المقال |
عكا في عيونِ أهلها!
المكان: عكا، الشاهدة: المربية سهام منّسى
موقع: عرب48
21/05/2013
لعكا جمالٌ ورونقٌ خاص، لا يعكره استهداف الفلسطينيين منذ النكبة وحتى اليوم، يكفي صفاءُ بحرِها وسمائها في كلُ المواسم، وهي التي تقفُ بشموخٍ كما عهدناه على مرّ التاريخ، هكذا انطبعَت عكا في قلبِ ومشاعر السيّدة سهام منسى، أنّ "عكاها" هي حورية متألقة تشقُ البحر بجمالها، بل أكثر مِن ذلك – تصفها بقولها: "هي جامعي ومعبدي وكنيستي ومأمني، أعشقُ عكا، ميناءها، أسوارها، بحرها، صخورها، أشعرُ كل شيء في عكا يتحدث إليّ، وترافقني الأفكارُ طوال الوقت، ولا تغيبُ عني قصة الغربة وغصة النكبة، وطوال مسيرتي في التعليم، التي امتدت على مدار ثلاثين عامًا، ظلّت حكاية عكا والتهجير الفلسطيني تزيدنا حُبًا لترابِ وطني وهواءِ عكا، اليوم أنا متطوعة متقاعدة حبًا وانتماءً لعكا".
وعن عكا تتحدث فتقول: "كان عدد سكان عكا في العام 1945 يصل إلى نحو 12،500 نسمة، لكن مع صدور قرار تقسيم فلسطين بتاريخ 29، تشرين الثاني 1947، تغيّر الحال، وزاد عدد سكان العرب إلى 18 ألف نسمة، لكن مع سقوط حيفا، وتدفق الناس بالآلاف من القرى المجاورة والمدن المركزية كحيفا، عكا، اللد الرملة، زاد وصل عدد السكان إلى 40 ألف نسمة، لكنّ النكبة عادت لتشتت الفلسطينيين وتُبقي على أربعة آلاف نسمة في عكا".
وتضيف السيّدة منسى: "أنا مولودة في 27 كانون الأول 1938، وأذكر جيدًا أنني في نكبة العام 1948، أقمتُ مع العائلة في دير الروم الأرثوذكس في عكا، قبل النكبة، وقد بدأت المناوشات وزاد العنف، في كل مكان في فلسطين، وقام الفلسطينيون بإقامة لجان قومية في جميع أرجاء البلاد، وفي عكا أيضًا، علمًا أن مهمة رئاسة اللجنة حسني خليفة رئيس بلدية عكا، ومن الأعضاء أحمد الشقيري، أحمد عبدو، أحمد عبدوني، أحمد أدلبي، دكتور نعيم قطران، وموسى السليم نجمي، وغيرهم. وبهذه المناسبة يحضرني التأكيد على أنني وبعض العائلات استطعنا تحرير بيوتٍ لنا بعد احتلالها، فوالدي رحمه الله عليه لم يستطع أن يعود إلى بيته، لكنني أعدته وها أنذا اليوم، وفي كل مناسبة أزور فيها قبر والدي، لا أحملُ باقة زهورٍ مِن حانوتي يقيم بجواري، بل أقطفُ باقاتٍ مِن أشجار الليمون والقراصية، وأزهار البيت، والصبر الذي زرعته، وأحمله أمانةً إلى والدي، لأبلغه أنني كنتُ وفية بالحفاظ على بيت العائلة، وأعدتهُ سالمًا وسكنته كي يبقى ذخرًا على مدى الأيام، يحفظُ تاريخ العائلة صونًا ووفاءً لذكرى والدي والعائلة".
وللسيدة سهام منسى ذاكرة عامرة بالتفاصيل، حكت عن التهجير وعلاقتها بِما جرى في المدن المجاورة ومنها حيفا، وفي كل وقفةٍ لها، تطرقت إلى والدتها وأخوالها، المناضلين، كما تطرقت إلى والدها الذي أوكلت اليه مهمة إعالة العائلة، وعمل هاتفيًا في سكة الحديد عكا-حيفا، وخوفًا مِن تسارع الأحداث والمُستقبل المُبهم، وهكذا بدأ الهروب إلى لبنان، بالزوارق والزحافات بفعل مؤامرة كبرى لتهجير أكبر عدد من العرب، ثم تقول: "بعد سقوط حيفا في 22 نيسان عام 1948 والصدمة الكبيرة التي خلفت ورائها مشاهد مُفجعة، هربت معظم المعائلات الفلسطينية بملابس نومها، وأمهات نسين أبنائهن في البيت وغادرن المكان، وأخريات استبدلن أبنائهن الرُضّع بمخدةٍ على السرير، واستيقظن على ويلاتٍ أكبرُ مِن حجم استيعابهن ناهيك عن المآسي الأخرى الكبيرة التي أعجزُ أنا نفسي عن وصفها في عمري الصغير، وأنا ابنةُ التسعِ سنوات". وتتابع: "وبعد اشتداد الحرب، أبي رفض الخروج من عكا، وشقيقتي عادت بعد عامٍ مع إجراءات لمّ الشمّل، وظلّت حتى يومنا هذا تكره اليهود، وترفُض العودة إلى الأراضي، طالما أنّ الإسرائيليين هم حكّامها. وباختصار رأيتُ أحداثًا كثيرة، قبل سقوط عكا، وتسليمها، وأمضينا وقتًا قاسيًا، وكُنا ننتقل بين الأحياء القديمة والجديدة بتصاريح، وامتلأت مدرسة الحكومة بالجرحى، ولاحقًا اندمجنا بالحياة العملية، وكانت العلاقات بين الطائفتين الإسلامية والمسيحية هُناك، جيدة، وكان هناك نشاط شارك فيه والدي مع آخرين مِن أجل تعزيز وتعميق الارتباط بعكا، ورحل والدي وهو يتمنى أن يتحقق حلم العودة، وأنا بدوري أحملُ هذا الأمل ما حييت، وأتمنى لو استطاع الفلسطينيون أن يحافظوا على بيوتهم وأرضهم في عكا، وليتنا نستطيع أن نوصِل رسالة للمقتدرين مِن العرب شراء البيوت العكية، كي تبقى في عهدة الفلسطينيين حتى العودة".
فصل المقال/ غادة أسعد
تحرير:احمد سليط
|
Preview Target CNT Web Content Id |
|