
كان طريق التجارة الشرقي قدر عائلتنا –جويحان– الذي سرنا فيه جيلًا بعد جيل٬ في منتصف الأربعينيات عندما ركبت الباخرة التابعة لشركة البوتاس الفلسطينية في البحر الميت مع والدي من أجل توزيع البضائع على نقاط البيع من شمال البحر حتى جنوبه، كنت أكمل المهمة التي بدأها أجدادي قبل 200 عامًا على الأقل، حيث فتحوا خطًا للتجارة مع الشرق باتجاه الطفيلة والكرك وغور الصافي من خلال تصدير السكر والشاي وغيرها من البضائع واستيراد الحبوب والسمن والصوف واللبن، وفي احدى تلك الرحلات تعرض جدي للقتل على أيدي قطاع الطرق في منطقة عراد (جبل أصدم) ولكن أبنائه أكملوا المسير وكان لعائلتنا الفضل في تنمية تلك المناطق ليس تجاريًا فقط، بل أيضًا في فتح أول شركة حافلات للنقل وفي التعليم وغيرها العديد.
ولدت في القدس عام 1937م وكان والدي حينها يعمل على سيارة لنقل البضائع من ميناء يافا إلى باقي فلسطين، ولكن بسبب الثورة الفلسطينية الكبرى والاضراب الكبير الذي استمر لشهور، والذي استبسل فيه عمال الموانئ بشكل خاص، ترك والدي العمل بسبب ضعف التجارة وانتقلنا للسكن في الخليل في حارة المشارقة التحتا، لم تكن هذه الحارة مكانًا عاديًا في الخليل فهي كانت ملاصقة لحارة القلعة التي هدمت مطلع الستينيات، اذكر التكية جيدًا وتلك المكتبة الإسلامية بجوار الحرم والتي كانت تحتوي على كتب ومخطوطات يأتيها العلماء من كل مكان، لكنها في لحظة ما أصبحت أثرًا بعد عين، درست الابتدائية منتصف الاربعينيات في مدرسة البلدية التي كانت تقع مقابل الحرم الابراهيمي وهي مدرسة خاصة، اذكر أساتذتي فيها الذي كان العمل النضالي يرافق مسيرتهم التعليمية ومنهم (خالد العسيلي، عبد المجيد الزير، عيسى جبرائيل، عبد الرحيم زلوم، أحمد الصاحب) وأتذكر صوت نشيدنا الصباحي وهو يتردد بين الجبال "عليكِ منا السلام يا أرض أجدادي".
في سنوات الخمسينيات عشت النشاط الحزبي الذي عاشه الفلسطينيون ككل، ووقفت مع زملائي الطلاب ونحن نهتف ضد قائد الجيش الأردني الشركسي في المقاطعة "حكمت مهيار" خاصة بعد مقتل رجاء أبو عماشة في القدس اثر المظاهرات المناهضة لحلف بغداد، وكنا كل صباح نتابع مجريات الأمور من خلال صحيفة الشعب أو من خلال محادثات كبار مثقفي المدينة في القهوة المعلقة ـ أبو زينة ـ أو في قهوة اللاجئين، ولا انسى مشهد المناضل فخري مرقة عندما كان يختبئ في الشجرة المقابلة لباب بيته عندما كان البوليس الأردني يلاحقه، كان الهم الفلسطيني هو أكبر ما يقد مضجعنا وكان الشباب بشكل فاعل وأساسي هم من يحملون على عاتقهم مسؤولية الأرض والنضال، ولا انسى قريبي عبد الحميد جويحان الذي حاول مع صديقه صادق الشرع الانقلاب على الحكم في الأردن قبل أن ينكشف أمرهم، ثم هربوا إلى سوريا بعدها.
في نهاية الخمسينيات عينت كمعلم في الصويلح في عمان وتنقلت بين الشونة الجنوبية ودورا إلى أن أكملت مسيرتي في مدرسة ابن رشد في الخليل، وعملت الى جانب التعليم في الجانب الرياضي مع نادي شباب الخليل الذي شهدت فترته الذهبية التي حصل فيها على لقب عميد الأندية الفلسطينية بشكل لا يوجد له مثيل أو منافس.
جانب قصير من اللقاء الثري والمُبهر يوم أمس الاثنين 7/10/2024 مع الأستاذ رشيد جويحان مواليد القدس عام 1937م، الشكر موصول له ولعائلته على حسن الضيافة والاستقبال.
المصدر: نادي الندوة الثقافي
08/10/2024
