مجزرة اللد - مع ذكريات من أجدادي
مجزرة اللد، التي ارتكبتها قوات الاحتلال خلال ما عُرف بعملية "داني" الصهيونية، وقعت بين 9 و11 من شهر تموز عام 1948. كانت من أكثر المحطات دموية في حرب النكبة، حتى باعتراف قادة الاحتلال أنفسهم الذين وصفوها بذروة وحشية الحرب.
فقد شهدت اللد أول قصف جوي على مدينة فلسطينية في تلك الحرب، تلاه دمار وقتل وحرائق. انسحب المتطوعون والفيلق العربي وتركوا السكان لمصيرهم، لكن أهالي اللد صمدوا بشجاعة نادرة، وقاوموا حتى نفاد الذخيرة. حينها، تفوقت آلة الحرب الصهيونية بالقوة والسلاح والدعم الخارجي، لتنتهي المعركة بمجزرة هدفها لم يكن سوى القتل لأجل القتل، حيث صدرت أوامر واضحة: "اقتلوا كل من يتحرك".
في جامع دهمش تحديدًا، وقعت واحدة من أبشع المجازر، بعد أن احتمى به المدنيون، فتم قصفهم داخله. مشهدٌ يندى له جبين الإنسانية.
جدي، المرحوم يوسف محمد عبد القادر أبو جمال العناتي، كان عمره 12 عامًا حين هجّرتهم قوات الاحتلال من اللد. وجدتي، أمينة عبد المعطي أم جمال العناتي، كانت بعمر الرابعة فقط، وهي أيضًا من عائلة عناتي. حدثتني كثيرًا عن تهجيرهم، وعن خالها الذي بقي في اللد بعد خروجهم، والذي زرته معها لاحقًا، قبل قدوم السلطة الفلسطينية.
من القصص التي روتها لي، أنها ذهبت في زيارة إلى اللد، وكانت عمتي حينها طفلة صغيرة تُحمل على اليد. حاولت سيدة يهودية خطفها لولا أن تدخل من معها في اللحظة المناسبة. حدثها خالها عن المجزرة، تفاصيلها، وما جرى في تلك الأيام السوداء.
جدي، رغم صغر سنه، كان واعيًا لما جرى. أخبرني أنه كان مختبئًا فوق شجرة حين اقتحم الجنود المدينة، وظل متشبثًا بها حتى ابتعد الخطر. لم يسعفهما العمر الصغير لتذكر كل التفاصيل، لكنني جمعت من رواياتهما المتناثرة صورة دامية، ثم عمّقتها بما قرأته وبحثت عنه لاحقًا.
من أبرز ما علق في ذهني، أن اللد، كما الرملة المجاورة، كانت عصية على الاحتلال، وسكانها رفضوا الخروج منها، وقاوموا بشجاعة. لكن حين نفدت الذخيرة، ارتُكبت مجزرة جامع دهمش، ومن بين ضحاياها جد والدي، الشهيد محمد عبد القادر عناتي، الذي كان مناضلًا ضد الانتداب البريطاني، وسُجن بتهمة مساعدة في قتل عميل. خرج من السجن عند تسلم الاحتلال الإسرائيلي للبلاد، وواصل نضاله حتى استُشهد محروقًا وجريحًا في حرب 1948. رحمه الله وغفر له وجعل مثواه الجنة.
هذا ما نقلته عن أجدادي، وما ربطته لاحقًا بما قرأته عن النكبة، محاولًا أن أوثق ما لم يُكتب، وأن أخلّد جزءًا من الحقيقة كما عاشها أهلي.
يتبع…