صلة آل التميمي بالصحابي تميم الدّاري: مخطوطة نادرة من الخليل
المكتبة الوطنية الإسرائيلية
08.07.2021
ومن قرأ هذه النّسخة يرى من العجايب كما رأى تميم الدّاري رضي الله عنه.“
هكذا افتتح عمر بن أحمد الحرتاني النّسبة الّتي كتبها إلى عبد المنعم التميمي، “إمام وخطيب الحرم الإبراهيمي في الخليل والمتولي على أوقاف جدّه تميم الدّاري” عام 1861. وهي النّسبة الّتي تُظهر اتّصال الإمام التّميميّ وأولاده وأولاد عمومته وأولادهم بالصّحابيّ تميم الدّاري الّذي أعطاه الرّسول منطقة الخليل وبيت عينون (شمال الخليل) والمرطوم (رامة الخليل) وبيت إبراهيم، وفقًا لروايات إسلاميّة عديدة.
وُجدت هذه المخطوطة في المكتبة الوطنيّة إلى جانب مخطوطات أخرى متّصلة بالخليل ضمن مجموعة المخطوطات النّادرة، ويبدو أنّها كُتبت بخطّين مختلفين؛ أحدهما يعود إلى كاتب المخطوطة الّذي أشار إلى نفسه في المقدّمة “الفقير إلى الله تعالى عمر ابن أحمد المرحوم الحرتاني المغربيّ أصلًا المالكي مذهبًا القادري البكري طريقةً القاطن في غزّة سيدنا هاشم سكنًا“، أما القسم الآخر فقد يكون بيد عبد المنعم التّميمي نفسه، إذ أشار إلى نفسه في موضعٍ آخر من الكتاب.
فيبدأ كاتب النّسبة بعرض هذه المكانة العالية مباشرة قبل المقدّمات والتّمهيدات؛ فيضع بين يدي القارئ وصيّة يخصّ الرّسول بها الصّحابيّ تميم الدّاري بهبة؛ وهي أرض الخليل وبعض البلدات المجاورة له ولأولاده من بعده.
“هذا ما أنطى محمّد رسول الله لتميم الدّاري وأصحابه: إنّي أنطيتكم بيت عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم برمتهم وجميع ما فيهم نطيّة بتّ ونفذت وسلمت، ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الآبدين فمن آذاهم فيه آذاه الله. شهد بذلك أبو بكر ابن أبي قحافة وعمر ابن الخطّاب وعثمان ابن عفّان وعليّ ابن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان“.
فيما بعد، يبدأ الكاتب بافتتاحيّة النّسبة الّتي يقوم بكتابتها، وكما يتطلّب أي نوعٌ من الكتابة مقدّمة خاصّة به فالنّسبة كذلك تتطلّب تقديم مناسب يشمل اسم كاتب النّسبة ومكانه وزمانه، واسم الرّجل الّذي يكتبها له، ومبتدأ النّسبة وآخرها، أي من الرّجل الّذي سيبدأ من عنده ومن الرّجل الّذي سينتهي عنده.
بعد افتتاحيّة من صفحتين تبدأ المقدّمة الطّويلة المعهودة في الأدب العربيّ، حيث الصّلاة والسّلام والقصّة القصيرة ذات العبرة والأقوال المأثورة، وهي عوامل قد تبدو لأوّل وهلة غير متّصلة لموضوع الكتاب الّذي نحن بصدد قراءته، إلّا انّنا إذا تمعنّا بتلك القصص والأقوال الّتي يختارها الكاتب لوجدنا أنّه يختارها بعناية للتأكيد على قيمٍ مرتبطة بالموضوع المتناول، أو أنّه يضع فيها نظرته للموضوع المتناول دون أن يصرّح بها بشكلٍ مباشرٍ في متن النّص، وقد يفعل ذلك في خاتمته أيضًا. وكذلك هو الحال في مقدّمة هذه النّسبة الّتي تناول بها الكاتب قصّة اقتتال قابيل وهابيل، حين قتل الأخ أخاه حسدًا.
بعد هذه المقدّمة الأدبيّة ينتقل كاتب النّسبة إلى متن النّص فيكتب “أمّا بعد” بالأحمر مؤشّرًا إلى بداية متن النّسبة. فيبدأ بذكر المصادر الّتي اعتمدها في عمله وهدفه من كتابتها.
