من الطنطورة إلى الشام:
السيدة فاطمة عشماوي.. رحلة ألم وتمسك بالهوية

هوية - فدوى برية
دمشق - 17/7/2025
في غرفة صغيرة داخل منزل ابنتها بريف دمشق، جلست الحاجة فاطمة عبد الهادي عشماوي تستعيد فصول النكبة، رغم الألم الذي يرافقها حتى اليوم. كانت زيارتنا لها ضمن نشاطات مشروع هوية في سوريا، وقد استقبلتنا بثوبها الفلسطيني المطرّز، الذي أصرّت أن ترتديه لتُعبّر عن تمسّكها بهويتها وجذورها، رغم كل ما مرّت به من فقدان وتشريد.
فمنزلها قد دُمّر بالكامل خلال الأحداث التي عصفت بسوريا، وفقدت خلال تلك المرحلة المؤلمة ابنتها التي استشهدت، لكنها رغم كل شيء أصرّت على إجراء المقابلة كرسالة وفاء للأرض والذاكرة.
تقول السيدة فاطمة، من مواليد قرية الطنطوره قضاء حيفا عام 1945، إن قريتهم كانت آمنة قبل عام 1948، ولم تكن هناك مشاكل مع اليهود في الجوار. كان منزل عائلتها قريبًا جدًا من البحر، لدرجة أن مياه المدّ كانت تدخل البيت والحديقة. وكانت المياه تصل إلى حيث زرعوا الباذنجان والبندورة، حتى إنهم كانوا يلتقطون السمك أحيانًا من بين الزرع.
كان البيت مكوَّنًا من غرفتين، وكانت تعيش فيه مع أمها وأبيها وشقيقتها وشقيقها، بينما كان الجد يسكن في بيت مستقل قريب. اشتغل أبوها وجدها في الزراعة، كما كان أغلب سكان البلدة يعملون أيضًا في صيد السمك. تذكر أن الزواج كان يتم غالبًا من داخل القرية، وكانت العلاقات الاجتماعية قوية، وكان هناك قربات ومناسبات دائمة.
تروي السيدة فاطمة كيف بدأت النكبة في قريتهم، عندما هاجمتهم العصابات الصهيونية من ثلاث جهات: من جهة البحر، ومن سكة الحديد، ومن البر. وكان السلاح يصل للعصابات الصهيونية من كل الجهات، بينما عانى أهالي القرية سريعاً من نفاد ذخيرتهم، ولذلك استطاعت العصابات السيطرة على الطنطوره.
تؤكد أن العصابات الصهيونية أرادت أسر كل من في القرية، رجالاً ونساءً، إلا أن تدخُّل يهود من بلدة زمّارين كانت لهم علاقات طيبة مع الأهالي، حال دون ذلك، فتم إطلاق سراح النساء، وأُسر معظم الرجال، ومنهم جدها وأبوها وعمها. وتشير إلى أن نساء القرية كنّ أثناء المعارك يساعدن في نقل المياه والطعام للمقاتلين، ويساهمن في إسعاف الجرحى.
تذكر من عائلات القرية: الدسوقي، عشماوي، أبو ماضي، بير طنجة، الأطرش، صباغ، وأبو عائشة.
بعد سقوط الطنطوره، خرجت نساء القرية ومعهن الأطفال مشيًا على الأقدام باتجاه بُصرى الشام، وسط برد شديد ونقص حاد في الطعام والشراب. كثير من الأطفال ماتوا من المعاناة في تلك الفترة، حتى أن أختها آية وأخاها أحمد توفيا في أسبوع واحد، ومرضت فاطمة بشدة في الفترة نفسها.
تختم السيدة فاطمة حديثها بمرارة، مؤكدة أن ما مرّ به أبناء قريتها لا يُنسى، وأن النكبة باقية في الوجدان، والحق الفلسطيني لا يسقط بالتقادم.
