باشا الجزار من بيروت"،بعد أن حاصر يعقوب ومعه الأمير يوسف الشهابي وبمساعدة الأسطول الروسي من ناحية البحر الجزار في بيروت عام 1773، وفقًا للمؤرخين. وفي هذا الفصل يتحدث أبو جابر عن انتقال خليل الصيقلي شيخ الروم من الناصرة إلى حيفا في منتصف القرن التاسع عشر ونجاحه في أعماله في هذه المدينة. ويروي أبو جابر أنه شاهد لدى زيارته إلى حيفا أخيرًا الشاهد الموضوع على قبر خليل في ساحة كنيسة الروم في حيفا، التي بناها خليل على نفقته الخاصة، الذي يحمل تاريخ ولادة خليل عام 1796في الناصرة وتاريخ وفاته عام 1860. فهذا الشاهد على قبر خليل دليل على أن شواهد القبور الكثيرة غيره المنتشرة في المدن والقرى الفلسطينية هي جزء لا يتجزأ من تراث فلسطين الحضاري الذي ينبغي الحفاظ عليه.
ويتحدث الفصل الخامس عن هجرات أفراد عائلة الصيقلي من فلسطين وعن فروع العائلة في لبنان وسورية استنادًا إلى مصادر عديدة، خاصة المصادر اللبنانية التي تتحدث عن أفراد من عائلة الصيقلي كان لهم دور في بيروت وصيدا وغيرهما، ثم عن آل الصيقلي في سورية وشرق الأردن. يشار إلى أن النكبة التي حلت بفلسطين عام 1948 أصابت آل الصيقلي كباقي أبناء الشعب الفلسطيني فتشتت شمل العائلة في البلدان المجاورة، الأردن وسورية ولبنان ومصر وفي القارة الأميركية.
في الفصل السادس أورد أبو جابر في كتابه صورًا لصفحات المخطوطة الوارد ذكرها في الفصل الثالث أو الوثيقة الأصلية غير المنشورة للنص الذي وضعه قسطندي الصيقلي عام 1926، صفحة صفحة. ويتألف النص من حوالي مائة صفحة.
فيما يتضمن الفصل السابع والأخير سِيَر فروع عائلة الصيقلي وشجرات النسب مع العائلات الأخرى، التي تتألف من ثلاثة فروع وجاء كل من هذه السِيَر على شكل نبذة صغيرة عن حياة أو سيرة حياة عدد كبير من أفراد عائلة الصيقلي في البلدان العربية وفي المهجر.
واستند أبو جابر في تأليف كتابه على عدد من المصادر،القديم منها والجديد، بالإضافة إلى المصادر الأكاديمية الفلسطينية الحديثة، إلا انه في مقدمته يشير إلى أنه استند على كتاب مطبوع في لندن عام 1863 وصفه بأنه "كنزًا معلوماتي ثمين عن حيفا وغيرها من المواقع" لمؤلفته ماري إليزا روجرز، أخت إدوارد روجرز، الذي أشغل منصب قنصل بريطانيا في حيفا، إبان فترة تأليف كتابها. إذ عاشت روجرز إلى جانب أخيها في حيفا وتحدثت في كتابها عن عائلة الصيقلي وعن خليل بن إلياس الصيقلي "شيخ الروم في الناصرة بين 1831 و1841 والذي رحل بعدها إلى حيفا". ويُدعِّم أبو جابر بحثه بمعلومات مهمة استقاها من أرشيف عائلة الفاهوم في الناصرة الذي يحتوي على سلسلة عقود بين هذه العائلة وأفراد من آل الصيقلي في المدينة يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر.
الجمعة 31/1/2014
المصدر: موقع الجبهة