فيقول: “هذه نسبةُ شريفة متّصلة بتميم الداري رضي الله تعالى عنه وأرضاه، نُقلت من كتاب الأنساب الّذي جمعه الفاضل حاوي المزايا والفضائل الأصمعي ومن كتب التّواريخ الواردة عن العيني وابن خلكان كالواقدي والبكري وما جاء من كلام أهل الفصاحة والبلاغة، لأن هذا الكتاب عندي مخلّف عن الآباء والأجداد وفيه جميع النبذات من الصّحابة والتّابعين والملوك والسّلاطين من تبع الحميري إلى الآن“.
وهكذا يبدأ الكاتب بالنّسبة من عند “الملك خزرج” وبحسب المخطوطة فهو الجد الأوّل للسلالة الّتي انحدر منها الصّحابيّ تميم الدّاري، وفي ذكر فضائله وأخباره تروي المخطوطة أن الملك خزرج هو المقصود بذي القرنين الوارد ذكره في سورة الكهف، ومن إحدى التّفسيرات الّتي أوردها كاتب النّسبة أنه “ملك قرنيّ الدّنيا مشرقًا ومغربًا” وأنه عاش في قصرٍ قرب نهرٍ مبارك، يشفى بمائة كلّ عليل وأنه كان كريمًا شجاعًا ومغوارًا، وأنّه آمن بنبوءة إبراهيم.
وانطلاقًا من الملك خزرج إلى أولاده التّسعة عشر، يروي الكاتب ما تيسّر له من أخبار عنهم، فالنّسبة هنا لا تهتمّ بصلة الدّم فحسب، بل تروي قصص هؤلاء الرّجال وأحيانًا مواطن زوجاتهم وما رُوي عنهم من طُرف وعجائب، فتعتبر، هنا، نوعًا أدبيّا من الكتابة بامتياز، يدمج ما بين الواقعيّة والخيال والأسطورة.
فمثلًا، ومع تقدّم القصّة، أجيال عديدة يصل كاتب النّسبة إلى الشّيخ أحمد والد الشّيخ عبد الرّحمن أفندي، وزمانهما غير واضح، فيحكي قصّة زيارة الشّيخ أحمد إلى الحرم الإبراهيميّ حيث قابل “رجلًا من أكابر دولة ذلك الزّمان” ورافقه بدخول الغار حيث يرقد الأنبياء. “فطلب منهم أن يفتحوا باب الغار الشّريف فنزلوا جميعًا حتى وصلوا إلى المحل الّذي فيه أعضاء الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام وإذا بقاطع فيه حضرة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ملقًا على ظهره ومدرج في ديباج أخضر قد بدا وشيبته الشريفة مفروقة فرقتين من النسيم الذي ريحته كالمسك الأوفر ثم ذهبوا وإذا بقاطع فيه سيدنا إسحاق عليه الصلاة والسلام فوجدوه كذلك ثم ذهبوا كذلك إلى محل آخر وإذا فيه سيدنا يعقوب عليه السلام ثم ذهبوا إلى محل آخر وإذا بصوت قايل الحريم يرحمكم الله تعالى فخرجوا جميعًا وقد رأوا جميع الأكفان وأثره فطلعوا من الغار الشريف بعد الزيارة ورؤيتهم ما قد رأوا وشاهدوا فعند ذلك صنع لهم أكفانًا ووضعهم على أجسادهم كما كانوا موضوعين سابقًا وبنوا عليهم بنيانًا خوفًا لا أحد يجسر عليهم فطوبا لهم“.
وفي المراحل المتقدّمة يبدأ التّركيز حول سلالة تميم الدّاري في الخليل ونابلس، ويختتم الكاتب النّسبة ببعض من شيوخ طائفة الخطباء التميميّين في الخليل، أولادهم وأولاد عمومتهم، ويختتم كتابه بآيتين من سورة المؤمنون “فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ – فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ“.
كتبت مخطوطة صحيح البخاري قبل مخطوطة النّسبة بمائة عام، ويظهر في آخرها اسم ناسخها؛ إمام الحرم الإبراهيمي حينها الشّيخ محمّد بن يوسف التّميمي، وقد ورد ذكره في مخطوطة النّسبة أيضًا.